ولماذا تفتون أصلا!
الجمعة، 08 يونيو 2018 12:17 ص
في مشهد بائس، دخل الثنائي وزير الأوقاف وأمين مجمع البحوث الإسلامية، في حرب باردة مستعرة للسيطرة على أحقية إصدار الفتاوى، ومن يحق له أن يفتي دون الآخر، كانت أحدث معاركها تلك التي دارت رحاها في أروقة مجلس النواب، حين رفض الدكتور محي الدين عفيفي، أمين المجمع، إسناد مهام الفتوى إلى وزارة الأوقاف، خلال اجتماع اللجنة الدينية، الأمر الذي أغضب مختار جمعة وأخرجه عن لياقته وانفعل، بل اتهم عفيفي واتهم رفضه أيضا، بأنه محاولة لإبعاد الأوقاف عن هذه المهمة.
متسلحة بجيوش الخطباء وأئمة المساجد في طول البلاد وعرضها، تستميت الأوقاف للدفاع عن ما تراه أنه حقها، الذي في رأيي ليس إصدار الفتاوى، فهذه كذبة قديمة جدا، لكن حقيقة الأمر هي تستميت ليبقى نفوذها داخل المجتمع قويا ومسيطرا، فهي لن تغامر بالتفريط في مهنة «مباحث السماء» التي تختص بالتفتيش في النوايا وتحكم وتتحدث باسم الله ليلا ونهارا، وهذا ما يريده ويسعى إليه ويتقاتل عليه المجمع هو الآخر، فالكل هنا، يريد الحق في أن تكون مشاعره ورغباته وأهوائه، المفسر المصوغ الوحيد للدين، ولتعاليم الدين.
إن معركة السيطرة على التحدث باسم الله، للأسف، لا تزال تحظى بجماهيرية ساحقة، في دولة تحارب التنظيمات التكفيرية المتشددة كل يوم وكل ليلة وكل ساعة، في سيناء وخارج سيناء، في دولة ينكوي مواطنوها بنيران الفتاوى المتوحشة البربرية التي لا تحض إلا على الكراهية والعنصرية وكره الآخر، والتي للمصادفة نسمعها على لسان شيوخ أجلاء ترعاهم الدولة وتعتني بهم، شيوخ تعلموا في نفس المدارس التي تعلم فيها، من يتصارع الآن على إصدار الفتوى، ليبدو الأمر وكأنه نكتة سخيفة مبكية، فليس المطلوب إذن حماية المصريين وعقول المصريين من الفتاوى، المطلوب هو التحكم في إصدارها، وليذهب ما تحويه تلك الفتاوى وما تدعوا له وما تصبوا إليه، إلى الجحيم.
وعجبا، أنهم سيحلفون بأغلظ الأيمان وأصدق النوايا، إن قانون تنظيم الفتوى، وحظر التصدي لها في الأمور العامة، والذي يجري مناقشته الآن داخل اللجنة الدينية بمجلس النواب، وكان السبب في حدوث أزمة الأوقاف والمجمع، يأتي لمواجهة الإرهاب والتطرف والآراء الشاذة المتطرفة، التي تفرق بين نسيج المجتمع، وتزعزع الوحدة الوطنية، وكل هذه النصوص الرتيبة الكئيبة التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب، والتي تبعث على القلق والرعب، فلا شيء أصبح يثير الريبة والشكوك أكثر من الشيفونية الدينية والتغني بوحدة الوطن الآبية على المنابر.
سيقولون إن الولاية ستؤول إلى هيئة كبار العلماء، برفقة الإفتاء لا شريك لهما، وهذا- في اعتقادهم، كفيل بأن يجعل المصريون يهللون للقانون، ويصفقون له وينتشون من أجله، مثلما كان ينتشي الهنود الحمر وسط النيران، حين يصطادون فرائسهم، في مشهد ساخر يثير الشفقة؛ فتلك الهيئة واحدة من مؤسسات كبيرة أصابها سرطان الإخوان والسلفيين، فعلاوة على كونه كان عميدا جامعيا أزهريا، شغل مفتي الإخوان عبد الرحمن البر، الذي يواجه حكما بالإعدام في قضايا إرهاب، أحد مقاعد الهيئة الموقرة، وبنفوذ قوي راسخ، ناهيك عن العناصر التي قد لا تكون إخوانية التنظيم، لكنها إخوانية الهوى والتفكير.
هذه خديعة كبرى، وفخ تسقط فيه الدولة بإرادتها وهي مغمضة العينين منذ سنوات طويلة، وببساطة شديدة، فلو كان الهدف من تنظيم الفتوى، هو السيطرة والتحكم بكم وعدد الفتاوى التي تخرج للناس، وبدلا من إصدار 100 فتوى في اليوم أو الشهر على سبيل المثال، يصبح العدد 50، تكون المصيبة، فالمشكل لم يكن أبدا في عدد الفتاوى، بل في محتوى وفحوى وشرعية فتاوى الكراهية والعنصرية وسفك الدماء، تلك الفتاوى التي تستند على أرضية صلبة، وتمتلك حججا قوية من كتب التراث وفقه القدام ومناهج المؤسسات التعليمية الحكومية.
إن أزمة الفتاوى لم تكن ولن تكون أبدا في عددها، بل في مدى شرعيتها، ومدى اتساقها مع مقاصد الدين السامية، خاصة تلك التي تدعوا إلى تحقير الآخر والطعن في صحة عقيدته ومذهبه وآراءه، تلك التي يزعم أصحابها إنها من الدين، ولا شيء غير الدين، ليكون الأمر، أنه بدلا من إصدار 10 فتاوى توجب وتدعوا وتثني على قتل المرتد، سيكون العدد 5، لكن بتعديل طفيف يؤكد على عدم جواز قتل المرتد سوى بيد ولي الأمر، أي أن الخلاف ليس في مسألة القتل بحد ذاتها، الجميع يتفق على هذا الأمر ويقره، الخلاف هو من صاحب حق إطلاق النار.
ثم، لو كانت المسألة هي اقتصار الفتوى على الذين يدعون ويزعمون إنهم أكثر واسطية من غيرهم، فما هي المعايير التي على أسسها يحدد من هو أكثر واسطية من غيره؟ كيف يفرق الناس بين الواسطي وغير الواسطي؟ وما الذي يعطي الحق لهذا الشخص ليفتي أكثر من ذاك الشخص؟ هل هي شهادته وخبراته العلمية؟ هل هو منصبه وموقعه في المؤسسات الدينية؟ هل هو لون عمامته وجلبابه؟ ولكن ماذا عن سالم عبد الجليل وعبد الرحمن البر ومحمد عبد السلام وعبد الخالق شريف وجمال عبد الستار!