حرب الكيف
الخميس، 21 مارس 2019 07:42 م
"إنمـا الأمـم الأخلاق مـا بقيـت فإن هم ذهبت أخلاقـهم ذهبــواً" كانت تلك الأبيات الشعرية هي آخر كلمات في سيناريو فيلم الكيف، ذلك الفيلم الذي دق أول ناقوس خطر حيال قضية مجتمعية في الثمانينات ، والذي تناولها بمنتهى البراعة ؛ فهو لم يناقش القضية من منظور واحد فقط بل ارتبط تناوله لأحداث تلك القضية بتدني الذوق العام والفن الهابط.
لم يكن مجتمع الخمسينيات خالٍ من الأخطاء ولم يكن الجميع قديسين وأنبياء! ولكنه اختلف في هيكله عن مجتمع الثمانينات؛ بداية الأزمة الحقيقية ، فذلك المجتمع الذي نطلق عليه " الزمن الجميل" كان مجتمعًا مرتبًا؛ مثل طاولة الشطرنج؛ الأدوار معروفة وواضحة، الأبيض والأسود غير مختلطان، حتى الخريطة الأسرية كانت قائمة وواضحة ، من يخطأ يُقوم ويعلم بداخله الخطأ من الصواب، ولكن بمرور العقود اختلطت الأدوار ولم يعد في الوعي المصري الخطأ بيّن والصواب بيّن، غاب الرمز المجتمعي الصحيح الذي كان يتبعه الجميع، ذلك المعيار الذي يقٌاس عليه كل شأ، فما بالنا لو غابت المعايير الرقمية مثلا عن الحياة واختفت الوحدات القياسية مثل السنتيمترات والكيلوجرامات فكيف لنا أن نزن الأشياء وقتها؟
كانت هذه أولى الخطوات التي أدت إلى انتشار الكثير من الظواهر الكارثية منها الإرهاب والمخدرات والفساد والجريمة الأسرية والانتحار الخ...
يسند الكثير من المحللين انتشار تلك الظواهر للفقر والبطالة والمرض والجهل والظروف الاقتصادية الصعبة، وكأن أسلافنا لم يكن لديهم أي ظروف صعبة في مجتمعهم! لم يكن هناك حروب كثيرة استطاعت أن تسرق السكينة من قلوبهم، وتدمر مدنهم ، كأن صفارات الغارات الجوية لم تكن من الظروف الصعبة .
إن انتشار ظاهرة المخدرات تحديدًا لا يمكن أن تٌسند إلى الظروف الصعبة أو الاقتصادية حتى البطالة، ما هي إلا سبب ثانوي يستطيع أن يقدم لضحية تلك الظاهرة وقت الفراغ؛ المادة الغنية التي تستطيع تخصيب الفكرة في عقلة، ليس إلا !
محاربة تلك الظاهرة والحد منها تحدي كبير لا يمكن أن نلقيه على كتف الدولة فقط، فالدولة تستطيع بجناحيها التشريعي والتنفيذي أن تسن القوانين مثل ما حدث في قانون الخدمة المدينة واتخاذ الإجراءات الرادعة وإدراج كل المواد المخدرة بكافة أنواعها في بينة تشريعية رصينة تستطيع ردع كل من تعاطي أو يتاجر بها، ولكن يظل الحل الجذري في المجتمع ذاته الذي يقع على كاهله إعادة الخريطة المجتمعية السوية وعودة الرمز والقيمة، الرمز الديني الصحيح والرمز الأسرى والرمز الانسانى والفني والأدبي ، الذي من خلال هؤلاء يتمكن تقويم الشخصية التي قد تقع ضحية تلك الظاهرة، فلا يمكن لوعاء ممتلئ أن يمتلئ بمواد سامة
فالجماعات الإرهابية تستخدم المخدرات لتجنيد العقول ولكن بعد إزالة وتحريم كل الرموز المجتمعية وكل الفنون والآداب والقيم الوطنية من عقل المجُند.
فعلينا اليوم قبل الغد أن نعيد هيكلة مجتمعنا ونعيد له القيمة والفضيلة والذوق العام والفن الجميل