لعبة الدوائر

الأربعاء، 05 فبراير 2020 04:43 م
لعبة الدوائر
هشام السروجي

 
أعلم حيرتك جيدًا، أري مطرا من الأسئلة يغمرك، وأنا لا أملك طوق نجاة، فأنا لا أجيد الأجوبة أن كنتِ تعلمين، تعودت على طرح الأسئلة فقط وسماع الأجوبة، لم يسألني أحد من قبل، من يسألني أن كنت غير مرئي، لا تضحكين. لا أدعي القوة الخارقة، فقط كنت خارج نطاق بصرهم، خارج الحسابات.
 
ذات مرة صحوت علي صوت يسألني ما أسمك؟
الصوت كان معدني كالذبذبات الصادرة من الشوكة الرنانة، قاومت جفوني الثقيلة، فتحت عيني رويدا، ما هذا الضوء المبهر؟ وأين ملابسي؟ أنا لا أستطيع الحراك، فقدت قدرتي على النطق، حاولت النهوض دون جدوى، أنا مت بالتأكيد، أغمضت مرة أخرى، وحين عاودت النظر، علمت أن السائل كان طبيب التخدير في غرفة العمليات، لا أتذكر سواه يسألني.
 
أنا المنسي والمهمش، الذي لم يذق لذة الاختيار، أن تختارني إحداهن وسط عدد من الخيارات، أنا الهارب من المقارنات، رهاني على الأشخاص خاسر أمد الدهر، ولا يراهن أحدا عليّ، متخزوق على أوتاد الآمال.
 
أنا الفارس المجهول في ساحات المعارك، ولا يذكرني التاريخ، لا أحصل على أوسمه، فلا تتعجبي حين أنظر لعالمك باحتقار، عالمك كفر بوجودي فكفرت به.
 
أنا النابح وعويل الذئاب، أنا السامع لهمس عقلك وسط ضجيج الصمت، المطلع على ما يجول في خيالك، العين التي تراقب كل عين، أنا ضمير الإنسانية الذي أوسوس لها، أنا الذي تحدثت فقط أمامك.
 
في تلك الزاوية الرمادية من العالم حيث عشت شبابي، تعلمت فقط التعامل مع الأعداء لا مع الأحباب، هناك حيث كل حرف ونظرة ولفته يحملوا ألف معنى، وكل معنى قد يمثل خطر على وجود زاويتنا، هناك فقط يتحول كل رجل منا إلى إنسان بدائي، لا يملك إلا غريزة البقاء، أن يبقى حيا، سيد أو عبد، قويا أو ضعيفا، حيا أو ميتا، فلا مكان بيننا سوى للأدهياء، المحافظون على وجودهم في الزاوية.
 
كيف أن اتعامل معكِ إذن أيتها المُحبة، تمنيت محادثتك ومسامرتك ومقارعة كأسك، لكنك دائمة الابتسام، وأنا لا أجيده، الابتسام علامة على مرض السعادة، أنت كذلك تبكين حين تحزنين، وهناك في زاويتي لا مكان لأمثالكم، نحن رماديون لا ننحاز للسعادة أو الحزن.
 
لا تحاولي اقناعي بالدخول إلى دائرة الألوان الصريحة، حينما كنت طفلا نشأت وسطها، في البداية كان الأبيض ومررت بالأخضر، كنت أشاهد الأحمر يغزو العالم من نافذة التلفاز فأخاف، لكن أعاود محبته في قطع الحلوى، كنت أركض بالأزرق على صفحات الكراريس وعلى جدران المنزل، فتخرج من خطوطي لوحات سريالية لا يدرك عمق خطوطها غيري، البني لازمني ٦ أعوام في ملابس مدرستي الابتدائية، الأصفر والسماوي كانا عصفورتين أستراليتين، أول ما حزت من الحيوانات، عشت متنعمًا وسط الألوان حتى جاء الأسود، يومها انطفأت كل الألوان، حاولت الهرب منه، فخرجت إلى الرمادية حيث مستقري الأن.
 
ارفعي نظرك عن عيني كي أرى العالم، ودعيني أشرح لكِ احتمالات الرمادي كما صورها فنسنت فان جوخ..... أين دائرتي؟ أين لوني؟ لماذا عدت بي إلي الأبيض؟.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة