"لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"
الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020 08:43 م
عندما تقع تحت عيني بعض الحكم مثل "الرضا لمن يرضى"، أو "الطمع قل ما جمع" أشعر بأن أغلبنا مع الأسف والألم لم يعد يهتم بمثل تلك الكلمات التي إن اتبعناها سنشعر براحة، وستمر بنا الحياة بيسر وسلام.
يعيش الإنسان يحلم ويتمنى وللأسف فإن الأغلبية حين تنال ما تتمنى تبدأ في البحث عن المفقود وتنسى الموجود.
فمثلا تجد من يحلم بإيجاد فرصة عمل مناسبة ويسعى ويحارب حتى يصل إلى هدفه، وما أن يصل حتى يبدأ في التذمر والشكوى من مديره أو قلة الراتب أو سخافة العملاء، وينسى أن هذا العمل كان حلمه الذي تحقق، وبدلا من أن يشكر الله ويسعى لتجاوز المصاعب وللسعي لما هو أفضل تجده يتمادى في إنكار النعمة ولعن الواقع.
وهناك من تحلم أو يحلم بالزواج من الحبيب وحين ينعم عليه الله بتحقيق أمله يبدأ في البحث عن العيوب، وافتعال المشاكل وندب الحظ، والشكوى ولعن اليوم الذي تزوج فيه وكأنه لم يكن هو من يدعو الله ليلا ونهارا للزواج من تلك الإنسانة أو ذلك الإنسان، وربما لو لم يستجب الله لدعائه ويحقق هدفه لانهار واعتبر أن الحياة توقفت للأبد.
ويا سبحان الله يظل الزوجان يحلمان بطفل يملأ حياتهما وما أن يرزقا به حتى تبدأ الشكاوى منه ومن ازعاجه وكثرة مصاريفه ، والقيود التي كبلتهم بسبب وجوده ، وقد يصل الحال ببعض الآباء والأمهات للتنصل من أدوارهم والبحث عن الحرية بعيدا عن دورهم ومسئوليتهم تجاه الأبناء متناسين أن الله رزقهم نعمة من زينة الحياة الدنيا عليهم أن يصونوها ، وبدلا من شكر النعمة كفروا بها .
ويعافر آخرون للحصول على سكن أو مكان للمصيف وما أن يحصلوا عليه حتى تبدأ المقارنات في شغل العقل والنفس، فبعد ما كان هذا المكان هو جل الطموح بدا وكأنه أقل من غيره ولا يشبع رغبة صاحبه ويظل يعدد مشكلات المكان أو المنطقة أو المساحة ويعيش في حياة تعيسة يملأها التنغيص بسبب الطمع في الأكثر والأفضل، ويتملك منه الشيطان ليشعره بالضآلة، وهكذا إلى مالا نهاية حتى يحق عليه قول الله تعالى "وقليل من عبادي الشكور".
الأمثلة كثيرة ولا تنتهي.. حقا غريب أمر البعض الذين لا يملأ أعينهم إلا التراب كما يقول المثل الشعبي، ألم يكن ما تعيشه اليوم هو حلمك بالأمس وها قد تحقق فلم السخط الآن؟.. بالطبع إن التطلع والطموح والسعي نحو الأفضل مطلوب لكن بهدوء ودون تحقير النعم الموجودة ورفضها والتأزم منها، فالسعي نحو الحياة المستقبلية لا يجب أن ينسينا أن نعيش الحاضر ونستمتع بالحياة الحالية وأن نسعد بما هو متاح ونشكر الله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، وأيا ما كان ما نملكه هو بالتأكيد حلم لآخرين محرومون منه.
إن هذه المشكلة من وجهة نظري قد ازدادت في الآونة الأخيرة ربما بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، فالجميع يصدر عليها دائما صورا للجزء الجميل من حياته وما وصل إليه في عمله وسفرياته ونزهه ومنزله، وكل ما قد يثير غيرة الآخرين من ذوي النفوس الضعيفة الذين يقارنون أنفسهم بالغير، وهدفهم في الحياة التميز المادي، والوصول إلى ما وصل إليه الآخرون حتى وإن لم يكونوا في حاجة إليه أو أنه ليس ما يسعدهم بشكل شخصي، ولكنها المقارنات للأسف الشديد التي أوصلتنا إلى أن أصبحنا شعوبا استهلاكية تهتم بالمظهر و(الفشخرة) الكاذبة، وأصبح أغلب الناس مكبلين بالديون والأقساط، لتحقيق المطالب التي حتى وإن حققوها لا تشبعهم بل يبغضوها ويتطلعون للمزيد.. ونسوا في خضم الركض والطحن أن هناك مشاعر هي الأهم يجب أن تتواجد بين أفراد الأسرة، وأن الوقت القيم الذي يقضونه معا باهتمام وحب وألفة أهم كثيرا من الاقتناء، وأن الإنسان لن يشعر بالسعادة إلا بالتحلي بالرضا والقناعة وحمد الله على عطاءه.
إن مفتاح السر في استدامة النعم والبركة وزيادة عطاء الله وخيراته هو شكر الله الذي وعدنا في كتابه الكريم بالزيادة المشروطة بالشكر بقوله تعالى (وإن شكرتم لأزيدنكم) صدق الله العظيم.