رضوان الكاشف في ذكراه الـ16.. حينما قال مخرج "عرق البلح": على جثتي

الثلاثاء، 05 يونيو 2018 07:00 م
رضوان الكاشف في ذكراه الـ16.. حينما قال مخرج "عرق البلح": على جثتي
رضوان الكاشف
وجدي الكومي

ست عشرة سنة انقضت على رحيل المخرج السينمائي رضوان الكاشف، صاحب رائعة "عرق البلح"، الذي تعرفت عليه عبر فيلمه المهم، من خلال نص الفيلم المكتوب أولا قبل النص المرئي.

عرق البلح

عرق البلح

 

وُلد شغفي بسيرة رضوان الكاشف، بعد انتهائي من قراءة سيناريو الفيلم، ثم وُلد عندي حبي لقراءة ما وراء موضوعات أفلامه، بل لقراءة أفكاره الشخصية، ورؤيته للسينما، ولعل أبرز وصف ينطبق على رضوان الكاشف المتوفي في الخامس من يونيو عام 2002، هو المخرج الثائر، ينعكس ذلك من خلال المتابع لأعماله القليلة التي أخرجها، أو عمل فيها مساعد مخرج، لكنها كثيرة مع ذلك في أفكارها، ومضمونها.

أخرج الكاشف أفلام "الساحر" و "ليه يا بنفسج" و"عرق البلح" وكان مخرجا مساعدا في أفلام "سمع هس" و" الفاس في الراس" و"سمك لبن تمر هندي" وسرقات صيفية و" عشماوي" و"شارع السد".

"على جثتي"  قالها رضوان الكاشف، حينما انتهى من كتابة سيناريو عرق البلح، وداعبه أحد أصدقائه بأنه لن يجد منتجا أبدا ينتجهه له، خاصة أن العمل ينحاز لأهل الصعيد، وإذا وجد، فسوف يتدخل بإملاءته وتحفظاته، لينتهي بالفيلم مشوها، أو على الأقل إذا كان محظوظا، سيحتفظ فقط بـ75% من الأصل.

بدأ رضوان الكاشف كتابة سيناريو عرق البلح منذ عام 1987، وتم إنتاج الفيلم بعد ذلك بعشر سنوات كاملة، عام 1998، لكن كل من قرأ السيناريو من أكثر المنتجين ثقافة واستنارة، صفق له من قلبه، لكنه اعتذر عن دفع مليم واحد في إنتاجه.

حينما نجح فيلم رضوان الكاشف الأول "ليه يا بنفسج"، قطع له تأشيرة الحضور وحجز لنفسه مكانة بين مخرجي الصف الأول، وختمه بخاتم المصداقية، إذ يحوي فيلم عرق البلح للكاشف مدلولات عديدة عن التحولات التي طرأت على مصر في زمن كتابته للفيلم، الثمانينات، وهي التحولات التي استمرت كذلك في التسعينات، وزادت وطأها، ومنها رحيل الرجال عن البلد، في إشارة إلى تغريبة المصريين عن وطنهم فترة ما بعد الحرب، وإقامة العديد منهم في دول الخليج للعمل بأنشطة غير نشاطهم الزراعي الأصلي، وهو الزراعة، إذ وضع الكاشف رموزا في الفيلم عن رحيل الجد، ورحيل كل رجال العائلة عن النجع، القرية الصعيدية المصرية تاركين نسوتها وأرضها في معضلة الحاجة للأرتواء، إذ صور مجتمع النساء الذي بدأ يواجه وحده أعباء ومسؤوليات الرجال الذين هجروا النجع، ثم بدأن يواجهن معضلات مقاومة إغواء الغرباء لهن، في إشارات مبطنة بالطبع لغزو قيم غريبة استهلاكية تغرق المجتمع المصري، وتبعده عن هويته.

عرق البلح

رضوان الكاشف
رضوان الكاشف

عام 2001 أخرج رضوان الكاشف فيلمه "الساحر" الذي ناقش فيه إشكالية أخرى، وهي المهمشين الذين يعانون من انطفاء الأضواء، عبر الساحر "منصور بهجت" الذي كان يعمل في وظيفة ساحر ثم لم يلبث أن خبى ضوءه، وفي وسط ذلك يخوض منصور صراعا من نوع آخر، مع ابنته المراهقة، التي تنتقل لطور آخر في سنها، ويخشى عليها من الانفلات، لكنها تخرج عن طوعه مع ذلك، وتحطم القيود التي يضعها أباها في وجهها.

أما فيلمه "ليه يا بنفسج" الذي ألفه الكاشف أيضا، فيكاد يكون الفيلم الذي يعبر عن الإخفاقات المصرية بامتياز، سواء ما يتعرض له البعض من إخفاقات في علاقاته العاطفية، أو ما يتعرض له آخرون من ضعف مادي، فينحرف ويقرر اختلاس عهدته، كبطل الفيلم " أشرف عبد الباقي" أو "سيد" الذي يختلس حيوانات التجارب من المعمل الذي يعمل فيه، وحينما يُكشف أمره، يُطرد من عمله، وحصد هذا الفيلم جوائز مهمة وعديدة، ومنها جائزة لجنة تحكيم مهرجان القاهرة الدولي عام 1992، وجائزة أحسن فيلم بمهرجان باريس.

ليه يا بنفسج
ليه يا بنفسج

 

يُحلل الناقد السينمائي محمود عبد الشكور أعمال رضوان الكاشف، بقوله أن أعماله علامة على جيل، لأنه جيل يوليو، - وُلد الكاشف عام 1952- الذي واجه تحولات كثيرة شهدتها مصر، وبانتمائه للطبقة الوسطى، تعرض كأبناء جيله لكل ما واجهته هذه الطبقة من تحولات، وعاصر انتصارات 56 إذ كان عمره وقتها أربع سنوات، وسنوات الوحدة مع مصر وسوريا، ثم انكساره ككل أبناء جيله بنكسة يونيو.

ويلفت عبد الشكور إلى أن دراسة رضوان الكاشف للفلسفة، منحته القدرة على الفك والتركيب والتحليل، وعودته على هذا الترتيب، واستخدامه للمناهج الفلسفية، يؤكد عبد الشكور في حوار تلفزيوني سابق عن رضوان، أن شخصيات رضوان الكاشف تتعلق بالحياة ونهمة لها، وواقعية، وحياتية.

ويشدد عبد الشكور على أن رضوان الكاشف ابن مرحلة التنوير، ومرحلة الحرية، وأن الإنسان لابد أن يستغل طاقته، ولا يستسلم لأن يكون ترسا في آلة، ولهذا كان من الطبيعي أن يضع رضوان الكاشف كتابين أحدهما بعنوان "الحرية والعدالة في فكر عبد الله النديم" والآخر بعنوان "تجديد الفكر عند زكي نجيب محمود".

يلفت الناقد السينمائي محمد عبد الشكور إلى أن صاحب "عرق البلح" اهتم بقضايا الاستنارة، وأن يكون الإنسان أفضل وأقوى على مواجهة الحياة، وأن يكون مستقلا، قادرا على تحديد مصيره، وهو ما جعل هذه القيم في خلفية عقله بينما يخرج أفلامه.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق