أيهما أطول لحية!
الإثنين، 14 سبتمبر 2020 07:26 م
في غمار معركة الدولة المصرية مع التمدد الإخواني الديني داخل المجتمع المصري، يبدو البعض مشغولا جدا في نفي وإبعاد تهمة معادة الدين عن الدولة، تلك التهمة الواهية، التي أضحت سلاح الجماعة المخيف والمزعج، لابتزاز الدولة، ودفع بعض مؤسساتها نحو اتخاذ مواقف أكثر تشددا في الأحكام والأفكار، بل والمزايدة على من يدعون ويزعمون أنهم أكثر تدينا وإيمانا وإسلاما، لتقول إنها الأكثر تدينا وإيمانا وإسلاما.
بين الحين والآخر، تختبر الجماعة العثمانية، الدولة المصرية ومؤسساتها الدينية، وتجرها إلى معركة: أيهما أطول لحية؟ عبر سيل منظم ومرتب من الشائعات والأكاذيب، خاصة حين تتجه الدولة ولو من بعيد، إلى فتح واقتحام حقل تجديد الخطاب الديني الشائك، لتزيل كل الألغام والفخوخ المزروعة على يد أباطرة تجار الدين، ومحترفي النصب في الدين وبالدين، لتدحض أكاذيبهم وتفضح جهلهم وتكشف زيف قولهم.
لكن، ولأن تلك القصص الأسطورية والأصنام الفكرية المختلقة الموجودة في التراث هي لغة الاتصال الوحيدة مع المصريين -الذين أوجدوا الإله وعبدوه قبل آلاف السنين- وهي أيضا حصنها الدائم و طوق نجاتها، سرعان ما تطلق الجماعة أبواقها وأذنابها لادعاء الذود عن الدين ورجال الدين، في كذب بين مفضوح، ملقية الطعم لطابورها الفكري المنتشر داخل الدولة؛ فكثير من يتحدثون عن غير قصد بفكر الجماعة ومنهجها واسمها.
وبينما الجميع ليس في حاجة لأي دليل يثبت تلاعب الإخوان بالدين وفي الدين، لا تزال المؤسسات الدينية ترضخ لهذا الابتزاز الرخيص مدفوع الأجر، وتتسابق بكل صدق وإخلاص لتحلف على الهواء وأمام الجميع بأغلظ الأيمان، أنها لا تعادي سوى أعداء الدين، وما تريد إلا صالح الدين، وضبط وفضح وتعرية كل جناة جريمة تشويه الدين، وتصويره عبر أحاديث ملفقة منسوبة لرجال العنعنة وحكايات القدام ورفقاء المقابر، ليس إلا غازي يبحث ضم مزيد من الأراضي والغنائم والسبايا، يأكل من جيوب جثث أعدائه، فيما الحقيقة هو دين سلام وعدل وإنسانية.
عاشت الدولة المصرية لسنوات بدستور مدني، يعتبر الدولة كيانا اعتباريا ليس لها دين بعينه، عرف فيها الإسلام بجوهره ومقاصده السامية، مزدهرا وحاضرا في كل الأوقات والأزمات، إذ لم يكن الدين هوية قبلية وعرقية، بل كان هوية قلبية روحية في الأساس، تتوج رأس الهوية الوطنية. هوية روحية لا تدعو لكره أو حب الآخر استنادا على نوع دينه ومذهب رجال دينه.
وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن السماح بحدوثه، إذ لا يهدد الجماعة الإخوانية وحسب، بل يهدد كل تجار الدين ودراويشهم وتابعيهم، في بعض المؤسسات والبيوت والشوارع، أمام الشاشات وعبر الأثير، فالخطر كل الخطر أن يتساوى كل المؤمنين تحت مظلة واحدة، فما بالك بغير المؤمنين، وإلا فلما القتل والسبي؟ وأين الغنائم ومضاجعة الجواري إذا؟
كيف للجماعة وطابورها الفكري أن يفرط في مهنة الحارس القَيم الوحيد الصحيح الحق، وكل الحق، للدين ولتعاليم الدين؟ كيف له أن يفرط في مهنة التفتيش في النوايا والرقابة على الأعضاء التناسلية؟ كيف يترك السيف من يده ويأمن سيطرته على رواد حظيرته؟
وحين تحاول الدولة أن تسلب الجماعة هذا السلاح، يقبل الطابور المتآمر جهلا وخبثا فقط بفضحها- أي الجماعة- ونبذها وحتى تعنيفها وعقابها، لكن دون إبعاد السلاح، ودون جرح أو إصابة أيا من المؤسسين الأوائل المشتركين بينه وبين الجماعة، ويبدأ هو بشكل ما أو بأخر المزايدة على الجماعة وعلى الدولة نفسها، فتزيد بعض المؤسسات من أيماناتها، ويتحول مسؤولون وموظفون كثر إلى وعاظ، وحراس لدين وتعاليم وقيم المجتمع.
تحاول الدولة إثبات تدينها، في وجه شائعات وأكاذيب ومزيدات الجماعة، فتبدأ في مساعدة المجتمع المتدين في حملاته الدينية لملاحقة الخارجين على مظاهر وأطر أخلاقه وقيمه وعاداته، التي هي ربما ليست الفساد والسرقة والرشاوى والكذب والبلطجة والكراهية والحقد والتكفير والتطرف، وإنما قيم وقوانين وأخلاق الجنس، إن كل حديث عن خلق أو فضيلة في مصر الآن، ليس إلا حديثا عن الجنس وفي الجنس، وفيما يحتفي المجتمع بعلاقات النجوم غير المقيدة بإطاره الأخلاقي والديني، واضعا إياها في منزلة أيقونة الحب، مادحا متغزلا في صور نجمات المايوه على الشواطئ، يثور ويغضب ويصرخ على القيم وضياع القيم، حين ترقص فتاة، أو تخلع إحداهن غطاء شعرها.
إن الفرق بينا ما تريد الدولة فعله، وبين ما تفعله حقا، يشبه أن تريد أن تكون قوانينك دينية وشعبك ومسؤولوك متدينين، دون أن تكون دولة دينية، في وقت لا يريد فيه الإخوان سوى قوانين دينية ومسؤولين وشعب ديني، لإقامة الدولة الدينية، أو الخلافة الدينية.