قضاة الأمة.. العز بن عبدالسلام: ابن الفقراء الذي باع الأمراء في السوق
الثلاثاء، 07 مايو 2019 07:00 م
قاضى قضاة عصره، العز بن عبد السلام، الملقب بـ «عز الدين» و«سلطان العلماء» و«بائع الملوك»، مغربي الأصل حيث ولد في دمشق في سوريا عام 577 هـ، وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه، وقد نشأ في دمشق في كنف أسرة متدينة فقيرة مغمورة، وابتدأ العلم في سنّ متأخرة نسبياً.
النشأة
عاش فى الفترة من خمسينيات القرن السادس الهجرى إلى ستينيات القرن السابع، إذ ولد بدمشق عام577 هــ وقيل 578، وعاش بها حتى هاجر إلى مصر عام639 هـــ وبها توفى عام660 هـــ.
برز العز بن عبدالسلام، في زمن الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في آخر عهدها، وكان أبرز نشاطه هو دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب على الغزاة، خصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك.
العز والدولة الإيوبية
من مواقف العز بن عبد السلام الشهيرة والتي اصطدم فيها مع الصالح أيوب نفسه، أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة والإمارة والمناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك، ولذلك فهم في حكم الرقيق والعبيد، ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار، فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبيد.
فتوى صادمة للمماليك
فى تلك الأثناء، اشتعلت مصر بغضب الأمراء الذين يتحكمون في كل المناصب الرفيعة، حتى كان نائب السلطان مباشرة من المماليك، وجاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام، وحاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى، ثم حاولوا تهديده، ولكنه رفض كل هذا مع إنه قد جاء مصر بعد اضطهاد شديد في دمشق، ولكنه لا يجد في حياته بديلاً عن كلمة الحق، فرفع الأمر إلى الصالح أيوب، فاستغرب من كلام الشيخ، ورفضه، وقال إن هذا الأمر ليس من الشئون المسموح بالكلام فيها.
العز يخلع نفسه
وبالفعل وجد الشيخ العز بن عبد السلام أن كلامه لا يسمع، فخلع نفسه من منصبه في القضاء، فهو لا يرضى أن يكون صورة مُفتٍ، وهو يعلم أن الله عز وجل سائله عن سكوته كما سيسأله عن كلامه، ومن هنا قرر العالم الورع أن يعزل نفسه من المنصب الرفيع، ومضحياً بالوضع الإجتماعي وبالمال وبالأمان بل وبكل الدنيا.
وركب الشيخ العز بن عبد السلام حماره، وأخذ أهله على حمار آخر، وببساطة قرر الخروج من القاهرة بالكلية، والاتجاه إلى إحدى القرى لينعزل فيها إذا كان لا يُسمع لفتواه، ولكن شعب مصر المقدّر لقيمة العلماء رفض ذلك الأمر، فماذا حدث؟
لقد خرج خلف الشيخ العالم الآلاف من علماء مصر ومن صالحيها وتجارها ورجالها، بل خرج النساء والصبيان خلف الشيخ تأييداً له، وإنكاراً على مخالفيه.
الملك يسترضى العز
ووصلت الأخبار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب فأسرع بنفسه خلف الشيخ العز بن عبد السلام واسترضاه، فما قبل إلا أن تنفذ فتواه، وقال له إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلابد أن يباعوا أولاً، ثم يعتقهم الذي يشتريهم، ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين فلابد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين.
وبالفعل وافق الملك الصالح أيوب، وتولى الشيخ العزّ بن عبد السلام بنفسه عملية بيع الأمراء حتى لا يحدث نوع من التلاعب، وبدأ يعرض الأمراء واحداً بعد الآخر في مزاد، ويغالي في ثمنهم، ودخل الشعب في المزاد، حتى إذا ارتفع السعر جداً، دفعه الملك الصالح نجم الدين أيوب من ماله الخاص واشترى الأمير، ثم يعتقه بعد ذلك، ووضع المال في بيت مال المسلمين، وهكذا بيع كل الأمراء الذين يتولون أمور الوزارة والإمارة والجيش وغيرها، ومن يومها والشيخ العز بن عبد السلام يعرف بـ «بائع الأمراء».
وفاته:
بعد عمر مديد حافل بالتضحيات والجهاد فى سبيل نصرة الإسلام وخدمة الدين والعلم والأمة الإسلامية، وحماية حقوقها وتقاليدها من المضللين والمبتدعين أغمض الشيخ العز بن عبد السلام عيناه وقد انتهت حياته الدنيا، وكانت وفاة الشيخ فى العاشر من جمادى «11» سنة660هـ، ودفن فى الغد بسفح المقطم.
ودعه شعب مصر بإكبار وإجلال، وسار فى جنازته سلطان مصر والشام الظاهر بيبرس وحمل نعشه وصلى عليه وحضر دفنه، وقد ألف الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأكثر من التأليف وأتقن وأجاد.