النصب باسم الرئيس والرئاسة
الجمعة، 08 يونيو 2018 03:09 م
أواخر تسعينيات القرن الماضي، التحقتُ بالعمل في جريدة خاصة، من تلك الجرائد التي حصل صاحبها على رخصة «قبرصية». هذا الرجل لم يترك مسؤولًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا وادعى معرفته به، وكان يستدل على ذلك بالصور التي يزين بها مكتبه مع بعض الوزراء والمحافظين والمسؤولين.
تلك الصور كانت جواز مرور صاحب الجرنال لـ«النصب على طوب الأرض»، فادعى أن علاقات وطيدة تربطه بوزراء الدفاع والداخلية والبترول والكهرباء والاتصالات والأوقاف.. وأنه يستطيع أن يعين أي شخص في أي وزارة مقابل بضعة آلاف من الجنيهات.. لكن كانت نهايته خلف القضبان، بعد أن اكتشف ضحاياه أنهم وقعوا فريسة بين أنياب نصاب محترف، ومصاص دماء لا يشبع من أموال الغلابة.
أصابع اليد ليست متساوية كأسنان المشط، وكذا الناس؛ فمنهم الصالحون ومنهم الفاسدون؛ منهم المحترمون الملتزمون ومنهم دون ذلك؛ منهم مَنْ يحفظ لمؤسسة الرئاسة قدرها ومكانتها وقيمتها واحترامها، ومنهم- للأسف الشديد- مَنْ يهينها ويستغلها أسوأ استغلال؛ لتحقيق أهدافه وأحلامه وطموحاته غير المشروعة، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى «النصب على خلق الله»!
الفترة الماضية شهدت محاولات للزج باسم الرئيس السيسي، والرئاسة في وقائع نصب، منها تداول اسم «داليا التهامي» بصفتها مندوبة رئاسة الجمهورية، وحضورها فعاليات وندوات بهذه الصفة، قبل اكتشاف أمرها وإحالتها إلى النيابة، بعد الإبلاغ عنها وادعائها أنها موفدة من الرئاسة لمتابعة إنشاء وحدة محلية بإحدى قرى الغربية، وتحمل كارنيه سفيرة نوايا حسنة، وجواز سفر دبلوماسي منتهي في 1989.
رجال الأمن ألقوا القبض على «محمد مجدي»، الذي ادعى أنه مستشار الرئيس لشؤون الشباب، وتواصل مع حاملي الماجستير والدكتوراه، وعدهم بصدور قرارات بتعيينهم من الرئاسة، وهو ما لم يحدث. كما ألقي القبض على عاطل يدعى «صلاح الدين»، انتحل صفة ضابط بجهة سيادية، ومسؤول مهم برئاسة الجمهورية؛ لابتزاز المرشحين لمجلس النواب والاستيلاء على أموالهم.
جهاز الأمن الوطني كشف حقيقة المدعو السيد عبد الخالق الدويك، منتحل صفة مستشار رئيس الجمهورية الذي قدم واجب العزاء في وفاة الشيخ عمر عبد الرحمن بمسقط رأسه في الجمالية، وتبين أنه حاصل على دبلوم تجارة، وهارب من تنفيذ 35 حكما جنائيًا.
هيئة الرقابة الإدارية ضبطت شخصًا ادعى انتماءه لأسرة الرئيس السيسي، واستولى على 56 مليون جنيه من رجال أعمال، بزعم التبرع بها لصالح المشروعات القومية.
هارب من تنفيذ أحكام جنائية، وأمين شرطة مفصول استغلا اسم صندوق تحيا مصر ودعوات الرئيس لدعم الشباب وأسسا شركة وهمية، وجمعا أكثر من 10 ملايين جنيه من النصب على المواطنين، وبيعهما فيلات وشاليهات وأراضٍ وهمية بالفيوم ومرسي مطروح لضحاياهم.
حرم الرئيس السيسي نفسها لم تسلم من النصب باسمها، إذ ادعى نصاب أنه مدير بشركة بترول وأنه أحد أقارب زوجة الرئيس السيسي، وأوهم مدير شؤون العاملين بكلية أصول الدين بقدرته على تعيين نجليه بوزارة البترول مقابل 120 ألف جنيه.
نعم، هناك مَنْ ينصب باسم الرئيس. هناك مَنْ يتاجر بصورته مع الرئيس في مؤتمر، أو مناسبة عامة، أو سافر مع سيادته إلى الخارج لتغطية حدث ما. أنت نفسك ربما تكون قد صادفت صحفيًا حاول أن يوهمك أنه على صلة وثيقة بالرئيس، أو على اتصال مستمر بمؤسسة الرئاسة، وأن بإمكانه أن يفعل كذا وكذا، لمجرد أن الحظ ساقه لالتقاط صورة مع الرئيس أو شارك في ندوة أو مؤتمر حضره الرئيس!
أعرف زملاء غاية في الاحترام يعملون بمؤسسة الرئاسة، وعلى صلة وثيقة برجال القصر، ولم يتورطوا في نشر صورة لهم مع الرئيس؛ خشية التفسير الخاطئ. وفي المقابل أعرف أشخاصًا كانوا ينصبون باسم الرئيس، قبل أن تتقطع بهم السبل، ويتواروا إلى الظل، على أمل أن تسنح لهم الفرصة؛ ليعاودوا النصب من جديد!
في حفل إفطار الأسرة المصرية، الثلاثاء الماضي، وجه الرئيس السيسي رسالة تحذير لكل النصابين والمحتالين والمتاجرين باسم سيادته: «لا تقحموا اسمي في أي قضية»!
الرسالة كانت مختصرة مقتضبة، لكنها موحية ألفاظها، واضحة معانيها، وتختزل الكثير مما يجب أن تكون عليه الأمور؛ خاصة وأن بعض الذين يتلقون دعوات من مؤسسة الرئاسة لحضور أي مناسبة، أصبحوا يتاجرون بها، وبعضهم يستغلها لإرهاب الآخرين وابتزازهم للحصول على مكاسب شخصية.
«لست محملًا بفواتير لأحد». قالها واضحة قاطعة خلال ترشحه للفترة الرئاسية الأولى. وكانت تعليماته- منذ يومه الأول في قصر الرئاسة: «لا مزايا لأحد. لا وساطة لأحد. لا تعاملات مع أشخاص أو أي جهة بالدولة إلا من خلال مكاتبات رسمية. أي شخص في مؤسسة الرئاسة سوف يُستبعد من منصبه حال استخدام سلطاته أو صلاحياته في مجاملات أو مكاسب شخصية. أي مواطن سوف ينصب على غيره منتحلًا صفة أحد العاملين بالرئاسة ستُتخذ ضده الإجراءات القانونية».
وها هو السيسي يجدد تعليماته الصارمة، ويطالب بعدم الزج باسمه في أي شيء، وإلا فإن مَنْ سيفعل ذلك سيعرض نفسه للملاحقة القانونية.. فهل يستوعب الناس الدرس، ولا يتاجرون باسم الرئيس والرئاسة، ويتعاملون بكل احترام ورقي وتقدير للمسؤولية، بدلًا من نظرة التعالي وعقدة النقص التي يتعامل بها بعض المحسوبين على القصر الرئاسي، أو يدعون أنهم على صلة ما بالرئيس، وهم لا علاقة لهم حتى بأسوار القصر؟