أبو حنيفة بيقول إيه: البيرة حلال.. طب والنووي: الصحابة كانوا يشربون النبيذ

الإثنين، 12 فبراير 2018 06:00 م
أبو حنيفة بيقول إيه: البيرة حلال.. طب والنووي: الصحابة كانوا يشربون النبيذ
سعد الدين الهلالي
كتب- حسن الخطيب

لا ننسى الهجمة الشرسة التي تعرض لها الدكتور سعد الدين الهلالي عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، التي جاءت إثر فتوى له عبر أحد الفضائيات في العام 2012، والذي قال فيها، إن «تناول قليل من البيرة المصنوعة من الشعير، والخمر المصنوع من التمر والنبيذ من غير العنب، الذي لا يسكر حلال، ما دام لا يسبب حالة من السكر، وذهاب أو غياب العقل، أما الكثير الذي يسكر فحرام»، ولم نكلف خاطرنا في البحث عن مصدر تلك الفتوى.
 
وثارت مختلف أوساط المجتمع بما فيها العلماء المتخصصين في الفقه والشريعة، لتشجب وتستنكر تلك الفتوى، ووجهت له اتهامات بأنه يدعوا لتناول الخمر، ويحلل ما حرم الله، وما نسوقه في تحقيقنا التالي ليس دفاعا عن الفتوى أو تحليلا لشرب الخمر، ولكن نسعى لاستيضاح الحقائق ومعرفة الأحكام الشرعية من أهل الاختصاص.
 
وعثرت «صوت الأمة» على كتاب له طبعة واحدة صحيحة كاملة، وهو «كتاب: المجموع- في شرح المهذب للشيرازي» للإمام النووي وهو من كبار علماء السنة والفقه الإسلامي، حيث وجدنا في ذلك الكتاب مايؤكد صحة فتوى الدكتور الهلالي في شرب الخمر، وهو ماساقه الكتاب في رأي للإمام أبي حنيفة النعمان، صاحب المذهب الإسلامي السني الأكثر انتشارا بين المسلمين.
 
ويوضح الكتاب المطبوع بالمملكة العربية السعودية ماذكره الإمام أبي حنيفة في رأيه حول تناول النبيذ والبيرة، فيقول: «وأما النبيذ فقسمان: مسكر وغير مسكر، فالمسكر نجس عند جمهور الفقهاء ويأخذ حكم الخمر في التحريم، أما عند أبي حنيفة وطائفة قليلة، هو طاهر ويحل ربه وفي رواية عنه يجوز الوضوء به في السفر في عدم وجود الماء».
 
ذلك الرأي الذي ساقه الكتاب، للإمام أبي حنيفة جعلنا نتساءل عن شرعية تلك الفتوى، وعرضها على أهل العلم والاختصاص من علماء الأزهر لبيان الأحكام الشرعية والفقهية حول تلك المسألة.
 
 
الدين بيقول إيه؟
 
يوضح الدكتور أحمد عمر هاشم عو هيئة كبار العلماء، بأن الخمر حرام بإجماع الفقهاء عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، مشيرا إلى أن كل ماء اسكر وأذهب العقل حرام حرام، حتى وإن كان قليلة غير مسكر فحرام أيضا.
 
وأوضاف عضو هيئة كبار العلماء بأن ما ذهب إليه الإمام أبي حنيفة النعمان في رأيه حول الخمر، فهو يطلق على الأحكام التي ساقها للمضطرين الذين اشرفوا على الهلاك ولم يجدوا شيئا سوى الخمر أو مشتقاتها، فأجاز لهم مايسد رمقهم منها، لأن الإسلام رفع الحرج للمضطرين، وهو الرأي الذي أفتى به جمهور الفقهاء، فليس على المضطر حرج.
 
ويشير الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، واستاذ الفقه بجامعة الأزهر، بأن ماذهب إليه جمهور أهل العلم والفقهاء هو التحريم للخمر ومشتقاتها إلا في حالات الضرورة، التي اوضحها الإسلام كالتداوي، وفاقد وجود الماء، وغير ذلك من الحالات الضرورية.
 
كتاب
 
 
وأوضح عضو مجمع البحوث، بأن ماذهب إليه الإمام أبي حنيفة في رأيه جاء لما عرف به الخمر عنده، فيرى أبي حنيفة بأن الخمر هي التي تتخذ من عصير العنب إذا اشتد أي تخمر، ويتحقق السكر عنده بغياب العقل وإتيان أمور توضح على السكر التام، ولهذا استخدم الأحناف لفظ الخمر ليطلق على سائر العصائر المتخذه من العنب مجازا وليس حقيقيا.
 
ونوه أستاذ الفقه بأن الخمر الذي يسكر هو حرام كثيره وقليله، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وأما مالايسكر فقد اختلف الفقهاء في قليله، لكن التحريم يقع على الكثير منه، وعلة التحريم هي السكر ومخالفة أوامر الله تعالى، وهذا ماذهب إليه الأحناف.

البيرة والنبيذ 
ونعرض هنا بعض الآراء والفتاوى لكبار العلماء الذين آباحوا الخمر على غرار الإمام أبي حنيفة، حيث يرى ابن حزم الأندلسي أن شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو حلال، ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر.
بينما يرى الحافظ الأندلسي، في التمهيد في شرح الموطأ، أن فقهاء أهل العراق قالوا إنما الحرام منها المسكر، وهو فعل الشارب، وأما النبيذ في نفسه فليس حراما، ولا نجسا، لأن الخمر من العنب.
 
فيما يشير الفقيه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار، قائلا: «ونحن نشهد على الله عز وجل أنه حرم عصير العنب إذا حدث فيه صفات الخمر، ولا نشهد عليه أنه حرم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة، فما كان من خمر فقليله وكثيره حرام، وما كان سوى ذلك من الأشربة، فالسكر منها حرام، وما سوى ذلك مباح، هذا هو النظر عندنا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله، غير نقيع الزبيب والتمر خاصة، فإنهم كرهوا».
 
فيما يروي الإمام النووي حديثا مرفوعا عن الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له في أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصب.
 
ويشرح الإمام النووي الحديث قائلا: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة، وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث، وَقَوْله ( سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ ) مَعْنَاهُ تَارَة: يَسْقِيه الْخَادِم ، وَتَارَة يَصُبّهُ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَاف لِاخْتِلَافِ حَال النَّبِيذ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَر فِيهِ تَغَيُّر وَنَحْوه مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار سَقَاهُ الْخَادِم وَلَا يُرِيقهُ؛ لِأَنَّهُ مَال تَحْرُم إِضَاعَته، وَيَتْرُك شُرْبه تَنَزُّهًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْء مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار وَالتَّغَيُّر أَرَاقَهُ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامًا وَنَجِسًا فَيُرَاق وَلَا يَسْقِيه الْخَادِم؛ لِأَنَّ الْمُسْكِر لَا يَجُوز سَقْيه الْخَادِم كَمَا لَا يَجُوز شُرْبه، وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الثَّلَاث فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّر، وَلَا مَبَادِئ تَغَيُّر وَلَا شَكّ أَصْلًا.

 

تعليقات (3)
ثائر على أدعياء الهوى
بواسطة: أبو عمار الدمشقي
بتاريخ: الإثنين، 20 مايو 2019 01:13 م

لا تتبعوا المذاهب الضعيفة والتي أجمع الفقهاء على أنها لا يفتى بها وتأتون بها لنا يا أدعياء العلم

ثائر على أدعياء الهوى
بواسطة: أبو عمار الدمشقي
بتاريخ: الإثنين، 20 مايو 2019 01:13 م

لا تتبعوا المذاهب الضعيفة والتي أجمع الفقهاء على أنها لا يفتى بها وتأتون بها لنا يا أدعياء العلم

رد
بواسطة: سامي
بتاريخ: الخميس، 09 ديسمبر 2021 09:56 م

يقول ابن الصلاح في فتاويه: «ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد». ويقول ابن القيم في «إعلام الموقعين» ج4 ص 211 «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض». ويقول الإمام الشاطبي المالكي في «الموافقات» ج 4 ص 145 «تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، وتتبع الرخص مضاد للأصل المتفق عليه، وهو «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» (النساء: 59)، وموضع الخلاف موضع تنازع، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، بل إلى الشريعة». من أجل ذلك فإن الإمام الأوزاعي يقول «من أخذ بنوادر العلماء (فتاويهم الشاذة) خرج من الإسلام،

اضف تعليق