القنابل الموقوتة
الجمعة، 19 فبراير 2021 05:23 م
أثارت الدولة مؤخرا قضية هامة وهي الزيادة السكانية التي تمثل عبئاً يستنزف موارد الدولة والأسر أيضا التي أنجبت أعدادا كبيرة من الأبناء بحجة أن كل طفل يأتي برزقه، ثم يبدأون في النحيب والشكوى من أن لديهم من الأبناء عشرة ولا يستطيعون توفير قوتهم ولا الأموال اللازمة لعلاجهم حال مرضهم.
من يشاهد التليفزيون يشعر بالأسى والخزي من تحول جزء كبير من الإعلانات التليفزيونية لدعوات للتبرع لهؤلاء الفقراء بالغذاء والبطاطين وبناء المستشفيات كي تكفي الأعداد الكبيرة من المحتاجين في المحافظات المختلفة، التي تزداد طرديا مع الزيادة العددية للسكان، ويشعر المشاهد وكأن الأغلبية من سكان مصر هم من غير القادرين برغم كل جهود الدولة المبذولة للتنمية!؟
معضلة كبرى تواجه المجتمع ونجد من لايزال يجادل فيها ويستشهد بالأدلة الدينية على ضرورة زيادة النسل، وكأن الجميع يتبع الأوامر الدينية كلها ولا يستطيع مخالفتها في الحد من الإنجاب!
ونجد أيضا من يستشهد بدول أخرى كالصين مثلا بغير علم، فالصين التى أجرت أول تعداد سكانى لها فى الخمسينات من القرن الماضي أيقنت أن الزيادة السكانية تعد عائقا أمام أى محاولة للتقدم الاقتصادى والاجتماعي، نظراً للنمو السريع فى عدد السكان مقارنة بالتنمية الاقتصادية التي لن تكفى لتحقيق التقدم المنشود، ووضعت قوانين للحد من الزيادة السكانية المستنزفة لجميع الموارد.
وفي رأيي المتواضع أن الزيادة السكانية في مصر لها عدة أسباب أهمها اعتبار الأطفال مصدرا للرزق، ففي الأغلب لن تجد أسرة ترغب في رعاية أبنائها وتربيتهم وتعليمهم بشكل جيد تنجب أعدادا كبيرة لعلمها أنه كلما كثر العدد قلت القدرة على الاهتمام بهم، وزادت الأعباء المادية.
أما من ينجبون بلا حساب فهم غالبا من يستغلون الأطفال بتشغيلهم في المنازل أو الورش الصناعية، أو في الوسيلة الأسهل حاليا وهي اصطحابهم أو تأجيرهم للتسول في الشوارع والطرقات، وأمثال هؤلاء الأطفال هم قنابل موقوته ستنفجر في وجه المجتمع يوما ما إن لم يتم التصدي لهذه الظاهرة التي أصبحت طابعا عاما مشوها لجمال مصر ومدمرا لكل الجهود المبذولة في إعادة الرونق والرقي لشوارعها، فمع الأسف والألم لن تجد منطقة إلا وافترشت أرصفتها سيدات بكامل صحتهن ويمتلكن الهواتف المحمولة يلقين بأطفالهن في الطرقات دون مراعاة لحقوقهم الإنسانية من رعاية وحماية من أجواء باردة وحارة وطرق تملأها السيارات التي قد تطيح بأي طفل فتقضي على حياته في لحظة، وتتسبب في مصيبة لقائد المركبة.
أليس لهؤلاء الأطفال حقوق وحرمة يجب مراعاتها؟.. فهم يحتاجون لاهتمام ونظافة ورعاية صحية وتعليم وغيره من حياة كريمة تجعل من هذا الطفل عنصرا منتجا ومفيدا لنفسه ولمجتمعه فيما بعد، أما ما نراه فلن ينتج سوى مجرمين ومشردين يمثلون أعباءً على الدولة وسيحذون حذو أهاليهم أيضا في إنجاب المزيد والمزيد وسنظل في هذه الدائرة المفرغة.
أنا وبشكل شخصي أحاول جاهدة في الاستغاثة بمسؤولي الحي وخط نجدة الطفل لإنقاذ من أراهم من أطفال مساكين بداية من عمر شهور وصولا لمرحلة المراهقة يملؤون شوارع وميادين حي المعادي (الحي الذي أقطن به) بشكل ملفت للنظر، واستغلالهم في التسول واستدرار عطف المارة والأجانب على وجه الخصوص، ويعلم الجميع أن وراء هؤلاء عصابات فهناك من يأتي بهم صباحا ويجمعهم مساءً في سيارات، ويشير البعض إلى استغلال هؤلاء الاطفال في الاتجار بالمخدرات بوضعها في حزم النعناع وأكياس الليمون التي يجولون بها كي يخفوا جريمتهم ، ولا أحد يعلم إن كانوا أبناءهم أصلا أم من المخطوفين!
لذا أرى أنه إذا كانت الدولة جادة في اتخاذ خطوات للحد من الزيادة السكانية السلبية فعليها وعلى مجلس الشعب البدء في سن قوانين مغلظة خاصة بمنع التسول وعمالة الأطفال، فمن يتسول بطفل أو يستغله في أي عمل على الدولة أن تتحفظ على الطفل فورا وإنقاذه لأن أهله خانوا الأمانة ولم يحافظوا عليه، وأن يوضع هؤلاء الأطفال في دور رعاية، كما يمكن إنشاء معسكرات كبيرة تحت رعاية القوات المسلحة تقوم بتربية وتنشئة هؤلاء الأطفال على أحسن وجه، مع إنشاء مدارس صناعية على مستوى عال يتم فيها الاهتمام بالتربية السلوكية القويمة وتعليم اللغات والصناعات والحرف المختلفة التي يحتاج اليها المجتمع، لنحول هؤلاء الأطفال المشردين من قنابل موقوتة لأسلحة مفيدة تساعد في الحفاظ على الوطن، وبدلا من كونهم أعدادا سلبية سيصبحون يوما ما عناصر إيجابية محترمة مفيدة لنفسها ولوطنها.
أضف إلى ذلك ضرورة توقيع عقوبات قوية صارمة على كل من يستغل الأطفال بأي شكل من الأشكال، سواء من الأهالي أو من يديرون منظومة التسول، والبدء في التحري عن من وراءهم وتتبع السيارات التي توزعهم عن طريق الكاميرات المنتشرة في جميع الشوارع حاليا وتضييق الخناق عليهم، حينها فقط سيفكر كل من يتصور أن إنجاب المزيد يعني زيادة مصادر الرزق ألف مرة قبل أن ينجب، لأن الطفل الزائد لن يمثل سوى عبء زائد، مع ضرورة تطبيق العقوبات بشدة على الجميع فما أكثر القوانين وما أقل التطبيق، ومن أمن العقاب أساء الأدب.
إن مثل هذه الخطوة الجريئة إن قررت الدولة اتخاذها ستوقف باب النقاش والجدل الديني حول حرمانية فرض الدولة تحديد النسل، فما ستقوم به الدولة ما هو إلا اتباع وامتثال لأوامر الله في ضرورة الحفاظ على الإنسان وكرامته، وتحقيقا لدورها في رعاية الأطفال والحفاظ عليهم عملا بحديث الرسول الكريم كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته.
كما أنها ستتصدى للمتشدقين بنموذج الصين الذي استطاع الاستفادة من القوة البشرية، فما ستقوم به من رعاية وتعليم مهن وحرف ولغات لهؤلاء الأطفال سيحولهم لقوة ولأياد عاملة كما هو الوضع في الصين.
رسالتي إلى السادة المسئولين عن هذا الملف الشائك إن أردتم الحد من الزيادة السكانية فعليكم البدء بالتصدي لظاهرة التسول بالأطفال وتشغيلهم واستغلالهم واعتبارهم مصدر رزق للأسر.
الأمر لا يحتاج إلا لخطوات جريئة سريعة ومحسوبة.. والله المستعان.