سيرة الإنسان أطول من عمره
الإثنين، 06 يوليو 2020 02:48 م
من أجمل الجمل التي وقعت على مسامعي يوما ما هي أن "سيرة الإنسان أطول من عمره"، يالها من جملة معبرة ومؤثرة وكأنها درس كامل، فبالفعل سيرة الإنسان تبقى حتى بعد وفاته وفنائه من الدنيا فكلنا راحلون لكن قليلين هم من يتركون سيرة حسنة تظل لأعوام وأعوام.
رحلت الفنانة الراقية بأخلاقها ومظهرها وتعاملاتها الجميلة رجاء الجداوي، رحلت بجسدها لكن وعلى ما يبدو أن ذكراها وسيرتها الحلوة لم ولن ترحل رحمها الله، بالرغم من أنني لا أعرفها بشكل شخصي إلا أن الحديث عنها وعن "جدعنتها" ورحمتها ومعاملتها الطيبة مع الجميع جعلني وكأني أعرفها، وبقدر ما حزنت على فقدان الأرض لإنسانة حقيقية في زمن كثر فيه أشباه الإنسان، بقدر ما سعدت أن هناك من استطاع أن يترك ذكرى عطرة لدى جميع أو أغلب من يعرفونه أو لا يعرفونه، إنه حقا لأمر شديد الصعوبة أن تظل على عهدك مع الله ومع قلبك بأن تحيا دون أن تترك أذى أو جراح في قلب أحدهم .
للموت رهبة وعظة ودروس مستفادة، أولها أن الحياة مهما طالت قصيرة وأن لابد لها من نهاية جسدية لكن من الواضح أن هناك ما لاينتهي بعد تلك النهاية وهو السيرة والذكرى، وللإنسان حرية اختيار ما سيبقى بعد فناء جسده فالبعض حين تتذكرهم تبتسم وتدعو لهم دعوة من القلب الذي ذاق منهم حنانا ورأفة وعشرة طيبة، والبعض الآخر حين تتذكره تُلجم لسانك من ذكرهم بالسوء وتكتفي بجملة اذكروا محاسن موتاكم "إن وجدت".
للإنسان مطلق الحرية في زراعة ما يحب ويرغب لكن ليس له حرية ما سيحصد ولا يمتلك حق تغيير نوع الحصاد، ولا أعلم كيف لنا كبشر أن نظلم أو نجرح ونحن على علم بهذه الحقيقة؟.. هنيئا لم علم الحقيقة وتعلم الدرس ونفذه في الواقع بشكل عملي وليس بالكلام فقط.
عندما أرى حب الناس وإجماعهم على شخص خاصة بعد وفاته وبعد انتهاء أية مصالح بينهم تجعل هناك شبهة نفاق أتذكر حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
ما أجمل أن نحيا بالحب والمودة وطيب المعاشرة وأن نمتلك صفات نابعة من أسماء الله الحسنى كاللطف والرحمة والسلام وجبر الخواطر، فمن منا يقوى على دعوة مظلوم أو مجروح يناجي بها ربه، ومن منا لديه جرأة طلب الرحمة من الله وهو لم يرحم من في الأرض؟.
إن وفاة إنسانة جميلة أحيا بداخلي وبشكل شخصي أشياء كثيرة، وجعلني أعد نفسي بوعود أدعو الله أن يجعلني أفي بها وأولها ألا أكون سببا في حزن أو قهر أو ظلم أي كائن على وجه الأرض، وأن أسعى لأن أكون ممن وُعدوا بأن يحرموا على النار والأهم أن أنال حب الله والتي من دلالاتها حب أهل الأرض، ولكن كيف؟
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل)) .
وأخيرا فلنبكي على أنفسنا إن لم يكن الموت لنا واعظا .