أبناؤكم أبناء الحياة
الأربعاء، 05 أغسطس 2020 04:16 م
من أجمل الكلمات التي كتبها جبران خليل جبران حول شكل العلاقة بين الآباء والأبناء، والتي أثرت في نفسي بشكل شخصى وأسعى جاهدة للسير على نهجها في علاقتي بأبنائي تلك التي قال فيها" أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم.. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم.. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلك".
كلمات يهتز لها القلب وينقلب معها الفكر، فالكثير الآباء والأمهات يتعاملون مع أبنائهم وكأنهم ضمن ممتلكاتهم، وكأنهم أشياء وليسوا أشخاصا، ويتناسون أن لكل إنسان أحلامه وطموحاته وهواياته ومشاعره وشغفه الخاص الذي يسعى ويأمل في تحقيقه، فهو لم يخلق كي يحقق أحلام والده أو والدته وأن يسعى لأن يصبح ما أرادوا أن يصبحوه يوما ما، وهو ليس مجبرا أن يعيش بنفس الأسلوب والفكر والخطوات.
ليس عدلا أن تطالب نفسا خلقها الله حرة أن تحيا أسيرة طموحات غيرها، أو أن تحيا في إطار لا تميل إليه مادامت لا تغضب الله، ليس فرضا أبدا أن يحب الأبناء ما أو من يحبه الآباء، قد تكون مرحلة الطفولة مرحلة توجيه ورقابة وغرس مبادئ وقيم بالطبع، لكن أيضا هي من وجهة نظري مرحلة بناء شخصية مستقلة قادرة على مواجهة الحياة واتخاذ قرارات وتحمل تبعاتها، وتحمل مسؤوليات آتية مستقبلا لا محالة.
نماذج كثيرة نراها أمامنا لأهل يطمسون شخصيات أبنائهم ويكبتونهم، ويلغون شخصياتهم تماما بحجة الحب والخوف والحماية، وعادة ما تكون النتيجة فشلا في الكبر سواء على المستوى العملي أو في العلاقات الشخصية .
إن إقامة علاقة صداقة وبناء جسور ثقة بين الآباء والأبناء منذ الصغر تساعد في تقريب وجهات النظر وربما الوصول إلى إقناع أي من الطرفين بالرؤية الأخرى، كما أن الحوار الهادئ وإعطاء الأبناء فرصة للتعبير عن آرائهم ورفض ما يكرهونه واختيار ما يحبونه ومنحهم شيئا من الاستقلال يهدي المجتمع أشخاصا أسوياء، والمفتاح دائما في يد الأهل فهم من يستطيعون فتح الأبواب أو غلقها.
إن إعطاء الأبناء منذ الصغر مساحة من الحرية والسماح لهم بالتجربة والخطأ يزيد من قوتهم مستقبلا ويساعدهم على الصمود أمام الصدمات وعلى تحمل أعباء الحياة ومسؤولياتها التي سيتحملونها يوما ما.
من وجهة نظري أن دور الأهل الأكبر هو زرع علاقة متوازنة تملأها العاطفة والحب ويغلفها العقل، فالأهل هم السند الذي يتكأ عليه الأبناء، وعليهم أن يواكبوا ظروف جيل أبنائهم الجديد وأن يعلموا أنه بعيدا عن القيم الدينية والأخلاقية الثابتة على مر الأزمنة هناك مستجدات وآفاق جديدة وحياة مختلفة لأبناء مختلفين، فالاختيارات غير الواجبة شرعا لا يجب أن يُكرَه عليها الأبناء.
وهنا نتذكر أيضا مقولة سيدنا علي كرم الله وجهه " لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم".
ما دعاني لكتابة هذه الكلمات هو ظهور نتيجة الثانوية العامة، وأمنيتي الكبرى في هذه الأيام أن يترك الآباء لأبنائهم حرية الاختيار وتشجيعهم على تحقيق طموحاتهم الشخصية، فاليوم يبدأ الأبناء أولى خطوات الاستقلال التي تأتي بعدها مرحلة الحياة العملية وربما استكمال الدراسة في دولة أخرى بعيدا عن الأهل، ثم بناء أسرة لابد أن تكون مستقلة أيضا دون تدخلات تؤثر على حياتهم سلبا.
وفي النهاية أود أن أنصح نفسي والجميع بأن نكون أول الحظوظ الحلوة في حياة أبنائنا، وأن نسعى لأن نكون أيضا ضمن المحظوظين الذين يتركون إرثا من المحبة في قلوب أبنائهم، وقربا لا يؤثر به بعد المسافات، وبرا نابعا من عمق المشاعر وليس من باب الواجب، مع الإبقاء على دور السند والمعين إن أخطأوا يوما الاختيار.
فأبناؤنا أبناء الحياة .