علوم مسرح الجريمة: علامات الموت من الظنية إلى اليقينية (1)

اقتضت سنة الله الكونية أنه لن يدوم أحد سوى الله سبحانه وتعالى، فقد جعل الله عز وجل الأرض ممراً قصيراً للبشر ليقوموا بإعمارها وعبادته، ثم ينتقل العباد من الحياة الدنيا إلى الأخرة عن طريق «الموت»، و  الموت في اللغة: ضد الحياة، ويقال: مات يموت ويَماتُ: فهو ميِّتٌ ومَيْتٌ. وقومٌ مَوْتى وأمواتٌ، وميِّتونَ ومَيْتونَ.

فى التقرير التالى «صوت الأمة» ترصد فى حلقتين من خلال علوم مسرح الجريمة علامات الموت سواء الظنية أو اليقينية والتغيرات التى تحدث لملامح الجسم والمراحل التى يمر بها – وفقا للخبير القانونى والمحامية يارا أحمد سعد. 

1-علامات ظنية:

توقف قلب انعدام النبض عدم سماع دقات القلب لمدة لا تقل « 3 - 5 » دقائق أو فحص قطع شرياني سطحي فإذا خرج على شكل دفقات دليل الحياة.

وتُضيف «سعد» - يستدل على توقف التنفس بانعدام حركات جداري الصدر والبطن وعدم تعكّرُ المرآة أمام الأنف و الفم وغياب الأصوات التنفسية لدى إصفاء الصدر والحنجرة التي يجب أن يستمر 2/1 دقيقة دون انقطاع و أن يتكرر ذلك لمدة 5-10 دقائق.

وممكن مشاهدة رخاوة عامة وانعدام منعكسات وترية وجلدية وتوسع الحدقات وعدم تأثرها بالضوء وفقد مرونة الجلد وعتمته حيث : عتمة الجلد تعرف بتعريض قسمه الرقيق الواقع بين أصابع اليد إلى ضوء صناعي فإذا بدا عاتما «اعتبر ذلك من علامات الموت وإذا بدا شفافا» دل ذلك على وجود دوران شعري كلها علامات ظنية – ولذلك يجب البحث عن العلامات المؤكدة قبل الجزم بحصول الوفاة – هكذا تقول «سعد». 

2) علامات يقينية مؤكدة :

أ-باكرة – زرفة رمية – صمل رمي – برودة للجسم «لوحدها غير كافية».

ب-متأخرة الظهور منها : التعفن الرمي – التصبين – التحنط الطبيعي

التغيرات التي تطرأ على الجثة بعد الوفاة

بعد الوفاة مباشرة تطرأ على الجثة تغيرات فيزيائية وكيميائية وجرثومية وهي هامة جدا بالنسبة للطبيب الشرعي حيث بوجودها تؤكد حصول الوفاة بالإضافة لتعيين زمن الوفاة وبحسب ظهورها تقسم إلى :

أ-تغيرات رمية باكرة وهي – التميه – برودة الجسم – الزرقة الرمية – الصمل الرمي.

ب‌- تغيرات متأخرة: التعفن الرمي - تأثير الحشرات والحيوانات - التصبن والتحنط الطبيعي.

التغيرات الرمية باكرة الحصول :

1- تغيرات في الجلد حيث يلاحظ غياب المرونة بعد الوفاة مباشرة، والجلد الذي كان شفاف يصبح باهت.

2- تغيرات في العين :

 أ- القرنية تفقد بريقها مع الزمن حيث تتدرج إلى باهتة ثم ضبابية مشوشة وبعدها كامدة ثم متغضنة واذا كان أحدهم بحاجة لزرع قرنية يجب نزعها خلال 1/2 ساعة بعد الوفاة.

ب- هبوط الضغط داخل كرة العين بسرعة، فخلال ساعتين بعد الوفاة يصبح تقريبا صفر وكرة العين تصبح غائرة.

ج- تبدلات بالشبكية ويظهر فحص قعر العين تقطع دموي داخل الاوعية «منظر عربات القطار».

3- برودة الجسم : بعد الوفاة تتوقف معظم عمليات الاستقلاب الأساسية بالجسم، وبالتالي يؤدي إلى توقيف توليد الحرارة بالجسم ونتيجة لآليات متعددة تهبط حرارة الجثة تدريجيا إلى أن تعادل درجة حرارة الوسط المحيط وأهم الآليات – الكلام للخبير القانونى :

-تشعع حرارة الجسم عبر سطح الجلد إلى المحيط.

-التبخر الحاصل عبر الجلد.

-انتقال الحرارة بالملامسة من الجسم إلى الأشياء المحيطة الأقل حرارة خاصة الهواء. 

- إن برودة الجسم هي :

1- علامة هامة لتشخيص الوفاة ولكنها غير كافية لوحدها.

2- وعلامة هامة لتعيين زمن حصول الوفاة خاصة إذا لم يمض أكثر من 18 ساعة.

- منحني هبوط الحرارة يمر بثلاث مراحل : «على خلاف هبوط الحرارة في جسم غير عضوي حيث يكون الهبوط فورا بشكل تدريجي».

1- مرحلة أولى :1-3 ساعة بعد الوفاة هبوط طفيف أو تحافظ على نفس الحرارة، يعزى إلى بطء انتقال الحرارة من داخل الجسم إلى السطح وإلى استمرار تشكل الحرارة بفعل تفكك المواد مثل الغليكوجين داخل الجسم .

2- مرحلة ثانية مدتها 6-9 ساعات تهبط الحرارة بسرعة حتى تقترب كثيرا" من حرارة الوسط المحيط.

3- مرحلة ثالثة وتبدأ بعد حوالي 12 ساعة هبوط الحرارة بطيئا، وتنتهي بتماثل حرارة الجثة مع الوسط المحيط، ممكن ارتفاع الحرارة بعد مساواتها للوسط بسبب عملية التفسخ.

- وسطيا معدل هبوط الحرارة الشرجية في حال حرارة الوسط المحيط 5 - 15 هو درجة مئوية واحدة /ساعة – ويقل عن ذلك بالأقاليم الحارة ويرتفع بالاقاليم الباردة، ونقل الجثة الباردة إلى جو دافئ بعد أن بردت يؤدي إلى حصول قطرات عرق على الجثة «الجثة تتعرق». 

- هبوط الحرارة تتسرع أو تبطئ حسب عوامل كثيرة :

1) عوامل خارجية:

أ-درجة حرارة الوسط المحيط بالجثة، فكلما كان الفرق قليلا التبادل بطيء.

ب-حركة الهواء ودرجة الرطوبة – تيارات الهواء الباردة تسرع برودة الجثة.

ج-مكان وجود الجثة – الموجودة بالعراء تبرد بسرعة أكثر من الموجودة بالغرفة، الوسط المائي يسرع البرودة – بينما سوائل المجارير تحفظ الحرارة أكثر من السوائل النظيفة.

د-وضعية الجثة – مسجاة أو منطوية – مسجاة أسرع برودة من المنطوية بسبب كبر مساحة الجسم المتصلة مع الوسط المحيط.

ه-هل الجثة عارية أو مرتدية ثياب وحسب سماكتها

2) عوامل داخلية ( ذاتية ):

1-حالة التغذية – الجثث النحيلة أسرع برودة من الجثث البدينة

2-مساحة الجلد كلما زادت مساحة الجلد قياسا" للوزن زاد التبادل ولذلك تبرد جثث الأطفال وحديثي الولادة بسرعة أكبر

3-حرارة الجثة قبل الوفاة :

أ-تعرض الجثة للبرد قبل الوفاة «حرارة أقل من الطبيعي».

ب-أعلى من الطبيعي مثل تعرض للانتانات الشديدة أو نزوف دماغية أو جهد عضلي, مما يؤدي الى حدوث خطأ في تقدير زمن الوفاة اعتمادا على قياس الحرارة.

- البرودة تظهر بالأجزاء العارية «مثل يدين ، وجه ، قدمين» خلال 1-2 ساعة أما الأجزاء المغطاة تظهر بعد 4-5 ساعات مع مراعاة الانتباه لمناطق مثل الابط والمغبن فيتأخر حدوث البرودة فيها .

- يتم قياس حرارة الجثة بوضع ميزان حرارة خاص مدرج 10-44 م0 عميقا بالمستقيم «بعمق 10- 12سم» أو الأحشاء البطنية بالجهة اليسرى عبر فتحة بجدار البطن ويستحسن إعادة القياس مرة ثانية بعد ساعة لمعرفة مقدار هبوط الحرارة . 

التميه : dehydration

بعد الوفاة الجثة تخسر بسرعة الماء ناجم عن التبخر وبنفس الوقت توقف الدوران واتجاه السوائل نحو الأماكن المنخفضة ويؤدي كله إلى جفاف

- أسرع الأعضاء التي تصاب بالجفاف هو القرنية والتي يتعكر لونها خلال ساعة عندما تكون الأجفان مفتوحة وإذا كانت الأجفان مغلقة قد يتأخر إلى 24 ساعة .

- يؤدي جفاف الملتحمة العينية إلى شفوفها وبالتالي ظهور بقعة بنية سوداء في الزاوية الوحشية من العين.

- أكثر ما نشاهد الجفاف «النشفان» بالمناطق الجلدية الخالية من الطبقة القرنية حيث يكون الجلد رقيقا – لذلك نشاهد الشفة – جناح الأنف – رأس الأصابع تصبح بلون بني مسود وخصوصا عند الأطفال.

- وتظهر بشكل واضح في أماكن إصابة ميكانيكية مثل السحجات «قبل أو بعد الوفاة».

- أحيانا تناقش بشكل خاطئ مثلا عند الأطفال الصغار نلاحظ ثنايا جلدية بشكل دائري بشكل حزام بقع ناشفة وتظهر كأنه أثار خنق ميكانيكية ونفس المنظر يشاهد على كيس الصفن عند الرجال حيث تفسر كرض ميكانيكي.

- وتُضيف «سعد» - هذه الظاهرة مهمة بالفحص الطبي الشرعي – حيث بعض الاصابات لا تلاحظ بالحياة ولكن يمكن مشاهدتها بعد عدة ساعات مثل «ثلم الشنق» – أثار سحجات الأظافر على الرقبة أو على الفم .التجفف ليس علامة حيوية حصلت خلال الحياة، ولتقيمها قبل أو بعد الوفاة يكون بشق المنطقة وملاحظة الكدمة الدموية مكان الإصابة. 

1- الزرقة الرمية livormortis

تعريفها : هي بقع زرقاء أو بنفسجية تتشكل بسبب سريان الدم السائل بالجثة باتجاه الأماكن المنخفضة بسبب الجاذبية الأرضية. تبدأ صغيرة ثم تندمج مع بعضها مشكلة بقع كبيرة.

- تتجنب الأماكن المضغوطة من الجثة «منطقة لوحي الكتف والاليتين ونواتئ فقرية» حيث تبدو هذه الأماكن شاحبة.

- الزرقة الرمية تكون واضحة على الجلد وعلى الأعضاء الداخلية «أماكن منخفضة» رئتين– بنكرياس -الأمعاء – القلب الخ..

- أحيانا قد نشاهد بعض البقع المنفصلة عن البقعة الكبيرة وفي غير الأماكن المنخفضة من الجثة «يعتقد انها ناجمة عن انضغاط بعض الاوعية بفعل الصمل الرمي مما يدفع الدم للجزء المحيطي مشكلا هذه البقع»، عندها تلتبس بالكدمات – وتفرق عنها بإجراء شق جراحي عليها حيث نشاهد الدم متخثر خارج الأوعية مرتشحا" للأنسجة المجاورة وصعوبة غسله بالماء «كدمة».

- أحيانا نشاهد على منطقة الزرقة الرمية نزوف نقطية صغيرة تتجمع على شكل العنكبوت وتدعى vibices ناتجة عن نتح الدم إلى الخارج الأوعية الدموية الشعرية بسبب الاحتقان «تشاهد في الاختناق والتسمم».

- الظهور : تبدأ بعد 2/1 ساعة من الوفاة وتتشكل خلف الأذن وجانبي الرقبة عدة بقع مرقطة بقطر 1-2 سم وخلال 2/1 – 2 ساعة في أماكن مختلفة ثم تتحد مع بعضها لتشكل بقعة كبيرة ويكتمل ظهورها بالجسم وبشدة قصوى خلال 6-12 ساعة. 

- فحصها بالضغط عليها «إزاحتها» بالبداية تحت الضغط الخفيف بالأصبع أو أي أداة يشحب لونها ولكن يعود بعد زوال الضغط ولكن مع مرورالوقت يحتاج فترة أطول لعودة اللون وقوة أكبر لإزالة اللون – حيث تصبح ثابتة مع الزمن وعدم إمكانية إزالتها بالضغط – بالتجارب يمكن إزالتها بالأصبع حتى عشر ساعات وأحيانا حتى 20 ساعة وجزئيا حتى 35 ساعة وإذا المكان بارد حتى 40 ساعة بعد الوفاة، أما بالملقط يمكن أن تزول حتى 35 ساعة أما بعد 63 ساعة لايمكن إزالتها «بروفسور mueller».

- هذه الظاهرة تتعلق بعوامل عديدة أهمها المدة بعد الوفاة – سبب الوفاة – درجة وسط المحيط – جنس وعمر وكذلك وجود أو غياب vibices على حين إن عودة الزرقة للتشكل ثانية يتعلق بزمن بعد الوفاة «البروفسور leopold تجاربه أنه حتى 16 ساعة بعد الوفاة عودة تشكل الزرقة مكانها يحتاج 20-30 ثا بضغط 1 كغ/سم2»، وحتى 24 ساعة بعد الوفاة يحتاج دقيقة واحدة.

-أن الزرقة الرمية ممكن أن لا تتشكل في حال تقاذف الجثة ودورانها باستمرار في نهر سريع أو البحر، أن ارتشاح سوائل وبلاسما عبر الاغشية المصلية إلى الاجواف «جنب، تامور، بريتوان»، بالبداية بلون أصفر وبعد مرور 3-4 أيام يمكن أن يصل لحجم 50- 100 مل وهذا تبدل لايدل على أذية. 

تغير توزع الزرقة الرمية بتغيير مكان الجثة :

1-تبديل وضع الجثة خلال الساعات الستة الأولى ü تغيب من مكانها الأصلي بشكل كلي وتظهر بالوضع الجديد.

2-تبديل وضعية خلال 6-12 ساعة تبدل مكانها بشكل جزئي ü زرقة رمية مزدوجة – اخف شدة ثانوية «مهمة جنائية حالات نقل جثة».

3-بعد 12 ساعة لا تتبدل وتبقى ثابتة «ومنهم من يقول كلمة ثابتة خطأ» – ومكانها حسب وضعية الجثة له أهمية جنائية – شنق « رجلين – يدين » غرق على الوجه والرأس.

-لا تشاهد فقط بالجلد بل على الأعضاء الداخلية وكثيرا، ما يسبب أخطاء لغير الخبير مثل توضعها بالبنكرياس يؤدي لاشتباه بالتهاب بنكرياس نزفي – بالقسم الخلفي للرئات توحي بالتهاب بحالة التهابية ولكن عدم وجود الألياف والفحص المجهري يساعد على التفريق – في الأمعاء توضعها بالأمعاء يعطي منظر تموتي ولكن يفرق بفرد الأمعاء حيث الأمعاء المصابة بالتنخر يكون اللون مستمر بينما الزرقة الرمية تكون متقطعة « منطقة ملونة – منطقة سليمة » لذلك يجب اللجوء للفحص النسيجي.

شدة تشكل الزرفة الرمية ولونها :

1- شدة لونها يعتمد حسب كمية الدم وسيولته بعد الوفاة «فقر الدم – نزف» وفاة مفاجئة – اختناق

2- لونها بنفسجي أو أزرق يختلف حسب سبب الوفاة :

i) برودة - تسمم co «أحمر كرزي» – تسمم سيانيد لونها أحمر زاهي.

ii) تسمم بالأنيلين والبزول لونها بني «كلورات البوتاس أو بعض فطور زراعية».

iii) تسمم بالأفيون «لونها اسود».

- أهمية الزرقة الرمية بالطب الشرعي :

1) علامة مؤكدة لحصول الوفاة.

2) علامة مساعدة لتحديد زمن حصول الوفاة.

3) هامة لتعين وضعية الجثة.

4) قد تساعد على تشخيص سبب الوفاة .