علاقة مكتب الإرشاد بـ«قتلة المنسى»
السبت، 09 مايو 2020 01:16 م
جاء مسلسل «الاختيار» ليعيد فتح ملفات تاهت، أو لم تأخذ حقها من التناول الإعلامى، وسط زخم الإرهاب المتصاعد بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وما تبعها من أحداث، حتى وصلت إلى ذروتها بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأعتقد أن من أهمها هو علاقة تنظيم الإخوان بالتنظيمات التكفيرية والإرهابية فى سيناء وقطاع غزة.
كانت أولى الإشارات الواضحة- والكاشفة- لتلك العلاقة الشبيهة بزواج المتعة، هو دور العناصر الإرهابية المتمركزة فى سيناء وغزة، فى تهريب قيادات الجماعة من السجون، فى القضية المعروفة إعلاميًا بقضية اقتحام السجون، فقد نعت مجلة «النبأ» التابعة لتنظيم «داعش»، فى عددها الصادر بتاريخ أبريل ٢٠١٧ أمير تنظيم «ولاية سيناء» والمكنى بـ«أبوأنس الأنصارى» الذى قتل فى غارة جوية للجيش المصرى، حسبما ذكرت المجلة.
يومها نشرت المجلة- الناطقة باسم «داعش»- صورة رجل وصفته بمؤسس «أنصار بيت المقدس»، دون التطرق إلى أى معلومات تخصه، وفى الحقيقة الصورة كانت لـ«أحمد زايد الجهينى» ثانى قائد للتنظيم بعد مقتل المؤسس الأول توفيق محمد فريج زيادة.
هناك خلاف بين: هل كان فريج زيادة هو صاحب فكرة وقرار بيعة أبوبكر البغدادى زعيم داعش، ونقض بيعة أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة؟ أم أن المؤسس الفعلى هو أحمد زايد الجهينى؟ خاصة أن هناك معلومات متضاربة من داخل التنظيم، إحداها يقول بأن واقعة مقتل فريج زيادة- نتيجة انفجار قنبلة فى سيارة كان يقودها- كانت مدبرة من داخل التنظيم بسبب رفضه العمل تحت لواء داعش، وهو ما يتعارض مع رواية أخرى تؤكد أن قرار بيعة «داعش» جاء بموافقة «فريج» وجميع قيادات التنظيم، إلا أن قليلا تم إقصاؤهم من التنظيم، ومنهم هشام عشماوى، وتصفية الباقيين.
اعتنق «الجهينى» الفكر التكفيرى وهو فى سن الشباب، حتى التحق بالتعليم الجامعى، وتعرف على زوجته فى الجامعة، وبعد أن أتم زواجه منها عاد بها إلى شمال سيناء، وعاشا فى منزله بقرية الوحشى بمدينة الشيخ زويد، وبدأ العمل مدرسًا فى إحدى المدارس الثانوية الصناعية بالمدينة.
نستطيع القول إن محمد حسين مجاهد- المكنى بـ«أبومنير»- كان هو القدوة والمرجع الفقهى وأمير «الجهينى»، خاصة بعد أن تولى «أبومنير» قيادة «جماعة التوحيد» التابعة للقاعدة، بعد مقتل مؤسسها خالد مساعد، بالقرب من قرية المهدية أثناء مطاردة أمنية، على غرار تفجيرات طابا ونويبع، والتى اعتقل فيها «الجهينى» متهمًا فى تنفيذ هذه العمليات.
وجاء تولى محمد مرسى لمقاليد الحكم فى مصر، بداية حقيقية لتحقيق أحلام «الجهينى»، والتى تجلت معالمها فى مذبحة رفح الأولى، التى أطيح على إثرها بأكبر العقبات التى طالما خشاها الإخوان، وهم قيادات الجيش المصرى، وفى تلك الفترة كانت عمليات التنظيم (المسلحة) تخدم أهداف الإخوان، وتساندهم فى تحقيق أجندتهم الاستراتيجية فى سيناء، وما يؤكد ذلك هو نجاح الإخوان- مرتين متتاليتين- فى تحرير أسرى من يد التنظيم، عن طريق تحقيق اتصال مع التنظيم، وهما واقعة اختطاف 7 جنود، بالإضافة إلى واقعة اختطاف عمال صينيين، واستمرت العلاقة الوطيدة بين نظام محمد مرسى وجماعة «الجهينى» حتى ثورة 30 يونيو ٢٠١٣، حينما وقف القيادى الإخوانى محمد البلتاجى كاشفًا هذه العلاقة أمام الشاشات، عندما قال جملته الشهيرة: «لن ينتهى الإرهاب فى سيناء إلا بعودة محمد مرسى رئيسا للبلاد».
سقوط الإخوان كان مفاجأة لـ«الجهينى» وصبيانه، لكن ذكاءه الحاد عثر على البديل القادر على تمويل العمليات الإرهابية، وتحقيق هدف إعلان ما أسماه «الإمارة الإسلامية فى سيناء»، فكانت بيعة أبوبكر البغدادى، هى الحل الأمثل أمام «الجهينى»، الذى كان قد تحدث عنها على استحياء قبل الإطاحة بالإخوان من الحكم، لكن فكرته لم تجد إجماع الأغلبية، فقرر ألا يخوض معركة قد تقلل من شعبيته داخل التنظيم.
كان يرافق «الجهينى» شقيقه عبدالهادى زايد الجهينى، حارسه الشخصى ورجل المهام الصعبة فى التنظيم، والذى شارك فى العمليات الكبرى مثل عملية كرم القواديس، ويصغر «عبدالهادى» أخاه أحمد بنحو 10 سنوات، فهو فى العقد الثالث من العمر، ومعروف عنه شغفه الشديد للعنف والقتل، وقلة حديثه مع الآخرين.
التواصل بين التنظيم فى سيناء ومكتب الإرشاد فى القاهرة، كان وثيقا ومستمرا، ووقائع التفاوض كانت خير نموذج، بخلاف التواصل- الذى حدث أكثر من مرة- بين خيرت الشاطر وقيادات التنظيم، ومساعدتهم فى فرض وجودهم، وتأهيل المجتمع للتعامل معهم كأمر واقع، من خلال دعم فكرة المحاكم الشرعية التى تولتها قيادات من ما يسمى «التيار السلفى الجهادى»، بقيادة حمدين أب فيصل، وسلمى سليم، ورفع مستوى التنسيق بين التنظيم والجماعات المحسوبة على التيار الإسلامى داخل قطاع غزة، والذى وصل إلى تخصيص أنفاق بعينها لتكون تحت قيادة التنظيم، كنوع من تقديم الدعم المادى واللوجستى، وكذلك بوابة عبور للدعم البشرى فى العمليات النوعية، وأيضًا لتلقى المصابين من التنظيم- خلال العمليات- للرعاية الصحية فى القطاع.
علاقة الإخوان بالتنظيمات الموجودة فى سيناء كانت برجماتية، يسودها تبادل المصالح، ولم تتوقف عند ما سبق ذكره، لكنها وصلت- فى الفترة التى أعقبت الإطاحة بحكم الاخوان- إلى تبنى التنظيم العمليات النوعية التى تنفذها اللجان النوعية للإخوان بقيادة محمد كامل، ليحفظ للإخوان مساحة «السلمية» التى تستغلها للعنف ذاته عن عناصرها، خوفا من التصنيف الإرهابى فى الدول الغربية.