وهل الشعب سيأكل «كباري وأنفاق»؟!
الثلاثاء، 21 مايو 2019 09:22 ص
«الشعب مش هياكل محاور وطرق وأنفاق.. الشعب هيستفيد إيه من العاصمة الإدارية الجديدة.. الشعب الفقير هيعمل بأكبر مسجد وكنيسة، وأطول برج.. وهنستفيد إيه من دخول أعرض كوبري ملجم موسوعة الأرقام القياسية.. مش الأحسن الفلوس دي تدخل جيوب الفقراء، أو نهتم ببناء الإنسان وتطويره الأول وبعدين نستثمر في الحجر؟».
على مدار الأيام الماضية، انتشرت تلك النغمة، وأثارت جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلتها جماهير السوشيال ميديا لإخراج ما يضمرونه في أنفسهم لشخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدلًا من الانتقاد الموضوعي لمشروعات نختلف أو نتفق بشأنها.
نعم، الانتقاد لشخص السيسي وليس لمشروعات البنية التحتية، وكثير من المعارضين لهذه المشروعات، والمعترضين على إقامتها، يتخذون منها ستارًا للنيل من الرئيس، والتقليل من أي إنجاز يحسب له، ويضاف إلى رصيده.
فمنذ تدشين العاصمة الإدارية الحديدة، وما أتبعها من افتتاح مشروعات تنموية وبنية تحتية، من شبكات للطرق، وأنفاق قناة السويس، ومحاور جديدة آخرها محور وكوبري روض الفرج، وهناك حالة من الشد والجذب بين مؤيدي ومعارضي هذه المشروعات.. كل منهم يتهم الطرف الآخر باتهامهات لا تصح، وتخرجهم من دائرة المناقشة الموضوعية إلى دائرة السباب والشتائم.
بعض المؤيدين للرئيس السيسي لا يكتفون بالاحتفال الموضوعي بهذه الإنجازات، فرأيناهم يبالغون في الحفاوة والاحتفاء، ويحملون هذه المشروعات أكثر مما تحتمل.. بل وجدناهم يهاجمون المعارضين، ويتهمونهم بالعمالة والخيانة، وانعدام الوطنية.. مع أن الحقيقة التي لا إنكار لها، أن كل معارض ليس بالضرورة أن يكون منعدم الوطنية، وليس خائنًا، وليس عميلًا لجهات أجنبية.
أما الإخوان الإرهابيون، ومَنْ على شاكلتهم، فسخروا إعلامهم لعزف ألحان جنائزية على هذه المشروعات، وراحوا يسفهون منها، ويغازلون المصريين بنغمة أيهما أولى «الحجر أم الإنسان»؟ وأليس من الأولى توجيه المليارات التي أنفقت على هذه المشروعات للفقراء، أو لتطوير قطاعي الصحة والتعليم؟ ثم اتهام الرئيس السيسي بأنه يسعى إلى مجد شخصي على حساب المعدمين، ومن ثم راحوا يحرضون المصريين عليه.
وللأسف، وجد الإخوان الهاربون مَنْ يتبنى خطابهم التحريضي في الداخل، فوجدنا بعض المصريين يشككون في جدوى هذه المشروعات، ويسخرون منها، دون سند موضوعي، أو نظرة مقبولة؛ خالطين بين معارضتهم للسيسي، أو كراهيتهم له، وبين حكمهم على الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع..
لقد رأينا هؤلاء الإخوان ودراويشهم، وبعض المحسوبين على المعارضة، وهم يهللون ويكبرون للرئيس المعزول محمد مرسي وهو يفتتح «كشك سجاير فرط»، ويرفعونه إلى مصاف الأنبياء، بل أعلى منهم درجة، لأنه صلى بهم إمامًا، كما ادعوا- كذبًا وبهتانًا- على منصة رابعة العدوية!
هنا تتضح النوايا، ويتأكد لنا أن معارضة الإخوان ومواليهم ليست لوجه الله، وليست لصالح الوطن، بل تصفية حسابات، وانتقام من الرئيس السيسي الذي كان سببًا في إقصاء جماعتهم الإرهابية من الحكم؛ استجابة للإرادة الشعبية في 30 يونيو 2013.
الحقيقة التي ينبغي على الجميع معرفتها، والتعامل على أساسها، أن الاستثمار في البنية الأساسية ضرورة ملحة، وليست رفاهية، كما يعتقد البعض، وخاصة المختلفين مع النظام الحالي.. قد تختلف الأولويات في الترتيب، لكن لا خلاف على أهمية هذه المشروعات التي تخدمنا جميعا، ولن يأخذها السيسي معه، حين يغادر منصبه.
صحيح، الشعب لن يأكل «طرق وكباري وأنفاق»، لكن المؤكد أنه سيأكل من ثمار الاستثمار الناجمة عنها، وما يدخل إلى خزينة الدولة من عوائد هذه المشروعات، ليعاد توجيهها والإنفاق من عوائدها على مشروعات تنموية أخرى تصب في صالح جموع المصريين، وليست في مصلحة السيسي فقط، أو نظام سياسي بعينه.
فإذا كنت متشككًا فيما أقول، فاسأل نفسك: هل شبكة الطرق الجديدة، وأنفاق قناة السويس تخدم فئة بعينها، أم تخدمنا وتوفر الوقت لنا جميعًا؟ هل محور روض الفرج- الذي سيمتد إلى مدينة الضبعة، وسيقلص زمن الوصول إليها إلى نحو ساعتين ونصف الساعة، بدلًا من سبع ساعات- سيخدم السيسي ونظامه فقط، أم سيساعد في تعمير الصحراء، وتوطين ملايين المصريين في محافظة مطروح؟
حقيقة لا أدرى منطق النائحين والمعترضين على الرسوم المقررة لاستخدام المحاور الجديدة.. فما أقدمت عليه الدولة ليس بدعة، ومعمول به في دول عربية وأجنبية.. ثم هل الدولة أغلقت الطرق القديمة، ومنعتكم من استخدامها، وأجبرتكم على استخدام الجديدة؟ هؤلاء يعترضون على دفع رسوم تؤول إلى خزينة الدولة، من عائد استخدام طريق سيوفر لهم الوقت والجهد والوقود، بينما يدفعون أكثر من قيمة هذه الرسوم لـ«سايس» في الشارع، دون وجه حق.. وهم أنفسهم الذين يدفعون لسائقي «التكاتك» عشرة جنيهات في «مشوار» لا يزيد على ثلاثة كيلومترات، بينما يعترضون على زيادة تذاكر المترو، والقطارات، ومركبات النقل العام.
اختصارًا.. لا يمنعنك خلافك مع شخص، أو اختلافك مع فريق، أو معارضتك لنظام، أن تبخسه حقه من الإشادة والثناء عليه، أو أن تصمت، وهذا أضعف الإيمان.. أما احتقار أي شيء، حتى ولو كان في صالح الجميع، فلا يسمى معارضة، بل أشياء أخرى يفعلها الذين تأخذهم العزة بالإثم.