يوسف أيوب يكتب: السؤال الوهمي.. هل القاهرة قلقة من إدارة بايدن؟

السبت، 06 مارس 2021 08:00 م
يوسف أيوب يكتب: السؤال الوهمي.. هل القاهرة قلقة من إدارة بايدن؟
يوسف أيوب

القلق كلمة لا وجود لها في إدارة العلاقات بين الدول. وواشنطن تدرك أهمية الدور المصري للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي والحرب على الإرهاب
القيادة المصرية انتهجت سياسة التنوع والمصالح المتبادلة في سياساتها الخارجية بما منح الدولة أريحية في التعامل مع القوى الكبرى.
 
لا يخلو حديث سياسى في مصر والمنطقة حاليًا من الحديث عن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية في ظل إدارة جو بايدن الجديدة، وكأن المتسائلين يجهلون حقيقة أن هذه العلاقات ليست مرتبطة بشخص أو إدارة، لأنها مبنية على أسس استراتيجية، وتحكمها المصالح المتبادلة بين الجانبين.
 
وقبل الدخول في تفاصيل ما يحدث، أعيد هنا التذكير بواقعة ذات دلالة، فقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول رئيس عربى بل في الشرق الأوسط يهنئ جو بايدن بالفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأكد بيان في 7 نوفمبر الماضى للسفير بسام راضى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس السيسي أكد في هذه المناسبة على تطلعه للتعاون والعمل المشترك من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة بما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين.
 
كما أن الأسبوع قبل الماضى شهد استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الفريق أول كينيث ماكينزى قائد القيادة المركزية الأمريكية، وأكد الرئيس خصوصية العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، والتطلع لاستمرار تطوير التعاون الثنائي القائم في جميع المجالات، خاصةً على الصعيد العسكري القائم والممتد بين البلدين على مدار العقود الماضية، وذلك على نحو يعزز من التعاون المثمر بين مصر والولايات المتحدة في مواجهة التحديات المشتركة في المنطقة.
 
كما أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية الحرص على استمرار وتيرة التنسيق والتشاور المشترك مع مصر تجاه قضايا المنطقة وذلك في إطار متانة العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، والتى تعد جوهرية لمواجهة التحديات الراهنة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، أخذًا في الاعتبار الدور المصري المحورى والرئيسى لدعم السلام والاستقرار في محيطها الاقليمى، خاصة الجهود المصرية الفعالة في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف. 
 
وقال السفير بسام راضى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أن اللقاء تناول سبل تعزيز علاقات التعاون الثنائي بين البلدين على الصعيد العسكري والأمنى ومكافحة الإرهاب وكذلك برامج التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات، كما تم استعراض وجهات النظر والرؤى بشأن آخر التطورات بالنسبة لعدد من القضايا على المستوى الإقليمى، خاصةً في الشرق الأوسط والقرن الأفريقى وشرق المتوسط، حيث تم في هذا السياق التوافق على استمرار التشاور والتنسيق الثنائي المنتظم بين البلدين الصديقين تجاه تلك القضايا ذات الاهتمام المشترك.
 
وتلقى قبل أيام سامح شكرى وزير الخارجية اتصالًا هاتفيًا من "أنتوني بلينكن" وزير الخارجية الأمريكي، أكد خلاله على استراتيجية العلاقات التي تجمع البلديّن، والسعي لمواصلة تعزيز آفاقها بالشكل الذي يحقق مصالح مصر والولايات المتحدة على كافة الأصعدة، وقالت الخارجية المصرية "عكست المحادثة الهاتفية تلاقي رؤى الدولتيّن في العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، حيث شهد الاتصال نقاشًا حول آخر التطورات على الساحة الليبية والقضية الفلسطينية، فضلًا عن ضرورة مواصلة العمل المشترك من أجل مكافحة الإرهاب، وغيرها من التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة، وتم التأكيد على الشراكة التاريخية القائمة على أُسس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وتنمية العلاقات في كافة مناحيها السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذا جهود البلدين في مجال حقوق الإنسان بما يحقق مصلحتيّهما. كما تم الاتفاق بين الوزيريّن على مواصلة التنسيق والتشاور خلال المرحلة القادمة حول كافة القضايا التي تحظى باهتمام مصر والولايات المتحدة".
 
بالإضافة إلى هذا كان لوزير الخارجية تصريح تليفزيونى مهم قبل أيام، خاص بشكل العلاقة بين القاهرة وواشنطن، قال خلاله أن العلاقات المصرية الأمريكية على مدى4 عقود علاقات وثيقة واستراتيجية وفيها كثير من مجالات التعاون والمكاسب المشتركة من هذه العلاقة سواء لمصر أو الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى بما لديها من الإمكانيات سواء السياسية أو الاقتصادية، يجعل أهمية التعامل معها واستخلاص المصالح المشتركة من خلال علاقات وثيقة، مؤكدًا في الوقت نفسه أن لمصر اتصال دائم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء من خلال البعثتين الدبلوماسيتين في القاهرة وواشنطن، أو من خلال الاتصال على مستوى المسئولين، سواء كبار المسئولين أو على المستوى الوزاري.
 
وفي توضيح أخر من الوزير شكرى قال نصًا "نستمر في الاتصال والتواصل سواء كانت إدارة جمهورية أو إدارة ديمقراطية، وهذا التعاقب على مدى الأربعين عامًا الماضية جعلتنا نتعامل مع إدارات مختلفة لها رؤى مختلفة، وكان دائما لنا معها حوار معمق ومواضع اتفاق ومواضع اختلاف، وهذا الاختلاف لا يعنى أن هناك نوع من التباعد وإنما رؤى مختلفة ونصل إلى نقطة توافق فيما بيننا، وكثير من الأحيان تكون وجهة النظر المصرية صائبة وتكون وجهة النظر الأمريكية صائبة، ونقيم الأمر في النهاية وفقا للأحداث ووفقا للنتائج"، مشيرًا أيضًا إلى أن "الاتصالات من خلال سفارة مصر في واشنطن قائمة ويتم التواصل مع المسئولين سواء كان في وزارة الخارجية أو في مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض، وتأتى هذه الاتصالات في إطار طرح الاهتمام بالعلاقة على المستوى الثنائي ووضع الآليات لمستقبل إدارة هذه العلاقات، والحديث حول كل القضايا الإقليمية التي تحظى باهتمام مصر وأمريكا ونقل الرؤية المصرية إزائها".
 
ولم يكتف شكرى بذلك، وإنما فند ما يقال بشأن وجود قلق مصري من إدارة بايدن، وقال أن "القلق لا وجود له في إطار إدارة العلاقات الدولية. أولا الإدارة الأمريكية الجديدة لم توضح مواقفها إزاء العديد من القضايا الإقليمية، وعلينا أن نستكشفها، وعندما يتم ذلك ويتم الحوار حولها سنقوم بتقييمها وبعدها نستطيع أن نحكم على المسار وإلى أي مدى هناك توافق أو تطابق في موقف البلدين والاحتياج المشترك للعمل سويا لتحقيق المصالح المشتركة ومواجهة التحديات، لذلك لا أرى أي مجال لأى قلق، وليس هناك مجال لأى تفاؤل، وإنما هي إدارة علاقات بالشكل الطبيعى".
 
ما قاله سامح شكرى، يكشف إلى حد كبير الطريقة التي تدير بها الدولة المصرية علاقاتها الخارجية، وليس فقط مع الولايات المتحدة الأمريكية، أخذا في الاعتبار نقطة ربما تكون خافية على البعض، وهي أن مصر منذ 2014 مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وضع استراتيجية أو سياسة خارجية تقوم في الأساس على التنوع، وعدم الاكتفاء في فتح الأبواب على دولة أو عاصمة بعينها، وإنما يكون الانفتاح على الجميع، وهو ما نتج عنه علاقات صحية بها قدر كبير من الندية مع الجميع، سواء كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوربى والقوى المؤثرة بداخله، خاصة فرنسا والمانيا، وكذلك بريطانيا قبل أن تخرج رسميًا من منطقة اليورو، وأيضًا مع روسيا والصين وكافة النمور الاسيوية، والقوى الأقليمية المؤثرة كلًا في أقليمه، بالإضافة إلى الاهتمام المصري بالبعد العربي والأفريقى.
 
هذا التنوع في العلاقات الخارجية، هو ما منح الدولة المصرية أريحية بل وهدوء في التعامل مع القوى الكبرى، لأن الأساس الذي وضعه الرئيس السيسي لعلاقات مصر خارجية واحد ولا يفرق بين دولة وأخرى، كونه يعتمد فقط على تحقيق المصالح المشتركة، والعمل على تحقيق الهدوء والاستقرار لدول المنطقة، والا تسير علاقاتنا الخارجية وفق مبدأ "التبعية" وإنما الندية وتبادل المصالح.
 
من هنا يمكن فهم طبيعة ومسار العلاقات بين القاهرة وواشنطن في ظل إدارة بايدن، ومن قبله إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فالدولة المصرية لم تنحاز لايا من الإدارتين، وإنما كانت هناك مصالح تسعى مصر للحفاظ عليها خلال حواراتها الدائمة مع واشنطن، وهذه المصالح قائمة ولا تغيير فيها، ولم ولن تختلف بذهاب إدارة ومجئ إدارة أخرى، وهو المبدأ الذي فهمته جيدًا إدارة باراك أوباما، التي يتواجد الكثير من عناصرها ضمن مجموعة بايدن المعنية بالسياسة الخارجية حاليًا، لذلك فلا مجال للحديث عن قلق أو توتر ينتاب العلاقة بين الجانبين، وإنما يمكن القول كما أكد الوزير شكرى، أن هناك محاولة لإعادة استكشاف توجه إدارة بايدن تجاه القضايا الإقليمية التي تحظى باهتمام مصري، خاصة أن هذه الملفات تستحوذ على قدر كبير من النقاش المصري الأمريكي المستمر، وهو ما يفسر التأخر في التواصل المباشر بين القاهرة وواشنطن، لأن إدارة بايدن حتى الآن وكما هو واضح من تصريحات مسئوليها، لم تحدد حتى اليوم بشكل واضح وحاسم توجهاتها لقضايا المنطقة، ولا تزال هذه الإدارة منغلقة على الأوضاع الأمريكية الداخلية، وأيضًا إعادة تقييم وقراءة الملفات الخارجية لترتيب أولوياتها، وهو ما سيستغرق منها بعض الوقت وفق تقديرات أمريكية، خاصة وأن هذه الإدارة تجاه عدد من الملفات الخارجية تبدو في حيرة من أمرها، هل تسير على نهج ترامب تجاهها، وبالتالي تخسر جزء من رصيدها الذي بنته خلال حملة الانتخابات الرئاسية، أم تنقلب على قرارات ترامب بالكامل، وأقرب مثال على هذه الحيرة، الوضع تجاه الملف الصينى والروسى، فقرارات ترامب تجاه الصين تحظى بتأييد أمريكى كبير، وهو ما جعل بايدن مترددًا في اتخاذ قرار حاسم تجاهها.
 
أمر أخر يزيد كل يوم من حيرة "بايدن"، وهو أنه دومًا يبحث عن حدوث توافق ديمقراطي جمهورى في مجلسى الشيوخ والنواب، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه على أرض الواقع، وسيؤدى في المجمل إلى التأخر في التحركات الأمريكية الخارجية.
 
هذه بوجه عام الوضع في الداخل الأمريكي الذي يحكم تحركاتهم الخارجية، لكن ما يهمنا هو علاقتنا مع واشنطن، وهنا وبالإضافة إلى ما قاله وزير الخارجية، وهو تأكيد للسياسة الخارجية التي وضع بنودها الرئيس السيسي، فإن هذه العلاقة لن تكون رهينة لأى ملف أو تصريح، بل تحكمها نظرة استراتيجية كاملة لمجمل العلاقات الثنائية وايضًا الأوضاع الإقليمية الملتهبة، والتي تهم الجانبين.
 
يضاف إلى ذلك كما سبق وقلت، أن الدولة المصرية، منذ أن أعادت تموضعها بعد ثورة 30 يونيو 2013، تمتلك الكثير من الأدوار الدولية والإقليمية، التي يمكن اعتبارها هامه في علاقاتها الخارجية، وسيكون لها تأثير واضح على صانع القرار في البيت الأبيض، لذلك فإن مصر ومن واقع خبراتها الإقليمية في مجابهة الإرهاب والتيارات الإرهابية، فإنها ستواصل العمل مع واشنطن في هذا الاتجاه، وأيضًا إقناع واشنطن بعدم العودة إلى ما يعتبرونه أخطاء إدارة أوباما الماضية، كما ستعزز مصر صورتها باعتبارها إضافة قوية للولايات المتحدة، حيث تساهم القاهرة في المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي، والحرب على الإرهاب، وهي كلها أمور راسخة في ذهنية صانع القرار الأمريكي، وهو يحدد أطر علاقاته مع مصر.
 
لذلك فإن كل ما يقال أو يتردد بشأن وجود توتر أو قلق في العلاقات المصرية الأمريكية، أمر خاطئ لا يستند لواقع، وإنما تحكمه أوهام لدى البعض ممن يبحثون دومًا عن أسباب يجعلونها تعكر صفو العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن. 
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة