ليبيا تستدعي روسيا وموسكو مترددة
الأربعاء، 08 أغسطس 2018 10:48 م
بعد التجربة الروسية في سوريا باتت روسيا هي الأمل لدى الكثيرين في مكافحة الإرهاب، بعد أن أثبتت قدراتها وكفاءتها في ذلك في سوريا، ليس فقط في مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة وغيرهما، ولكن أيضاً في قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية سواء من الغرب وواشنطن أو من القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر وغيرهما، بحيث باتت روسيا هي اللاعب الرئيسي على الساحة السورية.
الآن هناك ساحة أخرى مشتعلة وقابلة للاشتعال أكثر، وهي ليبيا، حيث الجماعات الإرهابية منتشرة في مناطق عديدة من الدولة، وكذلك هناك الصراعات الدولية المستمرة والمتداخلة في ليبيا، خاصة من الأوروبيين وعلى رأسهم إيطاليا وفرنسا، ورغم عدم وجود أي دور ملحوظ لروسيا على الساحة الليبية إلا أن روسيا مرشحة لدخول هذه الساحة وبقوة، خاصة وأن الجهات الأقوى في ليبيا على علاقات وطيدة مع موسكو، كما أن الجيش الليبي معظم تسليحه روسي سوفييتي.
ومع التصاعد في الأحداث اعتبر المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري أن حل الأزمة في ليبيا يتطلب تدخل روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين شخصيا، للمساعدة في إبعاد اللاعبين الخارجيين عن الساحة الليبية.
وقال المسماري في حوار مع وكالة "نوفوستي" الأربعاء 8 أغسطس: "الأزمة الليبية بحاجة إلى تدخل من قبل روسيا والرئيس بوتين شخصيا، وإبعاد لاعبين أجانب عن الساحة الليبية، كتركيا وقطر وتحديدا إيطاليا. على الدبلوماسية الروسية أن تلعب دورا مهما في هذا الشأن".
وفي وقت سابق اتهم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والبرلمان الليبي في طبرق قطر وتركيا والسودان بدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا.
وأكد المسماري أن ليبيا بحاجة للمساعدة الروسية على صعيد التصدي للتنظيمات المتطرفة المتعددة الناشطة في البلاد، وذلك لأسباب منها أن معظم ما يتوفر لدى الجيش من الأسلحة سوفيتي وروسي الصنع، إضافة إلى أن روسيا تمتلك خبرة غنية في مكافحة الإرهاب.
وقال المسماري: "ليبيا تحتاج لروسيا أكثر فأكثر في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما وأننا نعلم أن روسيا تعتبر من أكثر البلدان فاعلية في مواجهة الإرهاب، وسوريا خير دليل على ذلك".
ومن المعروف أن المشير خليفة حفتر يقيم اتصالات وثيقة مع موسكو، وزار العاصمة الروسية أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين، ومجلس الأمن الروسي.
وفي أخر مباحثات أجريت في موسكو بين خليفة حفتر ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. تركز اهتمام الطرفين على المسائل المتعلقة بالبحث على السبل الكفيلة بتسوية الأزمة الليبية. وقال حفتر: "نحن لم نتحدث عن دور معين لروسيا في التسوية، ولكننا سنكون سعداء إذا ما ساعدتنا". أما لافروف فقال إن روسيا دعمت رغبة المشير في ضمان الاتفاق مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج. وكما كان متوقعا، طلب حفتر من القيادة الروسية المساعدة في الحصول على الأسلحة للجيش الوطني الليبي بالطبع، وصرح بأن "روسيا صديقتنا، وآمل أنها لن ترفض".
لكن من الواضح أن تزويد حفتر بالسلاح لن يكون عملية سهلة، حيث إن موسكو لن تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، وهذا ما أعلنه ممثلو روسيا مرارا. وإن كل ما تستطيع روسيا فعله هو طرح مسألة رفع الحصار عن توريد الأسلحة إلى ليبيا بعد الاتفاق مع بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، أو تدريب كوادر الجيش الوطني الليبي، ولا سيما أن المشير حفتر يُعدُّ بحق الرجل الأقوى في ليبيا حاليا، وهو بحاجة إلى شريك قوي قادر على دعمه، وخاصة أن علاقات جيدة تكونت بينه وبين روسيا. ومن مصلحة موسكو تعزيز مواقعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويرى الخبراء الاستراتيجيون الروس أن روسيا سوف ترتكب خطأ فادحا إذا لم تسعَ إلى تطوير نجاحاتها السياسية والعسكرية والمعنوية التي حققتها في سوريا، وخاصة أن الظروف السياسية الداخلية والخارجية في ليبيا تسمح بذلك.
زيارات المشير حفتر إلى العاصمة الروسية ولقاءاته مع المسؤولين، أصبحت من الأمور المعتادة وحتى التقليدية، في حين أن منافسه رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج زار موسكو مرتين فقط لم يثمرا عن نتائج ملموسة. والاثنان حفتر والسراج يهدفان من زياراتهما موسكو إلى الحصول على دعم سياسي، وهما السياسيان الرئيسان المتنافسان في ليبيا. بيد أن أخر زيارة للمشير حفتر لموسكو جاءت على خلفية تفاقم الوضع في ليبيا بسبب طلب فايز السراج من إيطاليا إرسال سفنها الحربية إلى شواطئ ليبيا بحجة مكافحة الهجرة غير الشرعية، بينما المشير حفتر يرفض تماماً أي وجود عسكري من دول حلف الناتو في ليبيا، وهناك عقدة نفسية لدى الجيش الليبي والشعب الليبي عموماً تجاه حلف الناتو الذي دمر ليبيا وفتح أبوابها للإرهاب.
موسكو، من جانبها، لا تريد أن تدخل في مشاكل مع الأوروبيين في ليبيا، ولا تزال تنتهج مبدأ الوقوف على نفس المسافة من المتنافسين السياسيين، وتدعو إلى الحفاظ على وحدة ليبيا وتشكيل سلطة شمولية تضم كل الأطراف. هذا الموقف واضح ومفهوم ومبرر، لكن من المعروف أن حفتر مدعوم من مصر والإمارات وروسيا. ولكن الروس يخشون دخول بلدانا أخرى في الظروف الحالية وجذبهم للمشير حفتر، وعندها ستتغير الأوضاع، وقد تفقد موسكو المشير حفتر الذي يشكل قوة كبيرة على الساحة، وهو الباب الوحيد الذي ممكن أن تدخل روسيا عن طريقه إلى ليبيا.
عاجلا أم آجلا ستضطر موسكو إلى الاختيار. فإذا كان الحديث ممكنا في السابق عن الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي لمصلحة فايز السراج وتجاهل المشير حفتر، فإن الكثير قد تغير حاليا. والنجاحات العسكرية والسياسية التي حققها المشير وتوسع شعبيته وازدياد أنصاره خلال السنة الأخيرة كان نتيجة لعدم تحقيق حكومة الوفاق الوطني، صنيعة الدول الغربية والأمم المتحدة، أي نجاحات، وعدم ثقة الليبيين بها. وهذه المسألة جعلت أوروبا تفكر بإمكان تغيير اتجاه سياستها الخارجية والتوجه للتحالف مع حفتر.
روسيا تعلم أنه عند ظهور "أصدقاء" جدد لحفتر، سيحاولون إزاحة موسكو من الساحة الليبية رغم امتلاكها هناك مصالح شرعية، وتضررت بسبب سلوك الفرنسيين والإنجليز والأمريكيين، الذين دمروا ليبيا وقسموها إلى أجزاء. لذلك، يرى الروس أنه آن الأوان للتفكير جيدا: هل ستصبح روسيا في ظل هذا التطور للأوضاع ضحية حذرها ودقتها وانتظارها حسم الأمور من غيرها، أم ستتحرك وتتفاعل بجدية مع الأحداث وتسعى للدخول الفعلي في الساحة الليبية مثلما فعلت في سوريا؟
الكثيرون يرون أن روسيا تستطيع الدخول في ليبيا بسهولة أكثر من دخولها لسوريا، خاصة وأن دخولها لسوريا كان ومازال تحدياً لأمريكا، أما تدخلها في ليبيا فسيواجه بالأوربيين الذين هم منقسمين ومختلفين ومتصارعين فيما بينهما هناك في ليبيا.