لغز زراعة الزيتون في مصر.. نستورد 98% من زيوته ويضيع 75% من إنتاجه على«الطُرشي»
الأحد، 17 نوفمبر 2019 09:00 ص
تُمثّل زراعة الزيتون في مصر، لُغزاً يحتاج إلى حلّ وفكّ طلاسمه، نظراً لوجود عددٍ من المتناقِضات، في زراعته وإنتاجيته وزيوته، فعلى الرغم من أننا نحن الوحيدون في العالم، الّذين أشاد المولى تبارك وتعالى، في القرآن الكريم، بشجرة زيتونهم في سيناء، وهذه الإشادة والتكريم والتقدير، من المُفترض أن يظلوا علامة تجارية فارقة، خاصة وحصرية على زيتوننا وزيوته، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، عِلماً بأننا مازلنا حتى الآن، عاجزين عن استثمارها واستغلالها والبناء عليها، والدليل على ذلك، استيرادنا من زيت الزيتون، والذى تصل نسبته إلى 98%، بينما يضيع حوالى 75%، من إنتاجنا السنوي على صناعة "الطُرشى" و المخللات، مع أن زيت الزيتون، من أنقى الزيوت في العالم، ويُعدّ غذاء ودواء وعلاج.
زراعة الزيتون فى سيناء
مساحة زراعة الزيتون في مصر
خلال افتتاح الندوة العالمية، التي استضافتها مصر، بالتنسيق مع المجلس الدولى للزيتون، في 23 إبريل من هذا العام، قال وزير الزراعة واستصلاح الإراضى:"إننا نتجه لزراعة 100 مليون شجرة زيتون بحلول عام 2022"، وهذه الكلمات جاءت على لسان الوزير، والذى يشغل في نفس الوقت منصب، رئيس المجلس الدولى للزيتون، وهو مايؤكد على اهتمام الحكومة، بهذا المحصول، الذى ارتبطت جذوره بسيناء في مصر منذ آلاف السنين، بينما يحقق هذا التواصل، مابين العراقة والمُعاصرة والتحديث، دراسة عن زراعة الزيتون، أعدتها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، وتُعتبر أول دراسة فنية متخصصة، عن استراتيجية التوسع في زراعة الزيتون، وتتضّمن الأصناف المزروعة، على المستويين زيتون التخليل أو إنتاج الزيت، فضلا عن طرق الزراعة الكثيفة أو عالية الكثافة، والاحتياجات المائية للأصناف، والمناطق المقترحة للزراعة، وفرص التصدير، وطرق تدبير واستيراد الشتلات.
زراعة الزيتون فى مصر
في البداية، أكدت الدراسة، أن 75% من المساحات المزروعة بالزيتون حالياً، هي من أصناف زيتون التخليل، بإجمالى كميات بلغت 750 ألف طن، يُستخدم منها للتصدير، حوالى 150 ألف طن، والباقى يُستخدم في الاستهلاك المحلى، بالإضافة إلى فاقد يصل لحوالي 10% من إجمالى الإنتاج، وأشارت الدراسة إلى أن إجمالى المساحة غير المثمرة، تصل لحوالى 25 ألف فدان، ومعظمها من أصناف زيتون المائدة "التخليل"، وإنتاجها خلال الأعوام المقبلة يُغطى الزيادة في الاستهلاك المحلى والصادرات، وقالت الدراسة إن إنتاج مصر من أصناف الزيت، حوالى 30 ألف طن، معظمها للاستهلاك المحلى، والصادرات في حدود 6 آلاف طن سنويا.
وألمحت الدراسة، إلى أن مصر تعانى من زيادة في الفجوة الزيتية، حيث يتم استيراد أكثر من 95% من الاستهلاك المحلى من زيت الزيتون، بسبب أهميته الغذائية والصحية، وتابعت الدراسة، أن مصر تخطط لاستكمال زراعة 100 مليون شجرة زيتون، بدلاً من 35 مليون شجرة حالياً، على أن يتم تنفيذ الخطة بزراعة 65 مليون شتلة، خلال 3 سنوات لاستكمال الـ100 مليون شجرة، ويتم الاعتماد على تدبير هذه الشتلات، من القطاعين الخاص والحكومى، عن طريق طرح كراسة شروط لتوريد الشتلات.
زراعة الزيتون
تكاليف الجمع اليدوى للزيتون 20% سنوياً
وأشارت الدراسة، إلى أن جميع طُرق الغرس في مصر، هي زراعات كثيفة من 100- 230 شجرة في الفدان، وبالنسبة للزراعة عالية الكثافة، فيجب تشجيع أي مستثمر يخوض هذه التجربة، لتأكيد مدى إمكانية نجاحها، على أن يتم الاعتماد على الأصناف المنتجة شتلاتها محلياً، ولفتت الدراسة، إلى الارتفاع المستمر في تكاليف الجمع اليدوى للزيتون سنوياً، وتشكل هذه التكلفة حالياً 20% من قيمة بيع المحصول، ولها تأثير سلبى على جودة الزيت، وعلى النقيض من ذلك، فإن الجمع الآلى يعطى جودة زيت عالية مع انخفاض التكاليف.
وفيما يتعلق بالاحتياجات المائية للأصناف وطرق غرس الزيتون، أوضحت الدراسة أن الاحتياجات المائية متقاربة في الكمية في أصناف التخليل والزيت، رغم أن جدولة الرى تختلف بينهما، وأن الاحتياجات المائية تختلف طبقاً لجودة مياه الرى ونوع التربة، وتزيد باستخدام المياه المالحة والأراضى الرملية، حيث تقدر الاحتياجات المائية في حدود 3- 4 آلاف متر مكعب للفدان في العام.
معاصر زيت الزيتون تحتاج إلى التطوير
واقترحت الدراسة أماكن للتوسع في أصناف الزيت، وهى شمال ووسط سيناء، وطريق الضبعة، وطريق العلمين، ووادى النطرون، وشرق واحة سيوة والجارة، ومن المتوقع أن تقل نسبة الزيت بمقدار 2 % في مناطق الواحات البحرية، والفرافرة، وطريق أسيوط الغربى حتى المنيا، نظراً لارتفاع درجة الحرارة وقت تكوين الزيت.
وشددت الدراسة، على أن توقعات الاستهلاك والتصدير توضح زيادة الاستهلاك المحلى، نتيجة الوعى بالقيمة الغذائية والصحية، بينما تعد فرص التصدير واعدة لزيادة الطلب العالمى على استهلاك الزيت، مشيرة إلى أهمية وضع تشريعات لإخضاع الزيوت المنتجة في مصر للاختبارات الكيميائية، وإنشاء أكثر من معمل للاختبارات الحسية، تماشيا مع توصيات المجلس الدولى للزيتون.
زراعة وإنتاجية الزيتون
نستورد 98% من احتياجتنا من الزيوت
من ناحيته، قال الحاج حسين عبد الرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، إن سعي الحكومة، للوصول لغرس وزراعة 100 مليون شجرة زيتون، هو عين الصواب، بالوصول لشجرة زيتون لكل مواطن مصري، ولفت إلى أننا نستورد 98% من احتياجتنا من الزيوت، وأن شجرة الزيتون هي أصلح الأشجار لمصر، في الوقت الحالي، لأنها تصلح للزراعة في جميع الأراضي المصرية، ولا تستهلك المياه.
وتنتح زيت له عائد اقتصادي عالي جداً، موضحاً أنه من أجل الوصول لهذا الحلم، علينا تشجيع الاستثمار، فى مجال زراعة أشجار الزيتون، وتنمية وتحسين خواص، أصناف الزيتون الموجودة بمصر، والمُخصصة لاستخلاص الزيوت، أو لأغراض صناعية أخري، وتوفير مساحات الأراضى لهذا الغرض، وأشار أبوصدام، إلى أن زراعة مساحات متجاورة وكبيرة، يسهّل استخدام النظم الآلية، فى الجني، ويقلل التكلفة، وهو ما يحقق مكاسب أعلى، مع ضرورة إصلاح النظم التشريعية، لتحقيق هذه الأهداف، وتهيئة مناخ استثمار زراعى جاذب، و دعم قدرات صغار المزارعين ماليا، عن طريق البنك الزراعي المصري، وأوضح الحاج حسين، أنه بجانب التوسع في زراعة اشجار الزيتون، يجب علينا وضع خطة لمكافحة أمراض أشجار الزيتون، وخاصة العفن الأسود، لأنه يؤثر سلبياً علي إنتاجية زراعات الزيتون، وكذلك مكافحة الآفات، مثل دودة براعم الزيتون، والحشرات كحشرة المن والتربس، التي تؤدي لظهور ندوة عسلية، ينمو عليها العفن الأسود، وهو أحد أقوي الأسباب في تدهور إنتاجية الزيتون.
معاصر زيت الزيتون
موسم جني الزيتون
وأكد الحاج حسين، أننا نزرع في مصر، ما يزيد عن 200 ألف فدان، بحوالي 65 مليون شجرة زيتون تقريبا، ويبدأ موسم جني الزيتون، في منتصف سبتمبر، ويستمر حتى منتصف نوفمبر، وتنتشر زراعة الزيتون في مصر، بمحافظة الوادي الجديد والبحيرة وسيناء والفيوم وأسيوط والإسماعلية والجيزة، مشيراً إلى أن متوسط الإنتاجية، يختلف بحسب كثافة الزراعة والصنف المنزرع، وعموماً يبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة، في السنة الثالثة من الزراعة، حوالي 3 كيلو جرام، تزداد في السنة الرابعة إلى 10 كيلو جرام، ثم تزداد في الخامسة إلى 20 كيلو جرام.
الزيتون بعد عصره
وتابع نقيب عام الفلاحين، أن إنتاج شجرة الزيتون، في السنة السادسة من الزراعة، تبلغ حوالي 40 كيلو جرام، لافتاً إلى أن إنتاج شجرة الزيتون، يستقر بعد السنة الثامنة، عند 70 إلى 100 كجم، إذا كان هناك اهتمام جيد بالخدمة التسميدية والري، ونظراً لرخص سعر شتلة الزيتون، مقارنة بأسعار الشتلات الأخري، وسهولة العناية بها، وتحملها للظروف القاسية، وعدم حساسيتها للإصابة بالأمراض، وأنها غير مُكلّفه في برنامج تسميدها أو تقليمها، وتحملها العطش والملوحة، مقارنة بأنواع الفاكهة الأخري، فهى تتحمل ملوحة، تصل إلى 3800 جزء في المليون، وتتحمل العطش حتي أسبوع، دون التأثير علي نموها وإنتاجها الإقتصادي، كل ذلك، يجعلها الشجرة الأنسب لمصر حالياً، بالإضافه إلى ثبات سعر إنتاجها النسبي، يجعل منها ملاذاً للمستثمرين، للحد من مخاطرة تذبذب أسعار الفاكهة الأخرى، وأضاف أبوصدام، أن الأصناف المنتشرة بمصر، صنف العجيزي والعقص والتفاحي، ويصل متوسط سعر لتر الزيت، حوالى 80 جنيها، ويتكلف فدان الزيتون، حوالي 10 آلاف جنيه، وتعيش الشجرة لمدة قد تصل لألف سنة، وتزرع في شهر مارس من كل عام، وتنتج بعد 3 سنوات، في شهر أبريل، وأشار أبوصدام إلى أن أسعار الزيتون على الشجرة لموسم 2018، كانت قد سجّلت سعراً يتراوح مابين 9 و10 جنيهات للكيلو.