وانتهت بطولة الأمم الإفريقية.. فهل آن أوان المحاسبة؟
الإثنين، 22 يوليو 2019 11:16 ص
انتهت بطولة كأس الأمم الإفريقية الثانية والثلاثين، التي نظمتها مصر في الفترة من 21 يونيو إلى 19 يوليو. تنظيم البطولة كان في غاية الروعة والجمال، وكان حديث العالم؛ قياسًا بالفترة الزمنية القصيرة التي نُظِمت فيها.. مصر حققت مكاسب جمة من وراء التنظيم الرائع، وكسبت إشادة الفرق وجماهيرها بحفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة المصري، لكنها خسرت منتخبًا هو الأسوأ أداءً، وسلوكًا، وانضباطًا، كما رأى نقاد رياضيون كثيرون.
منتخبنا خرج خروجًا مهينًا من دور السادس عشر. وسبق هذا الخروج سلسة من الإخفاقات ووقائع يندى لها الجبين؛ حتى صارت «فضيحتنا بجلاجل، وجرستنا بحناجل»، والتي على إثرها، أُجبر عدد كبير من أعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم، على تقديم استقالاتهم، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد، هاني أبو ريدة، والأعضاء أحمد شوبير، ومجدي عبد الغني، وحازم إمام، وسيف زاهر!
في أعقاب الاستقالات الجماعية لأعضاء اتحاد الكرة، تعالت الأصوات المطالبة بمحاسبة ومحاكمة مَن يثبت تورطه في قضايا فساد، وكان سببًا مباشرًا، وغير مباشر في ظهور منتخبنا بهذا الشكل الفاضح. المواقع الإلكترونية انتعشت بأخبار وتصريحات تتوعد الفاسدين.. الحرب على فساد الجبلاية تصدرت عناوين الصحف.. البرامج الرياضية وكثير من برامج التوك شو أفردت مساحات واسعة؛ لتغطيات الجوانب المتعددة للحدث الجلل.. مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت، وهلل الكثيرون بإعلان الحرب على الفساد الرياضي.
وبينما كان الحالمون يحتفلون بإظهار الدولة «عينيها الحمرا» للفاسدين، والمنحرفين، والمتجاوزين، والمقصرين، والمهملين.. كان بعض المتشائمين، أو «المجربين» يرون أن هذه الحفاوة- المبالغ فيها- سوف تنتهي إلى لا شيء، وأن أحدًا لن يعاقب، وأعضاء اتحاد الجبلاية لن يُحاكموا، وسيخرج علينا مَن يقول: «عفا الله عما سلف»، و«إدوهم فرصة عاشرة»؛ حتى نرى «ريما» تحتفل بعادتها القديمة!
وللأسف.. الأمور الآن- خاصة بعد ختام البطولة- تسير في صالح الطرف المتشائم، الذي يرى أن دولة الفاسدين أقوى من مؤسسات وأجهزة الدولة نفسها.. وأن لا وجه للمقارنة بين مجهودات ودعوات الرئيس عبدالفتاح السيسي لمكافحة الفساد، وبين جهود الحكومة والمسؤولين في اقتلاع الفساد الفساد من جذوره، أو تحجيمه، والحد منه.. نعم معظم المسؤولين ليسوا جادين في مكافحة الفساد، بل ويتعاملون معه وكأنه «أمر واقع»، ولا داعي لمحاربته؛ طالما أن الناس يتعايشون معه!
لعلنا نتذكر «الفضيحة الكبرى» التي عُرفت إعلاميًا بـ«صفر المونديال» عام 2004، عندما تقدمت مصر بملف تنظيم كأس العالم 2010، والذي فازت به جنوب أفريقيا. هذا اليوم لا يزال راسخًا بكل تفاصيله المؤلمة في عقول المصريين، الذين صدمهم خروج مصر «المهين» من المنافسة، على الرغم من الحملة الدعائية الضخمة التي سَوَّق لها- حينذاك- الحزب الوطني الحاكم.
يومها، هاجت الدنيا وماجت.. وانتفضت وسائل الإعلام انتفاضة كانت كفيلة بتحريك لسان «أبو الهول».. ووصل الأمر ذروته بمطالبة أعضاء بمجلس الشعب بمحاسبة اللجنة المشرفة على ملف التنظيم، ومحاسبة كل مَن شارك في إعداد وتجهيز وتنفيذ وإنتاج وإخراج هذا الصفر.. لكن النتيجة صبَّت في صالح أصحاب الصفر الكبير؛ فلا أحد تعرض للمساءلة، وكان المبرر جاهزًا، «مصر تعرضت لمؤامرة»!
وفي العام 2015، توقعنا محاسبة أعضاء اتحاد الكرة، وجميع المتسببين في «المهازل» التي لاحقت بعثة منتخبنا الوطني، خلال سفره إلى الإمارات؛ لخوض مباراة ودية أمام منتخب السنغال «الأوليمبي»، قبل إلغائها، بعد اكتشاف الحقيقة المؤلمة، أن منتخبنا الأول سيخوض مباراة أمام ناشئي السنغال!
أما «أم الفضائح»- كما نشرها الزميل «إيهاب الفولي» في «المصري اليوم»- فهي سفر 3 أصدقاء لأحد أعضاء الجبلاية، مع البعثة الرسمية للمنتخب، بصفتهم أعضاء مجلس إدارة، وتكفل الاتحاد الإماراتي بهم خلال تواجدهم في دبي؛ اعتمادًا على صفتهم الرسمية في التأشيرات..
هذه الفضائح كانت كفيلة بالإطاحة بمجلس الجبلاية بالكامل، ومحاسبة المتسببين في كل هذه الكوارث.. لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، وظل الفساد الجميل يرفل في نعيم الجبلاية، وظل الفاسدون ينعمون بفسادهم، حتى رأينا بأم أعيننا مشاهد الخزي والعار في البطولة الإفريقية، التي عكر صفوها عصابة من أعضاء الاتحاد، ولاعبين، وجهاز فني لا يعرفون قيمة مصر، ولا يصلحون لتمثيلها.. فهل سيحاسبون ويحاكمون، أم سيتركون لالتقاط أنفاسهم؛ ليستعدوا لفساد جديد؟
الآمال معقودة على محاسبة المقصرين، وهناك مؤشرات تدل على ذلك.. لكن الواقع والتجارب السابقة تقول إن الفاسدين محصنون، وأن فسادهم بالقانون، وهناك مَن يحميهم، ويوفر لهم ملاذات آمنة لفسادهم، الأمر الذي يفقد معه كثيرون الأمل بأي فرصة لمحاسبتهم.
إن انتصارنا في الحرب ضد الفساد والفاسدين يتطلب شفافية تامة في إدارة هذا الملف الخطير، بعيدًا عن التسويف، والتأجيل، والمماطلة، وتشكيل لجان تقصي حقائق، بمفهومها السيئ، وبعيدًا عن المسرحيات الهابطة التي لم تعد تنطلي على الشعب، ولا تتفق مع دعوات ومجهودات الرئيس السيسي في مكافحة الفساد بشتى صوره، وفي المجالات كافة.