شنطة سفر وحيدة.. رحلة لا تنتهي من الحكايات وقصص رحالة تبحث عن الاستقرار
السبت، 09 يونيو 2018 10:00 م
يمنح السفر للمسافر حياة عريضة وتجربة واسعة، وخبرات لا متناهية، ولعل كتب أدب الرحلات من أثرى الكتب في المكتبة العربية، التي جذبت انتباه القراء، وحببتهم في السفر، وكانت دائما ضمن نطاق اهتماماتهم، واختياراتهم، وكما يحب القراء كتب القصص القصيرة، وفن الرواية، يقبلون أيضا على الأعمال التي تتطرق للسفر، والرحلات، والحكي المسترسل العفوي، الذي لا ينهض على حبكة محورية، أو متتالية حكائية.
ولعل أبرز وأشهر الكتب التي اشتهرت بها المكتبة المصرية، كانت كتب "أنيس منصور" "حول العالم في 200 يوم" وكتاب "سبع سموات" لسعد القرش، وكتاب أمير العمري "العالم في حقيبة سفر" الحائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة المعاصرة، والصادر عام 2018.
واستقبلت أرفف المكتبات المصرية حديثا كتابا جديدا وفريدا من نوعه، نظرا للغة المكتوب بها، وتنوع الحكايات واختلافها، مع عزفها على متن تيمة واحدة وهي تيمة "الغربة والسفر" والانتقال الدائم الذي لا يريم إلا البحث عن متعة المغامرة واستكشاف الحياة، وأعني به كتاب حسام علوان "شنطة سفر وحيدة" والصادر حديثا عن دار نشر "الكرمة" في القاهرة.
وحسام علوان منتج سينمائي مواليد 1975، تخرج من المعهد العالي للسينما، وحصل على ماجستير في دراسات السينما من جامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، كما درس الإنتاج السينمائي في مؤسسة الرواد السمعبصريين الأوروبيين ومقرها لوكسمبورج.
يقول حسام علوان في الصفحة الأولى من كتابه التي حملت عنوانا عاميا هو "كمّل": دا كتاب عن رغبتنا إننا نكمل، وعن المشي كرحلة للداخل، عن الرغبة إننا نبدأ من جديد لما الدنيا تقفل في وشنا، وما يبقاش قدامنا غير طريق البدايات".
وكما تبدو من هذه السطور، فإن الهدف من الكتاب ليس مجرد سرد حكايات شخصية، أو استعراض معلومات، بل الكتابة عن خبرات حياتية، بلغة بسيطة، تقع كثيرا في هامش الفصحى، وتستخدم العامية متنا، وهو ما يجعلها أقرب لطابع الحكايات المروية في الكتاب، ومن ذلك يقول حسام علوان: في أوائل 2013 كنت بشطب شقتي، وكنت قررت بعد الفشل الذريع في التعامل مع العمال، زي فشلي بالظبط في أغلب علاقاتي، إني أعمل اللي أقدر عليه بنفسي، الفرق الوحيد إن في العلاقات مش كل حاجة تقدر تعملها لوحدك. نزلت اشتري خامات للشقة من سوق السيدة عيشة، وأنا متعفر ولبسي كله جير وأسمنت. الموان شافني وسألني: عايز إيه يا أسطى؟
"سواقين التاكسي كانوا رافضين يروحوا المقطم، وهم شايفيني شايل حاجات ممكن توسخ عربياتهم، لكن لقيت تاكسي رضي يطلع المقطم، كان التاكسي شكله مخبوط، وطالع من حادثة، بس مفرقش معايا، المهم أوصل، والسواق كان بيسوق بإيد واحدة، ورجل واحدة، والرجل والإيد التانيين ما بيتحركوش، فسألته ليه بيسوق كدا، فحكالي أنه تعرض للضرب على يد اتنين حاولوا يسرقوا عربيته، وفضلوا يضربوا فيه لحد ما كسروا عضمه، لكنه تماسك ونط على العربية واتشعبط فيها وبعدين العربية اتصدمت في شجرة واتحرق الماتور، فسابوا العربية وطلعوا يجروا".
يخلط حسام في الكتاب حكاياته الشخصية، بحكايات الغرباء الذين يصادفهم، وهو ما يمنح الكتاب متعة مختلفة، فالراوي في الكتاب لا يتناول حكاياته فقط، والحكايات ليست بالضرورة أن تكون عن أسفار خارج مصر، فالكثير منها أسفار في الداخل، وانتقال دائم للبحث عن أشياء يبتاعها، من ذلك يقول في الصفحة الثانية من الكتاب التي عنونها "حرب المدينة": وأنا رايح السبتية مش للتدوير على حاجات مش عارفها، بدأت من شارع رمسيس عديت على البياعين اللي فارشين في الشوارع والمشهد خلاني استحضر صورة مدينة بتتداعى تحت زخم الفقر زي "دبلن جويس" في عوليس.
ولكن حكايات الكتاب لا تنحصر فقط عن سفر في الداخل المحلي، بل تتعدى لرحلات سافرها المؤلف إلى اليونان وغيرها، ومن ذلك يحكي "حسام علوان" عن أصدقائه الذين كانوا يودعونه بينما يسافر إلى أمريكا، يقول: كانت عندي حالة من الفرح لأني خدت الفيزا في آخر لحظة وهقدر أسافر، وبدأوا يضحكوا عليّ عشان فرحان بالسف، صديقي الأولاني اللي معاه الجنسية الأمريكية قال لي: أنت فرحان إنك مسافر أمريكا؟ فقلت له آه، صديقي اللي عايش في إيطالي قال لي: أنا خلاص بالنسبة لي موضوع السفر بقى تحصيل حاصل، قلت لهم عارفين النكتة الفرنساوية بتاعت التلاتة اللي قاعدين في البار، اتنين منهم بيتكلموا مع بعض بقرف، الأول بيقول: أنا أمارس الجنس مرة كل شهر، فالتالت اللي مش قاعد معاهم ضحك، فالتاني قال: أنا بمارس الجنس مرة كل أسبوع، فالتالت ضحك أكثر، فقالوا له: أنت بتمارس الجنس مرة كل يوم؟ فقال لهم: لا مرة في السنة، فقالوا له: بتضحك ليه؟ فقال: عشان ليلتي النهاردة؟ ثم يضيف المؤلف لصديقيه: أنا بقى التالت.
الفصل الذي منح الكتاب عنوانه، "شنطة سفر وحيدة" يحكي فيه حسام علوان عن إصلاحه لحقيبة سفره غالية الثمن موديل "أسبري" وكيف واجه حيرة شراء حقيبة جديدة، أم إصلاحها نظرا لتلف سوستها، وتمزقها في أكثر من موضع، يأنسن حسام علوان في هذا الفصل حقيبته، ويمنحها شخصية اعتبارية، يسترجع معها ذكرياته في السفر، والمرات التي صحبته فيها، وهو ما يجعل للحكاية مغزى غير مغزاها الظاهري، فليست الفكرة هنا في قص حكاية عن حقيبة سفر، بل تتعداها إلى دلالات حقيبة السفر، بما تحمله من معان مبطنة مثل "شريك السفر/شريك الحياة، الشريك الذي يقبل استكمال المشوار والحياة معنا، وتحمل كل مصاعبها، يقول حسام في موضع من مواضع هذا الجزء من الكتاب: قررت أكتب لشنطتي رسالة تعبر عن شعوري تجاهها: شنطتي العزيزة..لما بقف عند سير الشنط استناكي، بابقي عارف إنك شبه شنط كتير سودة، ورغم إنك معلكيش علامة تميزك، لكن بابقى عارف إنك غيرهم، وإني لما هشوفك هعرفك، إنتي رقيقة لكن متماسكة، ويا ما جريتك ورايا، وأنا ماشي مسافات طويلة عشان معييش فلوس، أخدك وأركب بيها تاكس، بس بابقى عارف إنك هتستحمليني زي ما استحمليتني سنين طويلة.