في ظل انهيار الليرة.. هل يدرك الديكتاتور العثمانى دروس المصريين؟
السبت، 18 أغسطس 2018 06:00 مبيشوى رمزى
فى الوقت الذى دعا فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مواطنيه إلى تحويل ودائعهم إلى الليرة التركية، فى محاولة يائسة لإنقاذ الاقتصاد التركى، زادت الودائع الدولارية بما يقرب من مليار دولار خلال أسبوع واحد، وهو ما يعكس فشل دعوة الديكتاتور العثمانى، وربما انهيار ثقة مواطنيه فى قدرة النظام الحاكم بأنقرة على استعادة التوازن الاقتصادى، خاصة وأن العملة التركية تواصل السقوط فى المرحلة الراهنة، وهو ما يهدد بالقضاء على الأخضر واليابس فى أنقرة، فى ظل تنامى الغضب الشعبى، فى الداخل التركى جراء همجية القرارات الاقتصادية التى يتخذها الديكتاتور العثمانى.
لعل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التى تشهدها أنقرة فى المرحلة الراهنة، ربما تعيد إلى الأذهان، ما سبق وأن شهدته مصر، فى مرحلة ما بعد الفوضى، فى ظل تداعيات سنوات طويلة من عدم الاستقرار، جراء الاحتجاجات المتواترة التى شهدتها البلاد منذ يناير 2011، وما تلاها من مراحل، ربما أكثرها انتكاسا، كان وصول جماعة الإخوان الإرهابية، والتى تمثل أحد أهم الأذرع التى سعى أردوغان إلى استخدامها لتحقيق مآربه السياسية، وأهمها وهم استعادة الخلافة العثمانية المزعومة، لينتهى الأمر فى النهاية بانتصار إرادة الشعب بإسقاط الجماعة الإرهابية، فى 30 يونيو 2013 بدعم من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والشرطة.
رغم اختلاف المعطيات.. تتشابه الظروف
يبدو أن الوضع الاقتصادى المتدهور فى تركيا فى المرحلة الراهنة، يدفعنا نحو استدعاء المشهد المصرى قبل سنوات قليلة، رغم اختلاف المقدمات والظروف، حيث واجهت مصر أوضاع كانت خارجة عن إرادة الدولة، تحالفت خلالها قوى الشر فى الداخل، مع العديد من القوى الإقليمية المتآمرة، بينما لم تكن الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بعيدة عن المشهد، حيث سعت إلى استخدام حالة الفوضى، التى نشبت فى الداخل من أجل تحقيق أجندتها القائمة على ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة"، من أجل إعادة تقسيم الشرق الأوسط.
إلا أن التدهور الاقتصادى التركى جاء نتيجة جموح الديكتاتور المتهور، الذى سعى بقوة نحو إحكام قبضته على الاقتصاد التركى، من خلال تغيير الدستور، وتقليص صلاحيات المؤسسات الاقتصادية، وعلى رأسها البنك المركزى، بالإضافة إلى وضع صهره فى منصب وزير المالية، فى إشارة واضحة لرغبة أردوغان فى الاستئثار بكل شىء، إن لم يكن بيده، فليكن بيد أقاربه والموالين له، وهو المبدأ نفسه الذى حاولت الجماعة انتهاجه فى مصر، خلال عام واحد من الحكم، إلا أن مخططها انهار تماما تحت أقدام المصريين الذين احتشدوا بالملايين فى مختلف الميادين مطالبين بإسقاط النظام ليتحقق لهم ما أرادوا.
بين السيسى وأردوغان.. مثابرة المصريين تعيد التوازن الاقتصادى
ولكن لم يتوقف دور المصريين فقط فى مجرد إسقاط النظام بالثورة، ولكن امتد إلى دعم القيادة المصرية الجديدة، والتى جاءت إلى السلطة بإرادتهم الحرة، وهو الدعم الذى لم يكن مجرد شعارات ليتشدق بها النظام الحاكم، كما فعل أردوغان ونظامه، وإنما امتد إلى تقديم الغالى والنفيس فى سبيل استعادة التوازن الاقتصادى بعد سنوات من الترنح، وهو ما بدا واضحا فى المليارات التى ضخها المصريون من أموالهم الخاصة، سواء لدعم مشروع قناة السويس الجديدة أو لصندوق "تحيا مصر"، كما أنهم تحملوا بمثابرة يحسدون عليها الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى اتخذتها الحكومة، من أجل النهوض بالاقتصاد.
وهنا يمكننا المقاربة بين موقف المصريين الداعم لحكومتهم فى بداية حقبة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وموقف الأتراك، الذين سعوا إلى زيادة ودائعهم الدولارية، ربما خوفا من مزيد من الخسائر المتوقعة مع المزيد من الانهيار لليرة التركية، أو نكاية فى الديكتاتور، الذى لجأ إلى القمع والبطش تجاه كل من تسول له نفسه أن يكتب أو ينطق بكلمة معارضة، حيث سيجد حينها قائمة اتهامات جاهزة مقدما، سواء بالمشاركة فى الانقلاب المزعوم، أو بالإرهاب والموالاة لحزب العمال الكردستانى، وهى الاتهامات نفسها التى تواجه أصحاب الرأى، والمفكرين والصحفيين والمعارضين فى أنقرة فى السنوات الماضية.
ليست المرة الأولى.. الأتراك يواصلون تخليهم عن الديكتاتور
ولعلها ليست المرة الأولى التى يعبر فيها الأتراك عن امتعاضهم بل ورفضهم للرئيس التركى، فقد سبق لهم وأن أعربوا عن ذلك بالتظاهرات فى ميادين أنقرة واسطنبول، وعلى رأسها ميدان تقسيم، الذى شهد انتهاكات جسيمة من قبل القوات الموالية للنظام تارة، وعبر الصناديق الانتخابية تارة أخرى، وهو ما بدا فى الانتخابات التشريعية فى يونيو 2015، والتى حصل فيها حزب الشعب الكردى المعارض على أعداد كبيرة من المقاعد لم تكن لتسمح للديكتاتور العثمانى بإحكام قبضته على السلطة فى البلاد، وهو ما دفعه لشن حرب دامية على حزب العمال الكردستانى لتخويف الشعب التركى من تداعيات التغيير، وبالتالى تحقيق انتصار زائف فى الانتخابات التى تمت إعادتها بعد شهور قليلة.
التطور الملموس الذى تشهده مصر بعد مرور 4 سنوات فقط من وجود الرئيس السيسى على سدة السلطة فى مصر، بدعم المصريين، يمثل درسا هاما للخليفة المزعوم، إذا ما أراد أن يتعلم، فالشعبية الكبيرة ليست مجرد شعارات، يتشدق بها فى خطاباته، وإنما تتجسد بوضوح فى سلوك الشعوب، التى تسعى إلى دعم أنظمتها قولا وفعلا.