الحرب الكبرى القادمة في سوريا
الجمعة، 04 مايو 2018 01:33 م
شكلت العمليات العسكرية والإنجازات التي حققتها القوات الروسية وقوات النظام السوري ضد الجماعات الإرهابية، قلقاً وهستيريا لدى الجهات اليمينية المحافظة في الغرب واشنطن التي تخشى تزايد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وكان إعلان موسكو، في أكتوبر 2016 عن إرسال منظومة (إس 300) إلى سوريا بمثابة صدمة لواشنطن، وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية(آنذاك) بيتر كوك بأن البنتاغون لا يفهم دوافع روسيا لإرسال صواريخ "إس-300" إلى سوريا، وبأن هذه المنظومات يمكنها التأثير على العمليات العسكرية للتحالف. بعد ذلك خرج المتحدث باسم البيت الأبيض ليعلن أن نشر صواريخ "إس-300" في سوريا يتعارض مع هدف مكافحة التطرف في سوريا الذي أعلنته روسيا، وانه لا يعلم بامتلاك داعش أو القاعدة طائرات هناك، وبدأت وسائل الإعلام المتنفذة في الولايات المتحدة تتحدث عمليا عن "إمكانية التدخل المباشر في النزاع السوري إلى جانب قوات المعارضة". وأن واشنطن تدرس بالفعل هذا الخيار، وتدرس خيار تنفيذ ضربات عسكرية محدودة ضد نظام الأسد.
الحرب العالمية
آنذاك بدأ الحديث عن احتمال الصدام المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، وظهرت العديد من المقالات والمواد الإعلامية تحمل عناوين حول "الحرب العالمية الثالثة" القادمة في سوريا، خاصة بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي في سبتمبر عام 2016، والذي ناقش الهجمات على حلب، وشهد مشادات كلامية بين ممثلا كل من روسيا والولايات المتحدة، وبدا بعد ذلك واضحاً أن واشنطن غير راضية عن إنجازات روسيا في سوريا، لدرجة أنهم كانوا في واشنطن يناقشون علناً إمكانية التدخل المباشر إلى جانب الجماعات التي تقاتل نظام بشار الأسد، واستمر هذا التصعيد ولم يتوقف، حتى بعد مجيء إدارة الرئيس دونالد ترامب التي لم تتردد في التدخل العسكري بقصف مطار الشعيرات السوري في أبريل عام 2017.
انتهت الحرب
رغم كل هذا أعلنت روسيا في سبتمبر الماضي إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا وسحب طائراتها من هناك، وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن تفرغ موسكو للعملية السياسية في سوريا، وتنفس الكثيرون الصعداء، فقد نجحت روسيا في قهر "داعش" والجماعات الإرهابية، وتحرير أكثر من 95% من أراضي سوريا من الإرهاب، ولم يحدث الصدام الذي توقعه البعض بين موسكو وواشنطن، وكاد بالفعل أن يختفي تماماً شبح ما أسماه البعض بـ"الحرب العالمية الثالثة"، خاصة بعد إقرار واشنطن بأنه قد تم القضاء على "داعش" في سوريا، وحتى ذهبت الإدارة الأمريكية تنسب هذا الإنجاز لنفسها، الأمر الذي أثار دهشة وسخرية الكثيرين.
العملية السياسية
وما كادت العملية السياسية تنطلق بنشاط من خلال جولات "أستانة" في كازاخستان، وجهود روسيا الكبيرة لاستدعاء كافة أطياف المعارضة السورية للمشاركة في المباحثات، ومع استجابة معظم فصائل ومنصات المعارضة والنظام السوري، بدا واضحاً أن موسكو باتت هي المهيمنة على العملية السياسية، وأنها هي التي توجهها، الأمر الذي أصاب واشنطن بقلق كبير على مستقبل النفوذ والتواجد الأمريكي، ليس في سوريا فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط كلها، خاصة بعد أن بدا أن موسكو قد طوت كل من تركيا وإيران تحت جناحيها، بعد أن أعطتهما أهميتهما كرعاة للعملية السياسية، وهذا ما زاد من انفعال وقلق واشنطن أكثر، فذهبت تعبث بالعملية السياسة لإفشالها، وهذا ما انعكس بوضوح في فشل الجولة الثامنة من المباحثات في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، وعودة بعض فصائل المعارضة لإثارة سؤال مصير الرئيس بشار الأسد، والمطالبة بعزله، وهو الأمر الذي كان قد تم حسمه بعدم مناقشته، وحتى واشنطن نفسها أبدت عدم اعتراضها على بقاء الأسد في الحكم، لكن فجأة انقلبت الأمور، فشلت جنيف، وذهبت موسكو تدعو لمباحثات في مدينة "سوتشي" الروسية، لكنها واجهت اعتراضات من بعض الفصائل، كما أعلنت واشنطن عن رفضها لمباحثات "سوتشي"، الأمر الذي جعل موسكو توجه الاتهام المباشر لواشنطن بسعيها لإفشال عملية التسوية السياسية في سوريا وتحريضها للمعارضة لترفض المشاركة فيها.
قوات جديدة
ورغم اعتراف واشنطن بأنه قد تم القضاء على تنظيم داعش في سوريا، ونسبت الانتصار عليه لنفسها، إلا أنها عادت لتقول أنها ستحارب "داعش" في سوريا، ومن أجل هذا أعلنت واشنطن بصفتها قائدة للتحالف الدولي ضد "داعش" عن تشكيل قوة أمنية جديدة لنشرها على الحدود السورية مع تركيا والعراق وشرقي نهر الفرات، وأن هذه القوة ستضم 30 ألف مقاتل وستخضع لقيادة "قوات سوريا الديمقراطية" التي يسيطر عليها الأكراد السوريين، وأعلنت واشنطن أنها ستقدم الدعم الكبير لهذه القوات، هكذا تعيد واشنطن الحرب من جديد في سوريا، ولكن في هذه المرة بجيش كبير ومعد بأحدث الأسلحة، والسؤال المطروح: "من أين ستأتي واشنطن بـ30 ألف مقاتل؟".
رد روسيا
روسيا التي تتهم الولايات المتحدة بحماية التنظيمات الإرهابية في سوريا، ترى أن واشنطن تخطط لإشعال حرب واسعة في سوريا، لن تكون بين الجيش السوري ومن معه والجماعات الإرهابية، بل ستدعى لها دول عربية بجيوشها تحت ضغوط أمريكية، وستضم جيوش دول أخرى، على رأسها تركيا التي لن تسمح بوجود الأكراد على حدودها، كما أن روسيا لن تترك النظام السوري يواجه الجيش الذي أعدته واشنطن وحده، وكذلك إيران لن تتواني في تقديم الدعم للنظام السوري وجيشه، وقد صرح رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي فلاديمير شامانوف أن تشكيل الولايات المتحدة "قوة أمنية حدودية" جديدة في سوريا يعارض مصالح روسيا، التي ستتخذ إجراءات الرد المناسب على ذلك، وقال شامانوف: "ممارسات الولايات المتحدة التي تدعي أنها تقود التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الروسية في سوريا".
الحرب الكبرى
ما تفعله واشنطن الآن في سوريا ينذر بحرب واسعة يصعب تحديد مداها من الآن، وربما تكون هي الحرب التي قيل عنها عام 2016 أثناء العمليات العسكرية الروسية في سوريا، وقيل أن واشنطن تعد لجر روسيا لهذه الحرب، وقد كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها تحت عنوان "الحرب الكبرى لم تبدأ بعد" تقول حول تطورات الأوضاع في سوريا، أن ما تتخذه واشنطن من إجراءات بتشكيل وحدات من نحو 30 ألف مقاتل بقيادة الأكراد في سوريا لن تتحمله تركيا، التي وصفت تلك القوات بأنها ستكون "جيش إرهابيين"، كما أن هذا سيثير غضب الرئيس السوري، بشار الأسد، ولن تسكت عنه روسيا التي تتهم واشنطن بالسعي لتقسيم سوريا. ونقلت "نيويورك تايمز" عن محللين وخبراء استراتيجيين قولهم إن تلك الإجراءات ستفجر "الحرب الكبرى" الحقيقية في سوريا، واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها ناقلة عن تصريحات عن مسؤولين استخباراتيين تأكيدهم أن إنشاء واشنطن تلك القوة، سيكون بمثابة "التفجير الحقيقي" للحرب الكبرى في سوريا، لأن الصراع في هذه المرة، سيكون واضحا، جيوش في مواجهة جيوش، وليست جيش في مواجهة فلول من تنظيمات إرهابية.
الحرب الكبرى قادمة في سوريا، وأطرافها متعددون، في مقدمتهم الولايات المتحدة ممثلة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة بشكل كامل وعلني من واشنطن، وروسيا بقواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، والتي لن تسمح بإضعاف نظام بشار الأسد ولا بتقسيم سوريا، وتركيا التي لن تسمح بوجود جيوب كردية مسلحة على حدودها مع سوريا، وإيران التي ستستمر في دعمها العسكري للنظام السوري، والجيش السوري الذي أصبح لديه الكثير من الخبرة بعد سبع سنوات من القتال، مع احتمال موافقة بعض الدول العربية، تحت ضغوط أمريكية، على المشاركة بجيوشها في هذه الحرب التي سيصعب على المجتمع الدولي الحيلولة دون اشتعالها، ويصعب من الآن تحديد مداها، لكنها بالقطع ستغير موازين القوى الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم كله.