متى نعطًّلّ العمل بوظيفة الجلاد؟

الأربعاء، 13 فبراير 2019 02:09 م
متى نعطًّلّ العمل بوظيفة الجلاد؟
د. ماريان جرجس

ننادي  كثيرًا بالحفاظ على ذلك الخط الرفيع الذي يفصل بين الانفتاح والانحلال، ذلك الثوب الذي نحيكه ونريد أن نري  المجتمع المصري  في حلته التي اتسم دومًا  بها؛ الوسطية والتقاليد والقيّم الراقية.
 
ولكن تلك قضية وقضية وضع السيف على عنق المجتمع قضية آخري تمامًا، فتلك مرحلة وتلك مرحلة من الزمن مختلفة، ففي مرحلة الزرع والنثر وتأسيس وعي مجتمع من حقنا أن نتكلم ونناقش ولكن في مرحلة الحصاد ليس لنا سوي الجني.
 
لقد عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن تلك الفضائح وأصبحت حديث الساعة، فلماذا ننشغل كل ذلك الانشغال بهذا النوع من تلك القضايا تحديدًا؟
لماذا لا ننشغل بسرقة أغطية البالوعات من الشوارع التي تهدد حياة أطفالنا - مثلا- أكثر من تلك القضايا؟ لماذا لا ننشغل بأمور حياتية أهم بكثير من ذلك؟
ربما لأن هناك فصيل يعيش بيننا منذ عقود، تيارات متطرفة ومعادية للوطن والتي دائمًا كانت تري في تلك الفضائح مادة خصبة لبث سمومها في المجتمع؟  عودتنا على تسليط الضوء على مثل تلك القضايا المخلة بالشرف وخاصة الفضائح الشخصية، فدّرب ذلك وعي كل مننا على رصدها عن دونها وكلفنا بمهمة الوصاية على الآخر، الوصاية... وتنصيب كل منا وصىّ وحاكم على أفعال الآخر وبالأخص تلك الأمور وما أكثرها ! حتى وان كانت عارية عن الصحة؛ جعلت من الجميع أوصياء على بعضهم البعض!
 
إن الخطورة في دور الوصاية على الآخر لاتكمن في النقد ولا التواصل الاجتماعي بل في ما تحتمّه تلك الوصاية، فهي تلزم الشخص باتخاذ اللازم تجاه الآخر، إن لم يكن بالقول واغتيال المخطئ معنويًا فباليد!
 
لا أحد يبرئ المخطئ ولكن لا أحد يأخذ دور القانون في دولة مدنية،لا يمكن أن ننتقص من سيادة الدولة وهى الأقوى على الإطلاق اليوم ، باستكمال دور الوصيّ على الآخر وتجريحه عندما يخطئ لدرجة تصل لحد التدمير.
 
فما لا نعلمه أن الايباحية والانحلال اللذان لا يروقان لنا يتزايدان  بكثرة الكلام عنهما ! فأكثر طريقة لنشر الفجور والفحشاء في مجتمع ما هو استفزاز مشاعر مجتمع شرقي نصفه من الشباب! فضلا عن إفساح الطريق لفكرة النيل أو الانتقام من المخطئ مما يبيح الدماء ضمنيًا ! فربما نرى  أحدَا يقتل شخصًا ما  غدًا لأنه شخص منحل ! ويتفشى في المجتمع الاقتتال الحقيقي، فالاغتيال المعنوي هو أولى الخطوات على درب ملئ بالدماء، سلسال من الدماء يطيح بسيادة دولة و دستورها وقانونها .
 
إن الحكم في الأساس على أي شخص من وازع شخصي هو أمر مرفوض تمامًا، نقاش الفضيحة لابد ألا يكون مطروحًا على أي طاولة للنقاش طالما وجد القانون الرادع.
 
من الممكن أن نشكل ونأسس مجتمعًا صحيًا نظيفًا وسطيًا، ونتخذ عِبرة  ونتعظ ولكن من المستحيل أن نجلد المجتمع الذي نحيا به ونغرس به ذلك الخِنجر المصبوغ بالحنظل لنكشف  عوارما فندمره، إذن لندع العوار ليصلحه القانون ونصلح ما بأيدينا.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق