البقاء للأقوى.. صراع شرس بين «المحاصيل» يحسمه بنجر السكر
الإثنين، 01 أبريل 2019 09:00 صكتب ــ محمد أبوالنور
يعيش محصول القمح هذه الأيام، حربا ضروسا وصِراعات و أزمات طاحنة، غير متكافئة في الأسلحة والعُدّة والعِتاد، أولها إصابة المحصول بالصدأ الأصفر هذا الموسِم، وهو ما سوف يترك آثاره السلبية على الإنتاجية، رضينا بذلك أم لم نرض، وقد قدّرت مصادر زراعية هذه الخسارة بإنتاجية حوالى 300 ألف فدان.
أمّا الأزمة الثانية، فهي قضية حياة أو موت بالنسبة لمحصول القمح، ولقطاع التقاوي بوزارة الزراعة عموما، وتتمثّل في الدعم غير المحدود وغير المشروع للمحصول المنافس لزراعة الذهب الأصفر، وهو بنجر السكر، في حين أنّ زراعة القمح لم تتلق أي دعم من الحكومة.
ولأن القمح محصولٌ استراتيجي وهو محصول الدولة والبلد، وهو محصول الغِذاء الأهم والأشهر في العالم، وفي مصر هو العمود الرئيسي لصناعة رغيف الخبز، لأكثر من 100 مليون من المصريين، فهو محصول الغلابة، وكما يقول المثل الشعبي: «فإنّ زمّار الحي لا يُطرب»، بينما المحصول المنافس، وهو محصول بنجر السكر، محصول الاستثمارات ورجال الأعمال، والدعم والتصدير وتحويل العُملة الصعبة لخارج البلاد، فهو المحصول الـ «على الحِجر».
حصاد القمح
ويكفي أن نعلم أن إحدى الشركات صاحبة الاستثمارات العربية في مصر، رصدت لبنجر السكر وزراعته ومصانعه 100 مليون دولار، وهو مايساوي بأسعار صرف العُملة، الأن أكثر من مليار و 725 مليون جنيهاً مصرياً، في الوقت الذي يعاني فيه مزارعو القمح، من الخلافات والمناقشات والخناقات مع الحكومة، على تحديد سعر توريد أردب القمح، الذي حسمه الدكتور على المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية منذ أيام.
وأكد المصيلحي، أن الحكومة حددت سعر الأردب بـ 685 جنيهاً، لدرجة نقاوة 23,5 ثم 670 لدرجة نقاوة 23، أمّا درجة النقاوة 22,5 فسعر الأردب 655 جنيهاً، ويبدأ موسم التوريد في 15 إبريل الحالى ببعض المحافظات، كما سيبدأ في مناطق أخرى بداية هذا الشهر.
حتى هذه اللحظة، تُعدّ مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، بكميات تصل لأكثر من 6 ملايين طن، وتبلغ فاتورة الاستيراد لهذه الكمية حالياً، وبأسعار العُملات اليوم حوالى 2 مليار و 818 مليون و 500 ألف دولار، وهو مايساوى 47 مليار و 914 مليون و 500 ألف جنيه، في حين أن فجوة السكر تقدّر بحوالى مليون طن سنوياً، ولدينا الإنتاج من قصب وبنجر السكر، كما أن الاحتياج للقمح مُقدّمٌ على توفير السكر، مهما كانت قيمته، التى لاتُقارن بالاحتياج لرغيف الخبز.
توريد بنجر السكر
من ناحيته، كشف الحاج حسين عبد الرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، عن معركة خفيّة تدور بين فريقين، أحدهما يرى ضرورة زراعة البنجر بدلاً من قصب السكر، وتحويل مصانع إنتاج السكر من القصب إلي البنجر، لعدة أسباب، أبرزها ترشيد استهلاك المياه، حيث يستهلك ري فدان القصب، نحو 9 آلاف متراً مكعباً من المياه، وتزرع مصر 350 ألف فدان تقريبا، بما يعني أن محصول القصب يستهلك تقريبا 3 مليار و150 ألف مترا مكعباً سنوياً، بينما يستهلك زراعة فدان البنجر حوالى 5 آلاف مترا مكعبا.
وتزرع مصر 600 ألف فدان بنجر سنويا، وهو مايعني أن البنجر يستهلك 3 مليار متراً مكعباً تقريباً، في الوقت الذي ينتج طن القصب 120 كيلو سكر، وينتج طن البنجر 160 كيلو سكر، فيما يتراوح متوسط إنتاج فدان القصب 40 طن قصب، بينما ينتج فدان البنجر 17طن بنجر، وقد وصلت إنتاجية مصر من السكر لحوالي مليون و200 ألف طن من القصب، ومن البنجر حوالي مليون و300 ألف طن، وتقدر الفجوة في مصر من السكر ما بين الإنتاج والاستهلاك بحوالي مليون طن سنويا.
وأضاف أبوصدام، أن الفريق الآخر يرى، أنه وعلى الرغم من تفوق البنجر على القصب، في كونه يصلح للزراعة في الأراضي الصحراوية، ويتحمّل الملوحة، ومدّة زراعته أقل من مدة زراعة القصب، بحوالي أربعة أشهر، ويوفر المياه ولا يسبب مشاكل في تسعيره، كون الفلاحين لا يزرعونه إلا بالتعاقد مع الشركات بسعر يُحدد مُسبقاً، إلاّ أن عقبات هذا التحول، تتمثل في الكُلفة المادية الباهظة، حيث أن تحويل مصنع واحد، لإنتاج السكر من البنجر بدلاً من القصب، تصل إلي 3 مليارات من الجنيهات.
زراعة القصب
وثانيا لا تنتج مصر بذور البنجر حتى الآن، وتستوردها من الخارج، لكون إنتاج بذور البنجر تحتاج مناخاً أوربياً، وهو ما يضع زراعة البنجر في يد دولٍ خارجية، وثالثاً أن القصب تقوم عليه أكثر من 20 صناعه أخرى، غير إنتاج السكر، مثل العسل الأسود والمولاس والورق والإيثانول والعلف إلخ، علاوة على فقد خبرات زراعية كبيرة، سواء كانوا مزارعين أو باحثين يزرعون ويهتمون بزراعة القصب، ولفت أبوصدام إلى أن مزراعي القصب رهن نتيجة المعركة وتنفيذ أفكار المنتصر.
وأشار الحاج حسين، إلى أنه وعلى الرغم من أن التفكير في تغيير التركيبة المحصولية في مصر للصالح العام أمر محمود، بشرط دراسة أي قرار من جميع الزوايا، واتخاذ أفضل القرارات، إلاّ أن مصير زراعة المحاصيل الأساسية، لا ينبغي أن يكون محل تجربة أو اختبار دون حسابات دقيقة، لأن أي قرار خاطئ قد تدفع ثمنه أجيال وأجيال.