يثير الجدل بين قضاة المحاكم.. مدى قانونية «الوعد بالتعاقد» بين الطرفين عند البيع والشراء
الإثنين، 15 أبريل 2019 07:00 م
معلوم من الناحية القانونية والتشريعية أن الشخص يتمتع بحريته في الخضوع لأي التزام تعاقدي، لكن عند قبوله الدخول في التزام معين، فإنه سيخضع له طيلة مدة نفاذه، طالما أن محل الالتزام لا يتعارض مع الآداب العامة أو الأخلاق الحميدة، لكن قد يسبق مرحلة التعاقد النهائي مرحلة تمهيدية تؤدى على وجه محقق أو غير محقق إلى المرحلة النهائية.
ومن هذا المنطلق تعد المرحلة السابقة على إبرام العقد النهائي، من أهم مراحل هذا الأخير، وأخطرها على الإطلاق، لما تحتويه من تحديد لأهم ومعظم التزامات وحقوق طرفي العقد، وبما ينشأ عنها من مشاكل قانونية عديدة، سواء فيما يتعلق بالإخلال بالالتزامات السابق تحديدها في هذه المرحلة، أو ما يتعلق منها بنطاق ونوع المسؤولية المدنية التي تنشأ على الطرف المتسبب في عدم بلوغ إلى الغاية من المفاوضات، وهي إبرام العقد النهائي.
«صوت الأمة» رصدت فى التقرير التالى أبرز صور هذه المرحلة التمهيدية، هناك الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي والعربون، وسنقتصر فى هذا التقرير على صورتين فقط ويتعلق الأمر بالوعد بالتعاقد حيث تتجلى أهمية الموضوع، في كون هذه المراحل السابقة عن التعاقد تمنح للطرفين فرصة التعرف على الالتزامات المتبادلة وتساعد على معرفة مدى قدرة الطرف الآخر على إبرام العقد النهائي كما تمنحه فرصة الاستعداد والتحضير لبعض الإجراءات التي يتطلبها إبرام العقد النهائي، كما أن هذه المراحل تساعد القضاء على تفسير العقد المستقبلي – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض رجب السيد قاسم.
الموضوع قيد الدراسة يثير عدة إشكالات على رأسها نوع المسؤولية التي تترتب على الإخلال بأصول المفاوضات، هذا بالإضافة إلى الإشكال المتعلق بالأساس القانوني الذي تستند عليه هذه المرحلة، كما يثار إشكال بالنسبة للقدرة على التراجع والمسؤولية التي تترتب عن الإخلال بالاتفاق.
طبيعة الوعد بالتعاقد :
الوعد بالتعاقد كما ورد بمؤلف الدكتور سعيد السيد قنديل، استاذ ورئيس قسم القانون المدني من الموضوعات المثيرة للجدل ليس بين فقهاء القانون المدني فحسب، وإنما بين قضاة المحاكم المدنية العليا وقد بدأ ذلك الجدل بأبسط صور العقد الملزم لجانب واحد وامتد ليشمل كافة المتشابه معه سواء في مرحلة ما قبل العقد أو حتي في مرحلة العقد النهائي – وفقا لـ«قاسم».
الوعد بالعقد له خصوصية تميزه عن غيره من الإتفاقيات حيث أنه عقدا يخضع للأحكام العامة للعقود المدنية شأنه شأن غيره من العقود، وذلك بالنسبة لأركان العقد وشروطه وصحته، ولكنه يختلف عنها من حيث اعتباره عقدا، ومن هنا فإن الوعد هو إتفاق بين شخصين يعد بمقتضاه أحدهما الآخر بإبرام عقد معين خلال مدة معينة، ويقبل الطرف الآخر هذا الوعد مرجئاً اتخاذ قراره بالإرتباط بهذا العقد أو رفضه إلى وقت لاحق .
هذا هو الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد، فهو عقد، لأنه يقوم على إيجاب وقبول بين الواعد والمستفيد من هذا الوعد، وبدون هذا القبول نكون بصدد إيجاب فقط لا عقد، وهو عقد ملزم لجانب واحد، هو الواعد، وأهم صور الوعد الملزم لجانب واحد، هو الوعد بالبيع، كالوعد الذي يوجهه مالك العقار إلى شخص – الكلام لـ«قاسم».
«المستفيد» بأن يبيع له العقار بثمن معين إذا رغب في شرائه خلال مدة محددة، ومثله أيضاً زبون المصرف الذي يتحصل على وعد بقرض من مصرفه في حدود مبلغ معين إذا احتاج إلى هذا القرض، أو الشركة في طور النمو تتوقع توسعاً في أعمالها فتحصل على وعد بيع العقارات المجاورة إذا رغبت في شرائها خلال مدة معينة بثمن محدد، ومن الملاحظ أن الوعد الملزم لجانب واحد قد يتخذ طابعاً تبادلياً، إذ كثيراً ما يقترن الوعد الملزم لجانب واحد بشرط التعويض عن الانتظار أو التجميد، وهو مبلغ مالي يدفعه الموعود له إذا رفض إبرام العقد النهائي، تعويضاً للواعد عن عدم إمكان التصرف خلال مدة الوعد – طبقا لـ«قاسم».
هذا المبلغ الذي يتعهد المستفيد بدفعه إذا لم يبرم العقد النهائي يسبغ على الوعد الملزم لجانب واحد طابعاً تبادلياً، لأنه يرتب التزامات على عاتق كل من المتعاقدين، ومع هذا يبقى الوعد وعداً ملزماً لجانب واحد إذا كان مبلغ التعويض صغيراً بالنسبة للشيء محل التعاقد ومدة الوعد، لأن هذا العقد تبادلي لا يحتوي في حقيقته إلا على وعد ملزم لجانب واحد: الواعد وحده يلتزم بإبرام العقد النهائي، أما الموعود له فيبقى حراً في إبرام العقد أو رفض الوعد .
وعلى العكس الوعد يصبح ملزما للجانبين إذا كان مبلغ التعويض كبيراً بحيث يعدم حرية الموعود له في الخيار بين إبرام العقد أو رفضه، بمعنى آخر التعويض عن الانتظار يجعل الوعد ملزم لجانب واحد وعدا ملوماً للجانبين إذا كان هناك تقارب في القيمة بين هذا التعويض والالتزام الموعود به .
نجد هذه الصورة في بعض العقود كأن يعد ملك لشيء شخصاً بأن يبيع له هذا الشيء إذا رغب ويعد هذا الأخير بشرائه إذا رغب البائع في ذلك خلال مدة معينة، فيصبح كل منهما واعدا بالتعاقد إذا رغب الطرف الآخر>
شروط الوعد بالتعاقد :-
حددت المادة 101 مدني هذه الشروط هي :
الشرط الأول: تعيين كافة المسائل الجوهرية للعقد الموعود بإبرامه، فالوعد بالنسبة للواعد هو إلتزام نهائي بالعقد الموعود به، ولهذا يجب أن ينصب وعده على تصور كاف لهذا العقد، ففي الوعد بالبيع يجب تعيين الشيء المبيع والثمن، وفي الإيجار يجب تحديد العين المؤجرة والأجرة ومدة الإيجار.
الشرط الثاني: تحديد مدة للوعد يلتزم فيها الواعد بوعده ويلتزم المستفيد بممارسة خياره بين إجراء العقد أو رفضه، ويترتب على تخلف هذا الشرط بطلان الوعد، هذا الأجل قد يكون صريحاً وقد يستفاد ضمنياً من الظروف، كأن ينصب الوعد على منح منشأة صناعية جناحاً في معرض يفتتح بعد شهرين - أجل الوعد هنا هو المدة الباقية على افتتاح المعرض - أو إذا حصلت على وعد من الخطوط الجوية بأن تحجز لك مكاناً للسفر إلى الحج، ومدة الوعد تستفاد من المدة المتبقية على بدء موسم الحج.
الشرط الثالث: أن يتم الوعد في نفس الشكل الذي يستلزمه القانون لإجراء العقد النهائي، فإذا كان العقد الموعود بإبرامه شكلياً كالهبة أو الرهن الرسمي فيجب أن يتم الوعد في نفس الشكل وإلا وقع باطلاً، فإذا أبرم وعد برهن رسمي في ورقة عرفية كان الوعد باطلاً لأنه لم يتم في ورقة رسمية فلا يجبر الواعد على إجرائه في الشكل المطلوب ولا يقوم حكم القاضي مقام الشكلية، إذ لو جاز ذلك لتمكن المتعاقدان من التحايل على الشكل الذي يفرضه القانون .
الشرط الرابع: يجب في الوعد الملزم لجانب واحد أن يتوافر في الواعد وقت الوعد الأهلية اللازمة لإبرام العقد النهائي، وتقدر عيوب الإرادة بالنسبة له في هذا الوقت، أما المستفيد فتكفي أهلية التمييز وقت الوعد، أما في الوعد الملزم لجانبين يجب توافر أهلية إبرام العقد النهائي عند المتعاقدين وقت إبرام الوعد.
آثار الوعد بالتعاقد
إذ تم الوعد بالتعاقد ترتب عليه آثار معينة يجب أن تفرق في شأنها بين مرحلتين الأولى قبل إظهار الموعود له لرغبته في إبرام العقد النهائي والثانية بعد إظهار هذه الرغبة، فقبل أن يظهر الموعود له رغبته في التعاقد النهائي، لا ينشيء الوعد إلا التزاما على عاتق الواعد بأبرام العقد الموعود به وهذا يقتضي ألا يقوم بأي عمل من شأنه أن يحول دون إبرام العقد النهائي .
فإذا أظهر الموعود له رغبته في إبرام العقد الموعود به خلال المدة المحددة العقد العقد النهائي من هذا الوقت دون حاجة إلى رضاء جديد من الواعد وأصبح كل من طرفيه ملتزماً بما يرتبه هذا العقد من آثار، وإذا امتنع الواعد عن تنفيذ ما يرتبه العقد من التزامات كان للطرف الأخر أن يلجأ إلى القضاء فيصدر القاضي حكمه بإلزام الممتنع بتنفيذه التزامه.