ريا وسكينة ٢٠١٨
الجمعة، 31 أغسطس 2018 02:56 م
ربما قد أطيل الحديث في هذا المقال فالقضية معقدة وسردها والبحث عن أسبابها وحلول لها والجهات المختصة بالحل يحتاج لمجلدات ليس فقط لسطور في مقال .
قضايا قتل بشعة تقشعر لها الأبدان أصبحنا نطالع تفاصيلها بشكل شبه يومي وأغلبها قضايا لا يصدقها عقل من حيث التفاصيل وطبيعة المتهمين وصلتهم بالضحايا فمنذ حوالي عام عثر سكان منطقة (مدينتي) في المسجد على طفل مقتول وملفوف في سجادة ، وبالكشف على الكاميرات والبحث وراء الجريمة اتضح لرجال المباحث أن الأم وزوجها هما من قاما بتعذيب الطفل وقتله بدم بارد ثم محاولة إخفاء الجريمة !
وخلال هذا العام توالت جرائم مشابهة منها جريمة قتل أم لأطفالها وإلقاؤهم في شارع الهرم ، ومؤخرا جريمة إلقاء أب لطفليه في الترعة ، ونهاية بمقتل شاب على يد خطيبته أو (حبيبته ) ووالدها ووالدتها بلا أدنى رأفة ولا رحمة ودفنه في حفرة داخل المنزل في مشهد أغرب من الخيال أعاد علينا قصة ريا وسكينة في ثوب جديد موديل ٢٠١٨ .
العجيب في الأمر أن كل هؤلاء المجرمين عند محاكاتهم لجرائمهم وسردهم لتفاصيلها يتملكهم البرود ولا نرى في أعينهم دمعة واحدة وكأن مشاعرهم ميته وقلوبهم تحجرت للأبد ، حتى وأن ذلك الأب الذي يحاول البعض اقناعنا بأنه مظلوم تمتع ببرود متناه أثناء الاعتراف وكأن من ماتا ليسا إبنيه وهو ما أكد لي شخصيا أنه القاتل وأن مشاعره وقلبه ميتان أصلا ، لا أستطيع استيعاب كل هذا البرود وجمود المشاعر فالإنسان السوي حين يفقد حيوانا كان يربيه يبكيه إلى أن تتورم عيناه ، أما هؤلاء فلم يظهر على وجوههم لمسة حزن واحدة ولم نشعر في حديثهم بالندم أو الانهيار الذي يتبع القيام بجريمة كهذه .
من المؤكد أن هؤلاء يعانون من خلل وتشوه نفسي وفقدان للعاطفة وانعدام للتربية القويمة وتراكمات أخرى كثيرة أوصلتهم لهذه الحالة من موت المشاعر والضمير .
وهنا لابد للدولة من وقفة ووضع خطة لتقويم سلوك المواطنين عن طريق الاستعانة بالمتخصصين في علم النفس والسلوك والاجتماع ، والبحث عن الأسباب التي وصلت بالمجتمع أو بجزء منه لهذه الحالة كي نستطيع التوصل لحلول حقيقية قابلة للتطبيق ، وهنا دائما ننادي بأن الوقاية خير من العلاج ، ومن المؤكد أن من عليهم الدور الوقائي الأساسي هم وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والمؤسسات الدينية ورجالها والقائمون على صناعة السينما والدراما التليفزيونية وقبل كل هؤلاء ( الأسرة ) ، فعلى وزارة التربية والتعليم وضع ( التربية) والتقويم السلوكي على رأس أولوياتها وإضافة مادة السلوكيات والأخلاق منذ المراحل الأولى ففي ظروفنا الحالية تعد هذه المادة أهم من منهج الرياضيات وغيره من المواد الأخرى ، وإدراجها في المجموع على أن تستعين الوزارة بخبراء لعمل مناهج تفرز في النهاية مواطنا صالحا ، كما أن على وزارة الثقافة دورا جبارا في تعديل سلوك ومزاج واتجاهات المواطنين وعليها توسيع مجال عملها التثقيفي والتوعوي والوصول لمواطني كل بقعة على أرض الوطن بما فيها القرى والنجوع ، والاهتمام بإنتاج برامج ومسلسلات وتنويهات توعوية تخاطب جميع طبقات الشعب الذي لم يعد منهم من هو بعيد عن تلك المصيبة ، وبالطبع لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الفن والقائمون عليه وضرورة الاتجاه لأعمال محترمة حتى ولو كانت مخالفة لحقيقة وواقع المجتمع ، فبالفن نستطيع تغيير تلك الحقيقة وجذب المشاهد لتقليد الأبطال فعندما يشاهد المواطن الأبطال في أدوار إنسانية محترمة ويستمع لحوار محترم وأسلوب راق سيبدأ تلقائيا في محاكاة ما يشاهده وسيتجه للانخراط في عالم جديد عليه ولكنه أعلى وأسمى وربما يساعد تدريجيا في النهوض بالمجتمع ، أما ما نشاهده من بلطجة وألفاظ خارجة بحجة أنها واقع في المجتمع فلن نستفيد منه شيئا سوى ترسيخ هذا الواقع المرير وتثبيت جذوره في الأرض إلى أن نجني جميعا ثماره البشعة كما يحدث الآن .
أما المؤسسات الدينية ورجال الدين فنطالبهم ونستجديهم أن يركزوا في خطبهم وخطاباتهم على المعاملات والجوانب السلوكية الطيبة التي تدعو إليها جميع الأديان ، وأن يهتم كل رجل دين يظهر على شاشات التليفزيون بالقضايا الأخلاقية بدلا من صب همه في موضوعات أقل أهمية في الزمن الحالي ، فالأولوية العظمى الآن لابد أن تكون لقضايا المعاملات والأخلاقيات التي انهارت وأوصلت المجتمع لحافة الهاوية .
وفي النهاية علينا جميعا إن أردنا خدمة المجتمع وخدمة مستقبل أبنائنا أن يبدأ كل منا بنفسه وبأبنائه وتربيتهم التربية القويمة ، وإعادة روح الأسرة المتحابة والمجتمعة على الخير والمودة والعاطفة ، وعودة الدور الرقابي والتهذيبي للآباء والأمهات مرة أخرى بعد أن أوكل البعض هذا الدور الهام للمربية أو مساعدة المنزل ، ومنهم من ترك الشارع يربي أبنائه .
وأخيرا إن لم نستفق وإن لم يقم كل منا بواجبه ودوره على أكمل وجه فلا نلومن إلا أنفسنا فالسقوط في الهاوية أصبح وشيكا جدا ولا أحد يعلم متى يأتي عليه الدور .