تميم يدفع الجزية لأردوغان.. 35 مليار دولار قطرية في تركيا بين الاستثمار والتبعية
الخميس، 16 أغسطس 2018 02:00 م
إذا كنت مستثمرا وفكرت في توجيه حصة من استثمارات إلى أحد الأسواق، فليس بإمكانك التحرك قبل دراسة السوق التي تستهدفها. توجيه حصة ضخمة من استثماراتك لسوق مهتزة يبدو مغامرة غير محسوبة، أو اتجاها سياسيا أكثر من كونه استثمارا فعليا.
في حالة الدول التي تملك أذرعا استثمارية ضخمة، لا يمكن النظر إلى الاستثمارات المباشرة خارج حسابات التوازن السياسي. يعود الأمر في جانب منه إلى العلاقات والخريطة الجيوسياسية والمصالح المشتركة وتوازنات القوى. هكذا لا يمكن مثلا توقع أن توجه الولايات المتحدة حزمة استثمارية ضخمة للصين، والعكس أيضا، في ظل الحرب التجارية المتصاعدة بين البلدين.
تميم بن حمد واردوغان
قطر وتركيا.. استثمار أم شراء أمان؟
في وقت تواجه فيه تركيا أزمة اقتصادية تبدو حادة بدرجة غير مسبوقة، مع تهاوي سعر الليرة مقابل الدولار، وارتفاع عجز الميزان التجاري وإجمالي الديون الخارجية وكُلفة خدمتها، كان مفاجئا أن يُبادر تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، بزيارة أنقرة ولقاء أردوغان، معلنا ضخ 15 مليار دولار استثمارات مباشرة في السوق التركية، حسبما قال مكتب أردوغان في بيان صادر أمس الأربعاء.
بحسب تقرير نشره موقع "ترك برس" التركي المحسوب على النظام، فإن إجمالي الاستثمارات القطرية في تركيا سجلت 20 مليار دولار بنهاية العام 2017. التدفقات الجديدة ترفع هذا الرقم إلى 35 مليار دولار بما يقرب من 4% من إجمالي الناتج التركي، وحوالي 20.5% من إجمالي الناتج القطري الذي سجل 44 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري.
تميم بن حمد
يمكن النظر للإعلان الأخير عن دفعة استثمارات قطرية جديدة بقدر من الاستغراب، وفق الحسابات الاقتصادية والاستثمارية. ففي وقت تواجه فيه تركيا أزمة اقتصادية مزعجة، دفعت كثيرين من المستثمرين لتجميد أعمالهم أو تقليصها، واضطرت بنوكا أوروبية عديدة لمراجعة ملاءتها الائتمانية للحكومة والقطاع الخاص في تركيا، تُعلن إمارة قطر الصغيرة نسبيا عن ضخ 75% من قيمة استثماراتها الحالية. هذه الخطوة لا تبدو تحرّكا عاقلا حال النظر لها بحسابات الجدوى، حتى لو كانت التوقعات المستقبلية لأداء الاقتصاد التركي تبشّر بقدر من التعافي في المديين المتوسط والبعيد، لكن المفارقة أنه لا وجود لهذه التوقعات حتى الآن.
بهذا التصور يمكن القول إن قطر لم تضع في حسبانها احتمالات الخسارة التي قد تلحق بالاستثمارات القائمة أو التدفقات الجديدة. يبدو الأمر كما لو كان دعما مباشر للنظام التركي والرئيس رجب طيب أردوغان، وبالنظر إلى الحصار الذي تعيش فيه قطر منذ يونيو 2017، على خلفية الموقف العربي الواسع من دعمها للإرهاب واستهدافها لأمن دول الجوار، ورهانها طوال الفترة الماضية على إيران وتركيا منفذين بديلين للحماية وتوفير الاحتياجات الأساسية والوصول للعالم، قد تكون مغامرة ضخ 15 مليار دولار معرضة للتهديد خطوة مُبرّرة، خاصة مع الأزمات التي تعيشها إيران بشكل يُفقدها آليات الدعم والمساندة التي وفرتها لقطر في الشهور الماضية، بحيث لم يصبح لدى النظام الحاكم في الدوحة بديل عن أنقرة. هكذا قد تكون الخطوة الأخيرة شراء للأمان وليست استثمارا بحسابات الاقتصاد والجدوى المالية.. يمكن تطوير الأمر واعتباره "جزية" مباشرة، باعتبارها فاتورة مالية مقابل خدمات معنوية، تفرضها قوة تركيا وهيمنتها على قصر الوجبة ونظام آل ثاني في قطر، ولا تنبع من مراكز متكافئة بين البلدين.
صندوق "قطر - تركيا" السيادي
وفق الأرقام القطرية الرسمية، تملك الإمارة صندوقا باسم "قطر السيادي" يبلغ إجمالي أصوله 335 مليار دولار. بوصول الاستثمارات القطرية في تركيا إلى 35 مليار دولار تكون الإمارة الصغيرة قد وجهت قرابة 10.5% من إجمالي أصولها للوجهة التركية، واهتزاز هذه الوجهة وتنامي ديونها وعجز مؤشرات أدائها المالي، كلها تُعني أن قطر تضع هذه النسبة الكبيرة من أصولها في مهب الريح، أو تقترب من التعامل مع صندوقها الخاص باعتباره صندوقا قطريا تركيا مشتركا.
أُنشئ صندوق قطر السيادي بالقرار الأميري رقم 22 لسنة 2005، بغرض الاستثمار الداخلي والخارجي وإدارة الفوائض المالية من النفط والغاز، ويُعد تاسع أكبر صندوق سيادي في العالم حسب بيانات معهد SWFI المتخصص في رصد حركة الصناديق الاستثمارية السيادية. موقع جهاز قطر للاستثمار يقولإن مهمة الصندوق تسهيل التنوع الاقتصادي وتطوير تنافسية الاقتصاد القطري. الصندوق هو أكبر مستمثر داخل قطر وبورصة الدوحة، إذ يستحوذ على الأغلبية في بنك قطر الوطني وشركة "أوريدو" للاتصالات التي تنتشر في 12 دولة. وتقول خدمة "رويترز بريكنج فيوز" إنه يملك استثمارات مباشرة في عدد من دول أوروبا، أبرزها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وفرنسا بجانب الولايات المتحدة الأمريكية.
مؤشرات أداء الصندوق منذ إنشائه قبل ثلاث عشرة سنة، لا تشهد قفزة في الاستثمارات الموجهة لأي من الأسواق الخارجية التي يعمل فيها الصندوق بالنسبة التي حدثت مع تركيا مؤخرا. وأن تأتي هذه القفزة خلال زيارة أمير قطر للعاصمة التركية وسط مناخ الأزمة الحالية، فالأمر أبعد من كونه رهانا اقتصاديا أو خطوة واسعة لانتهاز فرصة استثمارية لامعة. يمكن القول إن الفرص غير متوفرة في المناخ التركي حاليا، ومعدلات المخاطرة أعلى من احتمالات النجاة أو الحفاظ على الأصول والمراكز المالية القائمة. هذا الأمر كافٍ لترجيح وجهة النظر القائلة بسعي قطر لتوطيد روابطها مع تركيا بعدما شهدت تآكلا قاسيا في تحالفاتها الأخرى خلال الفترة الماضية، حتى لو كان السبيل لهذه الغاية هو وضع أصول صندوقها السيادي تحت يد تركيا.
الدوحة - أنقرة - واشنطن
كان مُتوقعا أن تطلب تركيا مساندة قطر في الأزمة الحالية، أو تبادر الأخيرة بالمساندة، لكن التوقعات نفسها كانت تُرجح أن يتم هذا الأمر بصورة غير مباشرة، أو غير مُعلنة، خاصة أن التحرك باتجاه دعم الموقف التركي يُعني الانحياز بصورة مباشرة للجانب المقابل للولايات المتحدة، التي تتصاعد خلافاتها مع نظام أردوغان في الفترة الأخيرة.
شرارة الأزمة اندلعت عندما طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون (يرعى كنيسة في تركيا منذ 20 سنة) الذي تحتجزه تركيا منذ محاولة الانقلاب المزعومة في صيف العام 2016، وتوجه له اتهامات عديدة منها الإرهاب. رفضت تركيا الطلب، فأقرت واشنطن حزمة عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، ردت أنقرة بحدّة وتهديد بالتصعيد، ففرضت الإدارة الأمريكية رسوما بنسبة 20 و50% على وارداتها من الألومنيوم والصلب التركيين، ليدق أردوغان مسمارًا جديدا في نعش العلاقات الإيجابية الهادئة بين البلدين بإعلان فرض رسوم ضخمة على وارادات تركية عديدة من أمريكا، تتراوح بين 44 و140% وتشمل السيارات والتبغ والكحوليات ومستحضرات التجميل وغيرها، حسب ما نشرته الجريدة الرسمية في تركيا أمس، لترد واشنطن بالتهديد بتوسيع مدى العقوبات، حسبما قالت متحدثة الخارجية وسارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض.
هذا الحجم من التعقيد والتصعيد يفرض على أي بلد يتمتع بعلاقات جيدة مع البلدين أن يحسب خطواته قبل الإقدام على أي تحرك، إذ قد تُفسّر التحركات باعتبارها دعما لطرف على حساب آخر، وهذه الحساسية تتوفر بالنسبة الأكبر في حالة قطر، التي تتخذ من تركيا منفذا بديلا على العالم وسلّة غذاء ووسيلة حماية، وفي الوقت نفسه تجمعها علاقات قوية بالولايات المتحدة وتحتضن أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة "العديد". الآن ربما ترى واشنطن أن الدوحة انحازت لجانب تركيا، وربما يعود الأمر إلى تعالي الأصوات المنتقدة لعلاقة قطر بالإرهاب ودعمها للميليشيات المتطرفة في عدد من المناطق الساخنة، وازدهار هذا الخطاب داخل الكونجرس وخارجه.
ترامب
تملك الولايات المتحدة بالتأكيد وسائل كافية لعقاب قطر، أو ردّها عن توطيد علاقاتها مع تركيا، ودعم الاقتصاد التركي بصورة توفر لأردوغان فرصا أكبر للمناورة ومواصلة العناد والعداء وتصعيد لهجة الخطاب، لكن لا يمكن التنبّؤ بالنقطة التي ستقرر واشنطن عندها أن تضع قطر في غرفة العقاب. ربما تُقرر الإدارة الأمريكية تكبيد الإمارة خسائر مالية مباشرة داخل تركيا، أو خارجها، كردّ مباشر على هذا الموقف العاطفي. لكن حتى لو لم تفعل إدارة ترامب هذا بشكل مباشر، فإن الاستثمارات القطرية الضخمة في تركيا تواجه أزمة فعلية في كل الأحوال.
مكاسب التقارب.. خسائر الأزمة
خطوة قطر المتقاربة مع النظام في تركيا، تُعني تمتع الإمارة بقدر أكبر من المساندة والدعم، لكن هذا الدعم لا يمكن أن يتجاوز توفير السلع الغذائية ومنح قطر مقعدًا في قطار تركيا المتحرك دون خطة في المنطقة ودولها الملتهبة. هذا الأمر يضمن دورا قطريا أكبر في صراعات سوريا والعراق واليمن وليبيا، لكنه يُعني كُلفة أكبر في تمويل ودعم الميليشيات والأذرع التركية، وربما الجيش التركي، في هذه الساحات المفتوحة.
لا يمكن لتركيا، وفق حسابات القوى والتوازنات السياسية، أن توفر غطاء حاميا لقطر حال تطور الأمور داخل مجلس التعاون الخليجي، أو مع الدول العربية الكبرى خارج المجلس، أو تصعيد الموقف الحاد لدى بعض أعضاء الكونجرس ومسؤولي الإدارة الأمريكية من الإمارة ودعمها للإرهاب، أو حتى تطور الموقف العربي باتجاه السعي لإدانة قطر في المؤسسات والمحافل الدولية. علاقات تركيا السياسية وقوتها العسكرية وحضورها العادي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباقي المؤسسات الدولية، لا توفر لها القوة اللازمة لفرض رؤاها أو تسويقها بين داعمين كُثر. هذه التركيبة لا تجعل مكاسب قطر من هذا التقارب بقدر الخسائر المحتملة، أو حتى بقدر الاستثمارات الضخمة التي ضخّتها في شرايين أردوغان ونظامه.
على الجانب المقابل تبدو احتمالات الخسارة أكبر. تغامر قطر بما تبقى من علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية، وتتورط في عداء مباشر مع ترامب والبيت الأبيض، بشكل يعزّز الاتجاهات الرافضة لخطاب قطر وقد يُعجّل بنقل قاعدة العديد العسكرية، خاصة مع تنامي الحديث عن هذا الأمر خلال الفترة الماضية، ووجود عروض من دول إقليمية مهمة لاستضافة القاعدة. كما تُعمق حالة الشحن والغضب العربية من مواقفها، خاصة مع استهداف أنقرة لأمن كثير من الدول العربية وتواصل جرائمها المباشرة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها. الأهم بجانب المخاطر السياسية أن أكثر من 10% من أصول صندوق قطر السيادي باتت حبيسة داخل بناء اقتصادي مهتز، يعاني تصدّعًا ومشكلات هيكلية، وفي الوقت الذي تبدو عليه سمات القوة الظاهرية، تُثبت الأشعة والفحوص الدقيقة أنه يُعاني متاعب جسيمة وهشاشة متقدمة.
انتعاشة راهنة.. اهتزاز قريب
في تعاملات الجمعة الماضية سجل الدولار 6.4 ليرة. بخروج أردوغان مخاطبا الأتراك لتحويل مدخراتهم من الذهب والدولار للعملة المحلية، فقدت الليرة 19% من قيمتها. السبت تكرر الأمر وفقدت الليرة قرابة 17%، والأمر نفسه يوم الأحد الذي فقدت فيه الليرة 12% لتفتتح تداولات الاثنين عند 7.2 ليرة للدولار. فقد العملة التركية قرابة 40% من قيمتها خلال ثلاثة أيام (فقدت أكثر من 70% منذ بداية العام) ثم تعافيها البسيط بعد حزمة إجراءات تركية واسعة وتدفقات استثمارية قطرية ضخمة (سجلت 5.79 ليرة للدولار اليوم) يؤكد ضعف موقف العملة التركية، وهو مؤشر على أزمة هيكلية في الاقتصاد وليس مجرد اهتزاز لأداء الليرة.
اردوغان
الرسوم الجمركية التي فرضتها تركيا على سلع أمريكية بما بين 44 و140%، بجانب اتخاذ وزارة المالية قرارات فيما يخص الوادرات والجمارك، وضخ قطر 15 مليار دولار دفعة واحدة. كلها لم تفلح إلا في دفع الليرة خطوة ضئيلة للأمام، من 7.2 ليرة للدولار إلى 5.79 ليرة للدولار، ومع 5 تغيرات حادة في أسعار العملة التركية خلال أسبوع واحد، فإن احتمالات التراجع ما زالت قائمة، وفرص التقدم إلى مستويات الأداء السابقة تبدو مستحيلة (1.9 ليرة للدولار في 2013، و2.11 في 2014، و2.76 في 2015، و2.95 في 2016، و3.54 في 2017).
الانتعاشة المحدودة للغاية في سعر الليرة، يراهن عليها النظام التركي كمؤشر إيجابي وأداة طمأنة للأتراك. في الوقت نفسه ما زالت طلبات المودعين على الدولار والعملات الأجنبية مرتفعة بشكل يضطر البنوك التركية لتدبير احتياجاتها من الخارج لقاء عمولات تحويل كبيرة. وحتى مع ارتفاع الليرة قرابة 15% من أقصى هبوط لها (من 7.2 مقابل الدولار إلى 5.79) ما زالت فاتورة تدبير الطاقة والمواد الأولية والسلع الاستهلاكية الأساسية مرتفعة، وما زالت عوائد تصدير المنتجات النهائية أقل، ما يُعني أرباحا وفوائض أقل، وعجزا أكبر لدى الشركات والحكومة عن خدمة الدين أو سداد الأقساط الضخمة في مواعيدها.
الدين الإجمالي لتركيا سجل 446 مليار دولار بنهاية 2017. من المحتمل أن يكون تجاوز 500 مليار دولار حاليا، كما أغلق عجز الميزان التجاري العام 2017 عند مستوى 47.1 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 70 مليار دولار في العام الجاري (سجل قرابة 6 مليارات دولار في مارس الماضي فقط). التضخم يتجاوز 16%، ومعدلات البطالة سجلت 10% بنهاية 2017 ومن المرجح زيادتها مع الأزمة، بجانب تنامي عجز الموازنة وميزان المدفوعات. كل هذه الأمور تُعني تقلص قدرة الاقتصاد التركي على النمو، خاصة مع إحجام البنوك الأوروبية التي تُدين تركيا بأكثر من 170 مليار دولار عن توفير مزيد من القروض والتغطيات الائتمانية وسط مناخ القلق المستقبلي بشأن أداء الاقتصاد التركي.
الصورة الكاملة للمشهد تُرجح تعافي الليرة نسبيا خلال الفترة المقبلة، لكن هذا التعافي أقرب إلى انتظام ضربات مريض قلب عقب حصوله على الجرعة الدوائية، أو تراجع حرارة مريض آخر بفعل المُسكّن. التدفقات المالية الضخمة من قطر ستعزز موقف الإدارة المالية التركية جزئيا وفي مدى زمني قصير، بما يخلق توازنا بين العرض والطلب على الدولار، بشكل يخفف الضغط نسبيا عن الليرة، لكن لن يكون بمقدور هذه الحزمة الاستثمارية تلافي آثار فاتورة الدين المرتفعة (خدمات وأقساط تتجاوز 50 مليار دولار) مضافة إلى عجز الميزان التجاري، وتراجع عوائد الاستثمار والفوائض المالية من التصدير. هذه الضغوط ستظهر بشكل أوضح في مؤشرات التضخم والبطالة، وفي حجم الشركات الخارجة من السوق، خاصة في قطاعات الدواء والنسيج والملابس والمصنوعات الجلدية.
يمكن النظر للاقتصاد التركي بقدر من الريبة. منذ البداية تأسس الهيكل الحامل له على مبدأ ينحاز إلى تغذية النمو بالاستدانة، لدفع معدلات النمو بإيقاع أسرع من قدرات السوق وإمكاناته الذاتية. ومع الرهان على الأسواق الخارجية وعجز السوق المحلية عن استيعاب فوائض الإنتاج، فإن فرص الاهتزاز تظل مرتفعة، خاصة مع الأداء الإيجابي للغاية من جانب الدولار، وتنامي مؤشرات السندات وأذون الخزانة الأمريكية، بشكل يجعله ملاذا استثماريا تنافسيا وخاصما من كل الاقتصاديات الأخرى. كما يجعله عبئا كبيرا على البلدان التي تُدبر احتياجاتها الأولية من الخارج، وتضع بضائعها ورأس مالها في أسواق الخارج.
عندما يتبخر أثر "قبلة الحياة" التي منحتها قطر للاقتصاد التركي، ربما تعاود الليرة تراجعها مرة أخرى، وقد تسجل مستويات قياسية في التراجع عمّا شهدته خلال الأيام الماضية. حالة التوجس المرتفعة في الفترة الماضية ستظل قائمة بين الأتراك، وستفرض سطوتها على السوق وتحركات المستثمرين. هذا الأمر يُعني تقلّصًا في معدلات النمو وضغطا أكبر لآثار الديون الخارجية. باختصار ساهمت قطر في الإبقاء على الفقاعة في نقطة الاتزان النسبي كي لا تنفجر، لكن هذا لا يُعني إنهاء احتمالات الانفجار. إصرار أردوغان على معدلات فائدة منخفضة بشكل يُغذي الإنفاق الاستهلاكي وينفخ في فقاعة التضخم، يُعني أن الاقتصاد التركي ما زال على الأرجوحة. كل ما فعلته قطر أنها أمسكت أحد أحبالها، لكنها بعدما تُريح يدها إلى جانبها، ستعود الأرجوحة للاهتزاز مرة أخرى.