قصة منتصف الليل.. قتلوا الأم في عيدها
الأربعاء، 21 مارس 2018 09:55 ماسراء الشرباصي
جلست "زينب" البالغة من العمر 60 عاما يظهر بين كسرات وجهها ما تحملته من مصاعب طوال السنوات الماضية، تتناول العشاء بمفردها، وتقوم لتتناول دواء السكرى الخاص بها والذى تضعه بجوار صور ابنها وإبنتها لتنظر إليهم كجرعة دواء خاصة من رؤيتهما لهما كلما جاء موعد الدواء، فكان الدواء يطيب جسدها، والصور تطيب قلبها.
فأمسكت بمجموعة من الصور لإبنها "أحمد" فى مراحل عمرية مختلفة وصورة أخرى تجمعهما سويا لتتذكر ما مرت به من سنوات شاقة لتراه مهندس، فقد فارق زوجها الحياة وترك لها أحمد لا يتعدى 5 سنوات من عمره، وإبنتها "شيماء" كانت رضيعة حينها، ورفضت الزواج برجل آخر حتى لا يكون لأولادها زوج أم وصممت على تربيتهم دون مساعد لتكون لهم الأم والأب، فتساقطت دموع الفراق من عينها حينما تذكرت أن إبنها سافر الإسماعيلية للعمل بفرع الشركة التابع لها ولم يسأل عنها.
وبعد إنتهاءها من مشاهدة صور إبنها أمسكت بصور إبنتها "شيماء"، التى كبرت فى حضنها وحاولت جاهدة أن تكون الأم والأب لها إلى أن سلمتها بيدها لعريسها منذ عدة سنوات وتنجب منه طفلين، وعلى الرغم من مسكنها القريب إلا أن مشاغل الحياة والأسرة جعلتها تنسى أن لها أم عانت كثيرا فى تربيتهم بمفردها وعانت أكثر لفراقهما.
وتركت الصور وجلست بعيدا حتى تكف عن التفكير فى أولادها الذين تركوها دون سؤال عن صحتها أو حتى لمعرفة هل هى على قيد الحياة أم توفاها الله، إلا أن صورهم ظلت محفورة فى ذهنها وكأنها شبح يطاردها، فأمسكت هاتفها واتصلت عليهما وطلبت منهما أن تراهم فى أقرب وقت وكل منهما وعدها بلقاء خلال الأسبوع الجارى.
بعد عدة أسابيع وجدت "زينب" أولادها على نفس الحال، فلم يتذكرا موعد اللقاء ومر بدلا من الأسبوع أسابيع ولم يحدثها أحد منهما، وجلست تبكى بمفردها أمام صورهم، وبعد دقائق زارتها جارتها الودودة للإطمئنان على صحتها وعندما لاحظت آثار دموعها سألتها عن السبب فقصت لها حال أولادها وغيابهما عنها وعلى الرغم أن اليوم عيد الأم إلا أنهما لم يتصلا بها أو يسألوا عنها وهى المناسبة التى كانوا ينتظرونها منذ صغرهم للاحتفال بأمهم فى عيدها.
فاقترحت جارتها تنفيذ خطة لتجبر الإبن والبنت على الحضور لمنزل أمهما فى أسرع وقت، واتفقا على بداية التنفيذ وبدأت الخطة بأن تجرى الجارة اتصالا هاتفيا بالولد وتخبره بما أصاب أمه من إعياء شديد نقلت على أثره المستشفى وأنها لم تطلب سوى رؤيته قبل وفاتها، وهو الحديث الذى أعادته على إبنتها فى الهاتف لتحضر هى الأخرى إلى المنزل.
وبالفعل توجه "أحمد" و "شيماء" إلى منزل والدتهما ودخلا البيت ولم يجدا أحد فاتصلا على جارتهم وأكدت لهما أنها فى الطريق إلى المنزل ومعها والدتهما، ووصلت الأم إلى المنزل بصحبة جارتها بعد أن شراءهم كعكة للإحتفال بعيد الأم وسط أولادها، وفور ما فتحت باب المنزل بهدوء سمعت أصوات اولادها فى غرفة نومها فاقتربت بخطوات هادئة لتشاهدهما يبحثان عن المكان الذى تخبئ فيه أمهما ذهبها ويتحدثان عن نصيب كل منهما فى الميراث والمنزل.
تحولت فرحة الأم بوصول أبناءها إلى صدمة، فوقعت الكعكة من بين يديها لتسقط على الأرض فالتفت الأبناء إلى الباب ليجدا أمهما والجارة، فحاولا أن يصلحا موقفهما فتسارعا إلى أمهما لاحتضانها وعندما احتضنها "أحمد" التقطت الأم أنفاسها الأخيرة وماتت فى حضنه متأثرة بما سمعته من مخطط أبناءها، فقد ظنا أن الأم على حافة الموت ليفكر كل منهما فى الميراث بدلا من فقدانها، ليفقدوها حقا وتصبح جثة هامدة بين أيديهم تاركة لهما ما يسعان إليه وتاركة معهم حبها وشوقها لرؤيتهما وتفارق الحياة.