قصة منتصف الليل.. ولا بد من يوم معلوم تترد فيه «القلوب»

الإثنين، 02 أبريل 2018 09:41 م
قصة منتصف الليل.. ولا بد من يوم معلوم تترد فيه «القلوب»
إسراء الشرباصى

وسط أجواء احتفالية وفرحة عارمة حلت على كافة الحضور، ورقص الفتايات والشباب وسماع دوى طلقات نارية تعلن الفرحة التي حلت على أهل هذا البيت، جلست «فاطمة» على طاولة خشبية وعريسها «أحمد» ويتوسطهما المأذون ليبدأ تسجيل بيانات عقد قرانهما، والوقت الذي انشغل المأذون في كتابة البيانات تعلقت عيون «فاطمة» و«أحمد» ليتحدثا إلى بعضهما بأعينهما كالمعتاد ويتذكرا سويا ما مرا به إلى أن يجمعهما القدر في هذا الحفل المبهج.
 
«فاطمة» شخصية جادة لا يثير اهتمامها سوى الدراسة والحصول على المركز الأول طوال السنوات الدراسية على الرغم من نشأتها فى منطقة ريفية لا يهتم أهلها بالتعليم إلا أن كل ما يشغل تفكيرها هو الحصول على درجات علمية وتفوقها فى دراستها .
 
لم يخطر الحب على بال «فاطمة» يوما رغم استماعها إلى قصص الغرام التي تعيشها صديقاتها إلا أنها كانت تستمع لقصصهم على أنها تفاهات لا أساس لها سوى تضييع الوقت لمجموعة من المراهقات، وبعد أيام معدودة من التحاقها بمدرسة المتفوقات للمرحلة الثانوية خرجت لتستقل سيارة تصلها إلى منزلها لتبدأ مذاكرة دروسها فى الحال، وأثناء انتظارها للسيارة وجدت مجموعة كبيرة من الشباب يخرجون من المدرسة الثانوية المجاورة، لم تهتم بالأمر إلى أن وجدت أعين معلقة لم تنظر سوى لعيناها فوقفت تتبادل النظرات مع هذا الشاب ذو العينان الواسعتان طويل القامة جعلتها تنسى أمر السيارة والمذاكرة التى تنتظرها فى المنزل.
 
لا تستطيع إغفال عينيها عنه رغم محاولات صديقاتها بتشويش تفكيرها، إلى أن أخبراها بوصول السيارة التى من المفترض أن تستقلها فنظرت إليهم نظرة خجولة دون أن تتحدث بكلمة واستقلت السيارة وعادت إلى منزلها.
 
حاولت أن تنسى النظرة التى دق لها قلبها لأول مرة ولكنها لم تستطع تفسير ما حدث وأمسكت الكتب الدراسية لتبدأ مذاكراتها اليومية ومع كل صفحة تطويها تجد الشاب ينظر إليها تراه وكأنه يخترق الكتب ليتأمل فى عيناها، وفى اليوم التالى انتظرت أمام المدرسة فى ذات المكان لتجده أمامها لا يستطيعا الحديث سوى بلغة العيون التى عبرت عما بداخلهم من عشق مكتوم، ربما علمهم بصعوبة طريقهما هو ما منعهم من الحدث سويا واستمرا فى لقاء العيون يوميا يكتفون بحديثها الحنون.
 
وهو الأمر الذى لاحظته صديقتها المقربة فاتصلت بـ «فاطمة» لتسألها ماذا يحدث معها  ولما تقف تنظر إلى الشاب لا تستطيع التحرك من امامه، فلم ترد سوى بكلمة واحدة «معرفش»، لم تكذب "فاطمة" على صديقتها فهى حقا لا تعلم ما حدث معها ولما علقت بالنظر إلى هذا الشاب بهذه الطريقة، وفوجئت بأن صديقتها تعرفه قائلة "على فكرة الولد دا انا عارفاه دا أحمد والشلة بتاعته كلهم أصحابى وبناخد درس مع بعض وعنده محل عطور جنب المدرسة".
 
شغفها فى معرفة أى معلومات عنه جعلها تستمع بإهتمام لحديث صديقتها دون أن تقاطعها، وهو ما شعرت به صديقتها فقالت:«لو عايزة تتعرفى عليه أكتر روحى محل العطور أو تعالى خدى درس معانا»، أغلقت "فاطمة" الهاتف مع صديقتها وذهبت إلى والدتها لتقنعها بإحتياجها للإنضمام لدرس خصوصى فى أحد المواد لصعوبة فهمها بمفردها، وهو ما رفضته الأم بشدة مؤكدة لها أن التعليم ليس كل ما تحتاجه الأسر الريفية بل هو جانب تمسكت به "فاطمة" رغما عن أسرتها.
 
لم تجد أمامها سوى الذهاب إلى محل العطور فاتفقت مع صديقتها وتوجها معا إلى المحل فوجدوه يقف يحاول ترتيب العطور على الأرفف والتفت ليستقبل زبائنه ليجدها الفتاة ذو العيون الساحرة ليقفا معلقان الأعين للمرة الثانية لم يفيقا من نظرتهم إلا بصوت الصديقة المشتركة قائلة "عايزين عطور على ذوقك"، فاقترب "أحمد" منهما ليعرض عليهم مجموعة من العطور أخذت تنتقى منهم الصديقة ولكن "فاطمة" لا تستطيع استنشاق عطر سوى العطر الملامس لجسده.
 
طلبت "فاطمة" عطور رجالى وهو الطلب الذى فاجأ صديقتها و "أحمد" أيضا ولكنه لبى رغبتها وعرض عليها مجموعة من العطور أخذت تشم في الروائح واحدة تلو الأخرى إلى أن اشتمت للرائحة التى يضع منها فأمسكت بها وقالت "هى دى اللى عجبانى"، فسألتها صدقتها "هاتعملى ايه بعطر رجالى انتى مش مرتبطة ولا ليكى اخوات ولاد".
 
سيطر الخجل على "فاطمة" فالتزمت الصمت واكتفت بابتسامة هادئه، كانت إبتسامتها كافية ليفهم "أحمد" لماذا اختارت هذا العطر فابتسم لها إبتسامة رقيقة وأعطاها العطر، وتركته وخرجت مسرعة خائفة من عينيها التى تبوح بما فى داخلها وذهبت إلى منزلها، لتجد والدتها تستقبلها بالزغاريد فاندهشت "فاطمة" وتساءلت فى ايه يا ماما؟!" فردت عليها الأم والفرحة تسيطر على حديثها "جالك عريس وهايجى يزورنا انهاردة".
 
ارتبكت "فاطمة" وأخذت تتساءل عن العريس الذى لم تضعه فى عين الاعتبار عندما تعلقت عينها بعيون "أحمد" فردت عليها الأم "دا شاب محترم اسمه أحمد وبيقول انه شافك كتير قبل كدا بس انتى تقريبا مختش بالك".
 
حاولت "فاطمة" أن تخبئ فرحتها بإنتظار "أحمد" فى منزلها والارتباط به ولكن عيونها فضحتها كالعادة، ففرحت الأم لفرحة إبنتها العاشقة للدراسة والتى كانت تستبعد فكرة الزواج إلا بعد إنتهاءها من دراستها، وانتظرت "فاطمة" العريس بفارغ الصبر وارتدت ملابس جديدة ووضعت على جسدها من عطره.
 
وفور وصول العريس المرتقب نادت والدتها عليها لتتعرف عليه، فدخلت "فاطمة" الغرفة وعيناها تبحث عن "أحمد" ولكنها لم تجده وسط الزائرين، فاحتضنتها سيدة وقدمت لها نفسها قائلة "أنا والدة أحمد.. سلمى على عريسك"، فالتفتت لتصافح عريسها فتجده شاب آخر لم يجمع بينه وبين "أحمد" سوى الاسم المشترك فخرجت مسرعة دون حديث وهو التصرف الذى اتخذوه الجميع بالخجل.
 
دخلت "فاطمة" إلى غرفتها لتجلس باكية دون أن يعلم أحد ما بها، وبعد إنتهاء الزيارة أكدت لها والدتها أنهم إتفقا على كافة تجهيزات الزواج واشترطت عليهم استكمال دراستها بعد العرس، حاولت "فاطمة" أن ترفض الزواج وهو الأمر الذى أثار غضب والدتها متساءلة "انتى منين كنتى فرحانة ومنين دلوقتى بترفضى .. احنا خلاص اتفقنا وباباكى قرأ الفاتحة معاهم والفرح كمان شهرين".
 
لم تجد امامها سوى اللجوء لصديقتها لتقص عليها ما حدث معها، وفور سماع صديقتها لما حدث توجهت إلى "أحمد" لتقص عليه، فلم يستطع النطق بشئ فظروفه المادية حاليا لا تسمح له بخطوة التقدم بفتاة للزواج منها، وأمسك بورقة صغيرة وكتب فيها "القدر كفيل أن يجمعنا مثلما جمع بين قلوبنا..هافضل احبك وعمرى ما هاحب حد تانى وهاستناكى لآخر يوم فى عمرى" وطوى الورقة وطلب من صديقتها أن تعطيها إياها.
 
توجهت الصديقة إلى "فاطمة" على الفور وأعطتها الرسالة فقرأتها والدموع تتساقط من أعينها، فالمرة الأولى الذى يعترف فيها "أحمد" بحبه لها تكون قبل زفافها وبعدهما عن بعض، وأخذت تتذكر عيناها المليئتان بالشوق وأنها لم تراهما ثانية، ولكن رسالته كانت تحمل الأمل مثلما حملت الحب والوداع أيضا.
 
بعد مرور شهرين احتفلت العائلة بزفاف "فاطمة" وفوجئت بصديقتها تأتى برفقة "أحمد" لتقديم التهنئة، فتعلقت أعينهم كعادتهم وغفلا ما يحدث حولهم من ضجيج الأغانى والرقص، وفى الوقت الذى عم الفرح على جميع المتواجدين تساقطت الدموع من عيون "أحمد" و "فاطمة" وحاولا إخفاءها بهدوء قبل أن يشعر أحد المتواجدين بهما، ورحل "أحمد" عن الحفل مسرعا وظلت صورته محفورة فى قلب وعيون "فاطمة" لا تستطيع التغلب عليها ورؤية آخر.
 
عاشت "فاطمة" مع زوجها لعدة أشهر فى هدوء دون أن تحاول رؤية حبيبها أو الإفصاح عما بداخلها لأحد، وفوجئت بزوجها يخبرها بأنه سينتقل إلى القاهرة لمباشرة عمله هناك ولم يتأخر أكثر من أسبوع فأعددت له حقيبته ورحل فى منتصف الليل ليصل فى صباح اليوم التالى.
 
وبعد ساعات معدودة طرق الأهل باب منزلها فأسرعت لإستقبالهم فوجدت البكاء والصراخ يسيطر على حديثهم دون أن تعلم السبب، فالبكاء جعلهم يتحدثون بكلمات ملعثمة غير مفهومة لم تسمع منهم سوى كلمة "جوزك مات"، واحتضنتها أمها باكية لتقول "جوزك اتقلب به الميكروباص اللى كان راكبه وجوزك وكل الركاب ماتوا".
 
صدمة "فاطمة" كانت أكبر مما يتوقعه الأهل فهى لم تنصدم فى وفاة زوجها فقط ولكنها صدمت فى القدر وتذكرت رسالة حبيبها "القدر كفيل أن يجمعنا مثلما جمع بين قلوبنا..هافضل احبك وعمرى ما هاحب حد تانى وهاستناكى لآخر يوم فى عمرى"، وهى الرسالة التى سيطرت على ذهنها وكأنها تسمعها بصوت "أحمد" يرددها بصوت مسموع ولكن لا يسمعه أحد سواها، فهو صوت قلبها الذى دق شوقا لرؤيته.
 
بعد الإنتهاء من دفن زوجها ومراسم العزاء إنتقلت مرة أخرى إلى منزل والدتها بفرحة مكتومة لا تستطيع الجهر بها أمام أحد سوى صديقتها المقربة التى شاركتها قصة حبها، وذهبا الصديقتان ثانية إلى محل العطور فاستقبلهما "أحمد" قائلا "القدر جمعنا تانى بس مش هاخليه يفرقنا..بعد شهور العدة هاكون فى بيت أهلك بطلب ايدك للجواز وأمورى المادية تحسنت إلى حد كبير".
 
وبعد عدة أشهر جاء أحمد إلى منزلها مثلما وعدها وطلب الزواج منها وفرحة أهلها بأن إبنتهم ستتزوج ثانية ولم تجلس بلقب أرملة كثيرا جعلتهم يتغاضون عن حالته المادية الغير مطابقة للعائلة وقرروا مساعدته فى كافة إحتياجات الزواج، وهذه المرة دخلت "فاطمة" لغرفة إستقبال الضيوف ووجدت حبيبها يهنئها ويهنئ نفسه بأن قريبا سيجمعهما القدر فى بيت واحد.
 
قطع المأذون نظراتهما بطلبه أن يردد الزوجان إشهار طلب الزواج والموافقة أمام الحضور، ليبدأ العاشقان حياتهما الزوجية بعد صراع مع القدر.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق