مصر تحارب الإرهابيين لا الإرهاب!
الأحد، 03 يونيو 2018 08:11 م
لا شيء في واقع الأمر حدث منذ 25 يناير 2011، وحتى الآن، يمكن أن نحتفي به، بل ونقيم له الاحتفالات والأعياد الرسمية، أكثر من تعرية مؤخرات الدجالين والمشعوذين المتاجرين المتلاعبين بالدين وفي الدين، ومع ذلك نجدهم يحتلون المساجد والمنابر ليستتيبوا من فوقها الشيطان ويعلموه العودة إلى تقواه، وإلى ماضيه الذي كان، وليكفروا من فوقها البشر، كل البشر، لكنهم لا يحملون السلاح في أيديهم- حتى الآن- لذا لن يكونوا على قائمة المطلوبين بقضايا إرهاب.
مصر تخوض منذ خمس سنوات حربا شرسة ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة، تدفع فيها الغالي والنفيس من دماء أبنائها الطاهرة، لكن في المقابل تترك التربة خصبة ليترعرع فيها الإرهاب، ويضرب بجذوره في الأعماق، وحقيقة الأمر- حتى لو كانت صادمة ومخجلة- فإن مصر تحارب الإرهابيين لا الإرهاب.
نعم، مصر تحمل السلاح في وجه الإرهابيين، لكنها تعتني به- أي الإرهاب- في حظيرتها الخلفية، ليسمن من الفتاوى والآراء المتطرفة، وينهل من نهر سيد قطب وابن تيمية، وكل القتلة والمفسدين، نعم، مصر تقصف معسكرات الإرهابيين بالطائرات والصواريخ، لكنها تغض الطرف عن كل الإرهابيين المحتملين الذين أصبحوا في غفلة من الزمن قادة وزعماء.
لماذا تفعل مصر الرسمية ذلك؟ لماذا تقف مؤسسات الدولة، حجر عثر أمام الانقضاض بقوة غاشمة- كما قال الرئيس- على الإرهاب؟ هل تمنعها العمامات المنتفخة المتوعدة البشر- كل البشر- بالجحيم وأهواله؟ أم تخشى ثورة السلفيين؟ أم أنها ترى أنه ليس الوقت المناسب لفتح الباب على مصراعيه أمام محاربة الإرهاب، كفكرة، قبل أن تحاربه، كأسلوب.
الرئيس السيسي في حواره لمجلة «الرجل» السعودية قبل يومين، قال إن «ظاهرة الإرهاب، هي تحدي خطير ويحتاج إلى جهد كبير للغاية وجهد مشترك وإرادة حقيقية»، وأن «القضاء النهائي على الإرهاب يحتاج إلى عوامل أخرى غير المواجهة الأمنية والعسكرية فالموضوع يحتاج كذلك إلى تنمية حقيقية».. وهذا يؤكد أن مصر في أمس الحاجة إلى أدوات أخرى لمحاربة الإرهاب، فالتنمية الحقيقية التي تحدث عنها الرئيس قد تكون تنمية وتحرير العقول، أو قد تكون- في رأيي- إبعاد كل السلفيين ومن على شاكلتهم و«المتأسلمين» الغلاظ، عن المصريين، وعن عقول المصريين.
إن فتح المجال أمام الأيديولوجيات التي تؤمن حد اليقين، بعدم احترام الرأي الآخر، وتسلب أيضا حقه في حرية التعبير وحرية العقيدة، وتحجر على العقول، بحجة أن هذا مخالف لثقافة أو لمذهب أو عقيدة أو رأيٍ ما، أشد خطرا على مصر من الإرهابي الذي يحمل السلاح، خاصة وأن هذه الأيديولوجيات تتسلح بتفاسير وآراء مشوهة ومغلوطة من كتب التراث، تحظى بما يسمى «الإجماع».
والسماح لأحفاد «المكفرون الأوائل» بنشر أفكارهم المتطرفة داخل المجتمع بأريحية ويسر، فقط لأنهم لا يحملون السلاح، يجعل من مهمة القضاء على الإرهاب نهائيا شبه مستحيلة، لأنها تتيح للعناصر الإرهابية أن تتواجد بين صفوف المصريين طوال الوقت بأفكارهم الظلامية الحاقدة الناقمة على المجتمع.