المنحة السخية التى قدمها تميم لأردوغان ربما تساهم فى إضافة المزيد من الضغوط على قطر فى المرحلة الراهنة، خاصة وأن موقف ترامب من خصومه لا يقبل المساومة، وهو ما بدا واضحا فى تغريدته قبل نحو أسبوع، عندما أعلن أن الدول التى سوف تتحدى العقوبات الأمريكية على إيران لن يمكنه القيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة، وهو الإعلان الذى يعيد إلى الأذهان مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا"، والذى سبق وأن رفعه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش، وهو الموقف الذى يمكن تعميمه على تركيا إذا لم ترضخ أنقرة للمطالب الأمريكية، وبالتالى فإن الموقف القطرى ربما يساهم إلى حد كبير فى خسارة قطر لأشهر طويلة من الرهان على النفوذ الأمريكى فى حل أزمتها مع محيطها الإقليمى.
ابتزاز الدوحة
ويبدو أن قطر أدركت منذ بداية الأزمة، أن الإقدام على أى خطوة من شأنها دعم أنقرة، سوف يكلفها الكثير، والذى قد يصل إلى وضعها فى خانة العزلة الدولية، حيث لم تبدى الدوحة أى موقف منذ بداية الأزمة التركية الأمريكية، وانهيار الليرة التركية، وكذلك إعلان الإدارة الأمريكية عن عقوباتها بحق مسؤولين أتراك، كما واصلت صمتها مع إعلان واشنطن لإجراءاتها الأخيرة بحق أنقرة، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى رغبة "الحمدين" فى عدم استفزاز ترامب من جانب، بالإضافة إلى المتاعب الاقتصادية التى تعانيها قطر بسبب المقاطعة من جانب آخر.
وتزامن التحرك القطرى تزامن مع الاتصال الهاتفى الذى أجراه أردوغان بأمير قطر، بعد ساعات من الإجراءات الأمريكية، وهو الاتصال الذى كان بمثابة استدعاء الخليفة لأحد الأمراء العاملين تحت إدارته فى خلافته المزعومة، وكذلك ما أثارته بعض الصحف التركية، والمعروفة بقربها من النظام التركى، عن خذلان قطر لتركيا بعد حالة الانهيار التى أصابت العملة التركية، وتجاهل الدوحة لسوء الوضع الاقتصادى بأنقرة، وهو ما يمثل محاولة صريحة لابتزاز الدوحة، ومطالبة واضحة برد الجميل الذى قدمته أنقرة طيلة الأشهر الماضية لمناصرة الدوحة ضد أشقائها العرب فى أعقاب المقاطعة.
أردوغان الحاكم الفعلى للدوحة
زيارة تميم إلى تركيا، تعكس بصورة كبيرة عمق النفوذ التركى فى الدوحة، خاصة وأن الدوحة ربما لم تسعى لتقديم أى دعم لطهران، رغم أن النظام الحاكم فى إيران يمر بظروف تبدو متشابهة لما تمر به أنقرة، سواء على المستوى الدولى، فى ظل الأزمة الحالية بين إدارة ترامب والملالى على خلفية العقوبات الأمريكية الأخيرة، ومن قبلها الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، الذى أبرمته طهران مع القوى الدولية الكبرى، وكذلك على المستوى الاقتصادى، حيث تعانى العملة الإيرانية انهيارا كبيرا جراء تردى الأوضاع الاقتصادية، خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن الدور الإيرانى فى دعم قطر فى أزمتها الخليجية كان بارزا، وربما لا يقل على الدور التركى.
ويمثل التحرك القطرى الأخير انعكاسا لحقيقة مفادها أن أردوغان يعد الحاكم الفعلى للدوحة، منذ بداية الأزمة الخليجية، كما أنه يؤكد أن القواسم المشتركة بين الدوحة وأنقرة تصل إلى مدى واسع، فى ظل دعم كلا منهما للميليشيات الإرهابية فى العديد من دول المنطقة سواء بالمال أو بتصدير المتطرفين، فى إطار سعيهما لتقويض الاستقرار فى المنطقة العربية طيلة السنوات الماضية، من خلال ما يسمى بثورات "الربيع العربى".