كافة القطاعات الصناعية، خاصة كثيفة الاستهلاك للغاز الطبيعى، ترى أن الخفض الأخير لسعر الغاز لا يحقق التوازن فى المعادلة الإنتاجية حاليا، حيث يظل سعر 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية يمثل عبئا على الصناعة، فى الوقت الذى تتزايد فيه الضغوط على القطاع الصناعى بالمرحلة الحالية، نتيجة تضرر الأسواق جراء ارتفاع تكلفة الإنتاج وتراجع التصدير، وتفشى فيروس كورونا الذى تسبب فى ضغط أكبر على الصناعة، نتيجة التزامها بدفع الرواتب وكافة المصروفات من ضرائب ورسوم وتكاليف الكهرباء والمياه والغاز.
في نفس السياق تراجع الطلب على المنتجات المختلفة ومنها الحديد والصلب، نتيجة قرارات وقف تراخيص البناء لمدة 6 أشهر والذى أعادت الحكومة النظر فيه مؤخرا، إضافة إلى ارتفاع في تكاليف منتجات مواد البناء وكذلك الصناعات الهندسية وغيرها، نتيجة زيادة كبيرة في أسعار الكهرباء والغاز للقطاع الصناعى.
تضرر صناعة الصلب الفارق بين السعر العالمى للغاز وسعره فى مصر، يعتبر زيادة فى تكاليف التصنيع لدينا، الأمر الذى يقلل من تنافسية المنتج المصرى بالخارج، لأن المستورد يبحث عن المنتج بأقل تكلفة، لذلك سنجد أن الأسعار بوضعها الحالى أحد الأعباء على كاهل الصناعة الوطنية، وهو ما يدفع مؤخرا لتزايد مطالب المجتمع الصناعى، بضرورة خفض أسعار الغاز للصناعات المختلفة، وعلى رأسها صناعة الصلب وغيرها من الصناعات التى تساهم فى توفير آلاف الوظائف، مؤكدين أن هناك نتائج إيجابية عدة للاقتصاد المصرى وللصناعة حال اتخاذ قرار بمراجعة أسعار الغاز وخفضها، فى إطار خطط الدولة لدعم الصناعة المحلية.
وبحسب تقديرات مجلس اتحاد الصناعات، فإن معاناة القطاع الصناعى جاءت نتيجة أسعار الطاقة ومنها الغاز، والذى يعتبر العبء الأكبر حاليا، وبعد تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016، شكا المصنعون من زيادة كبيرة فى سعر التكلفة الإنتاجية، بسبب تضاعف سعر الدولار، لكن على الجانب الآخر كانت هناك تكلفة أخرى فاقمت من مشكلات القطاع، وهى أسعار الغاز للمصانع بصفة عامة، ولصناعة الصلب بصفة خاصة، لما للأخيرة من دور كبير فى إتاحة 30 ألف وظيفة واستثمارات تتجاوز الـ150 مليار جنيه.
وشهدت صناعة الصلب فى الفترة الأخيرة حالة من التراجع الملحوظ، الأمر الذى انعكس على حجم الصادرات، نتيجة ارتفاع فى تكلفتها، جراء احتساب سعر الغاز بـ5.5 دولار للمليون وحدة حرارية، والذى انخفض إلى 4.5 دولار مؤخرا، وتعد صناعة الحديد من بين القطاعات المرشحة لتحقيق طفرة وتطورات كبيرة فى حال إقرار الحكومة تعديلات جديدة على أسعار الغاز، حيث يشكل عنصر الطاقة نسبة لا بأس بها من إجمالى تكلفة الإنتاج، وبالتالى فإن خفض أسعار الغاز يعد دفعة قوية لتحقيق التوازن داخل السوق المحلية ويدفع المنتجين للتوسع خارجيًا أيضا، علما بأن الحديد عصب رئيسى للتنمية فى الوقت الحالي، وفق جمعية الصلب المصرية.
تراجع الاستهلاك المحلىتكشف المعلومات المتاحة، أن إجمالى الاستهلاك المحلى من الصلب بمشتقاته 7.5 مليون طن، تنتج المصانع المتكاملة قرابة 7 ملايين طن منها بحسب بيانات الاتحاد الدولى للصلب، وتزاحمها استثمارات القطاع التحويلى عبر مصانع الدرفلة بأكثر من 4 ملايين طن بحسب مؤشرات تقديرية، وضمان استقرار الصناعة واستدامتها، وعدم خسارة قطاع ضخم يوظف 30 ألف عامل باستثمارات تتجاوز 150 مليار جنيه، يتطلب إفساح الطريق أمام الصناعة المحلية، عبر حماية الإنتاج المحلى من الممارسات المغرقة للمستوردين أولا، وثانيا خفض التكلفة الإنتاجية بمراجعة أسعار الغاز الحالية وخفضها.
وبلغت الطاقات الإنتاجية الحالية لصناعة الحديد والصلب المصرية نحو 15.6 مليون طن عام 2019، وهو ما يمثل نحو 36 % من الطاقات الإنتاجية المتاحة بقارة أفريقيا، كما تصدرت الطاقات الإنتاجية لصناعة الحديد والصلب المصرية الصناعة العربية، حيث استحوذت على نحو 26 % من إجمالى الطاقات الإنتاجية لصناعة الحديد والصلب العربية عام 2018، ورغم الإمكانيات الضخمة لهذه الصناعة، إلا أن الأعباء على كاهل صناعة الحديد والصلب المصرية نتيجة لارتفاع أسعار توريد الكهرباء والغاز الطبيعى للمصانع لا يمكن إغفالها، وتتطلب تدخل فورى من أصحاب القرار لإنقاذ هذا القطاع.
وفى ظل هذه التحديات لن تتمكن أى صناعة، مهما كانت قوية، من فتح أسواق جديدة لها أو حتى الحفاظ على أسواقها المحلية، وهو ما تكشف عنه أرقام تصدير الحديد والصلب المسطح، والتى تشيرا إلى تراجع صادرات مصر من الحديد والصلب بأكثر من 26 % بأول 8 أشهر من 2020، وخلال 2019 هبطت صادرات الحديد والصلب بنسبة 34 % مسجلة 635 مليون دولار، بالفترة من يناير إلى نوفمبر 2019 مقابل 968 مليون دولار بالفترة ذاتها من 2018.
كل الصناعات المستهلكة للغاز ترى أنه لايزال سعر الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة «الحديد والصلب» ومواد البناء الأخرى يشكل عائقًا كبيرًا أمام تعريفة منتجات تلك الصناعات، سواء بالسوق المحلية أو الخارجية، إذ يرتبط استعادة الطاقات الإنتاجية كاملة والتى تراجعت بصورة كبيرة بسبب سعر الغاز وتعويم الجنيه، بإعادة تسعير الغاز بسعر يتراوح بين 2.5 و3 دولارات، خاصة فى ظل جائحة كورونا، وأن الخفض الأخير الذى جعل سعر المليون وحدة حرارية بـ4.5 دولار قرار صائب لكن التكلفة تظل مرتفعة قياسا على الدول المجاورة.
وإذا كان سعر توريد الغاز الطبيعى «للمليون وحدة حرارية بريطانية» للصناعات الكبرى فى أوروبا لا يتجاوز 1.4 إلى 1.7 دولار أمريكى، وفى الولايات المتحدة الأمريكية 1.84 دولار أمريكى «مايو 2020»، فبالتأكيد يصعب قبول أن يتم توريده لصناعة الصلب الوطنية بـ4.5 دولار أمريكى، بحسب الدكتور عالية المهدى رئيس جمعية الصلب.
وأكدت الدكتورة عالية المهدى ، أن الغاز الطبيعى سلعة متداولة عالمياً وأسعارها معروفة للجميع، ولا يمكن لأى صناعة أن تكون لديها قدرة تنافسية ما لم تكن تحصل عليه بأسعار على قدم المساواة مع الأسعار العالمية، فعدم مجاراة الأسعار المحلية للأسعار العالمية للغاز الطبيعى أمر لا تقوى على تحمله صناعة الحديد والصلب المصرية، ولا أى صناعة أخرى، وهو أمر سيؤدى حتماً إلى تراجع إنتاجها وقد ينتهى بها المطاف للتوقف التام، فهذا السعر كفيل بتدمير صناعة الحديد والصلب العريقة مهما كانت متقدمة تكنولوجياً.
مجلس مواد البناء يرى أن سعر توريد الغاز بقطاع مواد البناء مختلف بين الصناعات، فقطاعا الحديد والسيراميك يعدان قطاعين مظلومين، وهما من أبرز القطاعات التى تأثرت سلبًا بسعر توريد الغاز للمصانع، خاصة عقب انخفاض قيمة العملة المحلية عقب التعويم، ليتحمل المنتجون ارتفاع تكاليف زيادة سعر الغاز، وانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار عقب التعويم، مؤكدا أن منتجى قطاع مواد البناء، استهلاكهم من الغاز مرتفعا وأصبحوا يعانوا فى التصدير، نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة بدول الجوار والمنافسة لنا حاليا.
وشدد المجلس، على لسان الدكتور وليد جمال الدين رئيس المجلس، على ضرورة قيام الحكومة بتعديل تسعير الغاز المورد للمصانع، ليتم تقييمه وفق المتغيرات العالمية وبالعملة المحلية، خاصة أن المنتج المحلى يتم شراؤه من قبل شركات حكومية مصرية، موضحا أن المنتجين حاليًا يقومون بسداد سعر الغاز بما يعادل سعر الدولار بالجنيه المصرى، مضيفا أن المملكة العربية السعودية والإمارات أكبر المنافسين للسوق المصرى بقطاع مواد البناء بالمنطقة، ويحصل منتجوهم على سعر الغاز بين 1 و1.25 دولار، وبمقارنتهم بالمنتج المحلى الذى يحصل عليه بزيادة كبيرة، وطالب بضرورة التعامل مع الأمر بجدية لحماية الصناعة وتحقيق معدلات النمو الصناعى المستهدفة، التى لن تأتى إلا بتوفير مدخلات الإنتاج المحلية، ضمنها الطاقة، بأسعار عادلة، حتى تتمكن المنتجات من المنافسة فى الخارج، فى ظل جائحة كورونا.