على هامش الجريمة
الأربعاء، 25 نوفمبر 2020 03:27 ص
بالطبع ليس منا من لم يسمع مؤخرا عن قضية سفاح الجيزة، وجرائمه البشعة المنظمة والمحبوكة التي ظلت خفية على مدار سنوات وتركت وراءها ألغازا لم تكشفها إلا الصدفة.
سفاح الجيزة في الأساس دارس للقانون وهو ما سهل عليه حبك جرائمه ووسع من تفكيره الإجرامى، والأساس الأول الذي استطاع من خلاله العمل والهرب من جرائمه هو انتحال صفات أشخاص آخرين عن طريق تزوير البطاقات الشخصية الخاصة بهم، وظل على هذا الحال لسنوات حتى أنه تزوج أكثر من مرة وأنجب دون اكتشاف أمره.
العجيب في الأمر وما استوقفني عند سماعي لقصته في بادئ الأمر أنه قد تم القبض عليه وتوجيه اتهامات له بصفته المستعارة المهندس رضا -المقتول منذ أعوام -، وذلك عن طريق استخدام الجاني لبطاقة مزورة باسم المجني عليه وإلى هنا لم يستطع أحد اكتشاف أمره أو شخصه الحقيقي حتى جهات التحقيق، لولا أن أهل القتيل كانوا مستمرين في البحث عنه ووصلت إليهم معلومات أنه محتجز على ذمة إحدى القضايا، وعند توجههم لمكان احتجازه اكتشفوا أنه ليس المهندس رضا لكنه صديقه " بحسب ما ذكر في وسائل الإعلام".
ومن هنا بدأت أتساءل ألا يوجد ضمن وثائق المواطن لدى الدولة " بصماته" الخاصة التي تميزه عن غيره؟.. فإن تم القبض على أي شخص حتى وإن كان مزورا لبطاقة الرقم القومي سيتم اكتشاف أمره على الفور من خلال بصمات يديه، ولكن ما استوعبته هو أن مسألة الفيش والتشبيه لا تتم إلا في حالة قيام المواطن بطلبها شخصيا لتقديمها لجهات العمل مثلا، أو حالة القبض عليه في جريمة وخلاف ذلك لا يوجد في سجلات الدولة بصمات لباقي المواطنين!
وهو ما استدعى في تفكيري مشكلة يتعرض لها العديد من المواطنين في المطارات أحيانا بسبب تشابه أسمائهم مع بعض المطلوبين للعدالة على ذمة قضايا والموقوفين عن السفر، والمعاناة التي يعانيها هؤلاء حتى يتم اثبات شخصياتهم الحقيقية التي أوقعها حظها العثر في اسم متشابه مع موقوف عن السفر أو مطلوب للمحاكمة.
أعتقد أن قضية سفاح الجيزة الأخيرة قد وجهتنا لضرورة قيام الدولة بتحديث بيانات المواطنين وأخذ بصمات أيادي الجميع عند إصدار بطاقات الرقم القومي وجوازات السفر الخاصة بهم حتى لا يحدث لبس بينهم وبين آخرين، وهو ما سوف يسهل الكشف عن أية جريمة عن طريق البصمات التي تميز هوية الشخص سواء كان جانيا أو مجنيا عليه، كما أنها ستساعد في الوصول لأهالي فاقدي الذاكرة وكبار السن من مرضى الزهايمر الذي يتيهون في الطرقات ولا يستطيع أحد تحديد هوياتهم والوصول لأهاليهم عن طريق بياناتهم المدونة في سجلات الحكومة، كما ستمنع قيام أي نصاب من الزواج بانتحال صفة غير صفته الحقيقية وإنجاب أطفال ونسبهم لأشخاص آخرين كما حدث مع ضحايا سفاح الجيزة، وغيرها من الحالات التي يصعب فيها الوصول لحقيقة الشخص، أضف إلى ذلك ما نطالب به منذ سنوات من ضرورة أخذ بصمات أصابع أقدام المواليد أيضا مما يساعد في القضاء على جرائم خطف الأطفال أو فقدانهم وتدمير حياة أسر لا تستطيع العثور على أطفالها سواء المفقودين أو المخطوفين.
أعتقد أن الأمر ليس صعبا فالتقدم التكنولوجي جعل من أمر الحصول على البصمات عن طريق الأجهزة الحديثة والاحتفاظ بها والوصول إليها إلكترونيا أمرا سهلا، كما يحدث في سفارات الدول الأوروبية عند التقدم بطلب للحصول على تأشيرة سفر، فالأمر لا يستغرق دقائق وأعتقد أن تكلفته ليست كبيرة بالمقارنة مع فوائده وضرورته.
أتمنى أن تضع الحكومة الأمر نصب أعينها وتهتم بتطبيقه وتعميمه كما فعلت مؤخرا مع السيارات بوضع ملصق الكتروني لكل سيارة أشبه بالبصمة التي توضح جميع بيانات السيارة ومالكها إلكترونيا، وأطالب أعضاء مجلس النواب أيضا بإثارة الموضوع واتخاذ خطوات جادة مع الحكومة لتطبيقه في أسرع وقت ممكن.
البصمات يا سادة هي الحل، وأتصور أنها ستساعد الدولة ككل، وجهات البحث الجنائي، والمواطنين كافة، وستنهي العديد من المشكلات التي يتعرض لها مواطنون كُثُر ، وستكشف عن المجرمين ، وتحل ألغاز قضايا كثيرة بمنتهى البساطة ، إذا فلمَ لا؟