أضعف الإيمان وأقصر السبل
السبت، 27 أكتوبر 2018 09:55 ص
تشعر وأنت في محطات المترو والقطارات في أغلب الدول المتقدمة سواء في أوروبا أو دول شرق آسيا أنك في مركز تجاري ( مول ) وليس محطة مترو وبخاصة المحطات الرئيسية في المدن ، وفي كثير من الأحيان يقوم البعض بارتياد تلك المحطات من أجل التسوق فقط ، كما أن تلك الفكرة تساعد المواطنون في شراء احتياجاتهم أثناء انتظارهم للقطار دون الحاجة لمضيعة الوقت في الذهاب لأماكن أخرى للتسوق .
أما في مصر فالمسألة تتم بعشوائية عجيبة دون محاولة للحل ، فالمشكلة الكبرى التي تواجه سكان المناطق المجاورة والمقابلة لمحطات المترو هي الباعة الجائلين واحتلالهم للشوارع والأرصفة بشكلٍ مؤذٍ ، ويعد ذلك سببا رئيسيا لرفض سكان منطقة الزمالك الراقية واعتراضهم على إنشاء محطة مترو بها حتى وإن كانت وسيلة مواصلات سهلة للسكان لأنهم يعلمون ما ستعانيه المنطقة بسبب الباعة الجائلين ، وهذا ما حدث بالفعل في جزء كبير من شارع ٩ الشهير بالمعادي في المنطقة المواجهة لمحطة المترو .
إن مشكلة الباعة الجائلين معقدة ومركبة فمن جهة نعتبر هؤلاء الباعة مساكين ويبحثون عن لقمة العيش الحلال وأن إزالتهم ستغلق منازلهم وتشردهم وهي وجهة نظر حقيقية ، وفي المقابل أيضا سكان تلك المناطق مساكين ولايمكن أن يكون حل مشكلة الباعة هو إيذاء الآخرين واحتلال أرصفة المشاة وإزعاج السكان ، بينما هناك حلول أخرى ترضي جميع الأطراف ، فالحل موجود وبسيط ونحن لا نطالب المسؤولين بالابتكار أو اختراع العجلة فالاقتباس أضعف الإيمان وأسهل السبل ، إذ يمكن للدولة تحويل المحطات من الداخل لنسخة مصغرة مما هو عليه الحال في أوروبا والدول المتقدمة ، على أن يكون هناك حصر دقيق لهؤلاء الباعة وتحديدهم وإنشاء أكشاك مخصصة لبيع بضائعهم بشكل منظم داخل المحطات بإيجارات رمزية لمساعدتهم في الكسب الحلال مع الحفاظ على مظهر الدولة الحضاري وحق المواطن في السير على رصيف خالٍ من الإشغالات وإيجاد أماكن آمنه لصف السيارات ورحمة سكان تلك المناطق من العشوائية والازدحام ، بشرط منع أي بائع جديد من احتلال الشوارع أو التواجد خارج المحطات ، مع ضرورة سن مجلس الشعب لقانون ينص على أن من يشغل الأرصفة بغير وجه حق يعاقب بالحبس .
وبما أن لكل دولة ظروفها فهناك حل آخر مساعد لهذه المشكلة وهو إمكانية الاستفادة من أنفاق وكباري المشاة في إنشاء أكشاك تجارية أيضا فلدينا العديد من أنفاق عبور المشاه لا يستخدمها أحد بسبب ظلامها واستخدامها من البعض كأوكار و تستطيع الدولة استغلالها عن طريق إنارتها ووضع كاميرات مراقبة وإنشاء أكشاك بيع محترمة ومنظمة لهؤلاء الباعة مما يساعدهم دون إضرار بباقي المواطنين فالقاعدة تقول لا ضرر ولا ضرار ، ويا حبذا لو اقتبست الدولة فكرة الحمامات العامة الموجودة في الدول المتقدمة وأنشأت نماذجا مماثلة لها بالقرب من تلك الأنفاق والكباري حفاظا على النظافة العامة ، فوجودها يعد حلا جيدا لمشكلة تواجه المواطنين والباعة أثناء تواجدهم في الشوارع وخارج منازلهم .
إن فوائد تواجد باعة في الأنفاق وعلى كباري المشاة عديدة فهي تؤدي بالإضافة للمكسب المادي إلى تشجيع المواطنين على استخدامها وعبور الطرق من خلالها بدلا من حالة الارتباك المروري التي تحدث بسبب عبور المشاه للطرق السريعة ، كما أن المواطن عندما يطمئن لوجود باعة وإضاءة وحركة طبيعية في تلك الأنفاق سيشعر بالأمان ، بالإضافة إلى أن تيسير عملية التسوق وشراء المتطلبات أثناء العبور من خلالها سيشجعه على استخدامها ، أما الأنفاق والكباري بوضعها الحالي تعد إهدارا للمال العام حيث إنها كلفت الدولة الكثير دون الاستفادة منها وتحقيقها للهدف الأصلي .
دائما ما نجد أن حلول المشكلات المزمنة كثيرة وسهلة ولا تحتاج من المحافظين ورؤساء الأحياء والحكومة ككل سوى إعادة النظر فيها والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة ومحاكاتها ، فلا أعلم حقا هل عندما يسافر المسئولون لا يشعرون بالغيرة من تلك الدول ؟ وهل وهم من بيدهم تنفيذ تلك الأفكار لم ينتبهوا لضرورة تنفيذها أم أنهم لم ينتبهوا لها أصلا أم لم تسمح لهم الظروف من الأساس بالسفر أو على أقل تقدير مشاهدة البرامج والأفلام الأجنبية كي يستلهموا الحلول وأساليب تنفيذها؟ وعلى كل حال وأيا كانت الأسباب ها نحن نسلط الضوء على المشكلات ونحاول المساهمة في إيجاد حلول سهلة وغير مكلفة بنقل ما نشاهده وبلورته في شكل حلول مبسطة قابلة للتحقيق على أرض الواقع في وطننا أيضا وبتكلفة بسيطة ترضي وتفيد جميع الأطراف فهل من مهتم ؟ وهل من منفذ ؟ فمصر دائما تستحق الأفضل والله المستعان .