يوسف أيوب يكتب: نهاية أردوغان في ليبيا
الأحد، 12 يناير 2020 09:00 ص
- التدخل العسكرى يفتح أبواب النار على الأغا التركى.. والدبلوماسيون الأتراك يرفعون راية العصيان فى وجه رئيسهم
- عدد من السفراء الأتراك أكدوا أن مسئولى الدول المتواجدين بها غير راضين عن سياسات أردوغان
- الشارع التركى بات أكثر قوة من المعارضة فى إعلان رفضه لكل سياسات أردوغان الخارجية
- عدد من السفراء الأتراك أكدوا أن مسئولى الدول المتواجدين بها غير راضين عن سياسات أردوغان
- الشارع التركى بات أكثر قوة من المعارضة فى إعلان رفضه لكل سياسات أردوغان الخارجية
يظن رجب طيب أردوغان أن ليبيا ستكون حبل النجاة من المأزق الذى يعيشه، والأزمات المتلاحقة التى بدأت تضرب تركيا، منذ أن اختار الصدام المباشر وسيلة وآلية لسياسة خارجية تركية انقلبت على الماضى، لكن ما لا يدركه أردوغان أن ليبيا ستكون عكس كل توقعاته، فهى المقبرة التى ستشهد نهاية عقد من الزمن شهد خرابا وتدميرا من جانب رئيس تركيا، امتدت أوصاله إلى غالبية دول المنطقة.
كل المعلومات الواردة من تركيا تؤكد أن أردوغان يواجه مأزقا داخليا، يرتبط بأن عناصر مهمة فى إدارته باتت أكثر ضيقا من تصرفاته وسياساته الخارجية التى أدت إلى وضع تركيا فى عُزلة تامة، وهو ما يتناقض مع السياسة التى حاول أردوغان الترويج لها فى بداية ظهوره على المسرح السياسى، وهى سياسة «صفر مشاكل»، التى كان مهندسها الفعلى أحمد داود أوغلو، حينما كان وزيرا لخارجية تركيا، محاولا فتح الأبواب المغلقة، وبناء سياسة خارجية جديدة تقوم على التعاون مع كل الدول خاصة فى المحيط المجاور لتركيا.
ومع مرور الوقت، انقلب أردوغان على هذه السياسة، وتحديدا فى 2011 بعدما ظن أن صعود تيار الإسلامى السياسى فى المنطقة، وتحديدا جماعة الإخوان، سيحقق له أهدافه بسرعة تتجاوز سرعة سياسة صفر مشاكل، فأظهر أردوغان وحزبه الوجه الحقيقى الساعى إلى فرض السيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط، إما مباشرة أو من خلال جماعات تدين بالولاء لأنقرة، وكانت جماعة الإخوان وتنظيماتها المختلفة فى دول المنطقة مستعدة لتحمل هذه المهمة، لتكون المنفذ والوجه الأردوغانى فى دول المنطقة، خاصة فى مصر وسوريا.
كان المخطط الأردوغانى يسير وفق أهوائه، فالإخوان سيطروا على السلطة فى مصر وتونس، وكانت لهم اليد الطولى فى سوريا وليبيا واليمن، وفى اللحظة التى ظن خلالها أردوغان أنه بات المتحكم الفعلى فى الشرق الأوسط، جاءت ثورة المصريين فى 30 يونيو 2013 لتوجه له الضربة القاضية لأحلامه، وتفسد عليه كل مخططاته، خاصة أن الثورة المصرية أيقظت الضمير العربى، وثارت الشعوب العربية ضد «الإخوان»، ومن هنا ظهر العداء الأردوغانى لمصر وللثورة المصرية.
العداء الأردوغانى لمصر أعماه وجعله أكثر جنونا، فراح يهاجم الجميع، ويقلب الأوراق بحثا عن نفوذ هنا أو هناك يستعيد به جزءا مما فقده، فخطط لاحتلال سوريا ومن قبلها العراق، وحينما فشلت كل أطماعه لم يجد أمامه إلا ليبيا، التى يعتبرها جزءا من الموروث العثمانى الضائع.
ليبيا من وجهة نظر أردوغان وجماعته هى المكان الذى يستطيع من خلاله السيطرة على شرق المتوسط، وأيضا مشاكسة اليونان، والضغط على مصر، والأهم من ذلك أن تكون نقطة تمركز جديدة للميليشيات الإرهابية التى ترعاها المخابرات التركية، بعدما استطاع السوريون طرد ميليشيات أردوغان من أراضيهم، فلم يجد لهم رئيس تركيا، مأوى أفضل من ليبيا، مستغلا تواجد ميليشيات إخوانية فى الغرب وتحديدا طرابلس، التى يتواجد بها أيضا فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسى الليبى، المستعد لبيع أى شىء، مقابل أن يظل على الكرسى، فقبل لنفسه أن يكون نقطة الوصل بين تركيا وقطر من جهة والإرهابيين فى طرابلس من ناحية أخرى، إلى أن وصل به الحال للموافقة على تسليم ليبيا على طبق من ذهب لأردوغان.
هذه هى أطماع أردوغان، التى تسببت فى انقسامات ورفض داخل تركيا، والشاهد أن هذا الرفض لا يقتصر فقط على المعارضة، بل امتد لحلفاء أردوغان الذين انفضوا من حوله، وأشهرهم أحمد داود أوغلو، الرجل القوى فى حزب العدالة والتنمية، والمُنظر الأساسى للحزب، والذى رفض أن يكون الكوبرى الذى يعبر من خلاله أردوغان للوصول إلى أوهامه، فقرر الاستقالة وتكوين حزب جديد يناهض أفكار أردوغان المجنونة التى أصابت تركيا بالشلل التام، شلل سياسى واقتصادى، وقطيعة مع الجميع، دول الجوار والقوى الكبرى.
وعلى نهج داود أوغلو سار أيضا على باباجان، وزير الخارجية الأسبق، الذى فطن قبل عامين لخطورة ما يفكر فيه أردوغان وقرر أن ينأى بنفسه، وينشئ حزبا يسعى من خلاله إلى تجديد الدماء السياسية فى تركيا.
الجديد فى تركيا حاليا أن أفكار وخطط أردوغان تلقى رفضا تاما من جانب قطاع كبير من الدبلوماسيين الأتراك، سواء العاملين فى وزارة الخارجية أو فى بعثات تركيا بالخارج، ووفقا لدبلوماسى غربى مقيم فى القاهرة، فإن عددا من السفراء الأتراك أكدوا فى أحاديثهم الخاصة معه أن مسئولى الدول المتواجدين بها غير راضين عن سياسات أردوغان فى المنطقة، وتعميقه للخلافات والأزمات وسعيه لتطبيق سياسة تركية جديدة تعتمد الأيديولوجية منهجا بعيدا عن المصالح التركية الأساسية.
الدبلوماسى الغربى أكد لى أنه سمع من سفير تركى التقى به قبل أيام فى إحدى الدول الأوروبية، أن هناك حالة من الغضب الشديد داخل وزارة الخارجية التركية من تحركات أردوغان، وأن عددا من الدبلوماسيين الأتراك بعثوا بمذكرة لوزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، حددوا فيها أسباب غضبهم، ومنها أن أردوغان يتجاهل تماما آراء الدبلوماسيين الأتراك، مكتفيا برأى مجموعة قليلة من المحيطين به، ممن لا يدركون شيئا فى العمل السياسى أو الدبلوماسى، وكل همهم أن تقود الأيديولوجية السياسة، وأيضا مسايرة رئيس تركيا فى أفكاره دون أن يكون هناك شرح لخطورة السير فى هذه الأفكار لنهايتها، لأنها ستؤثر على وضعية تركيا فى المنطقة، وخسارتها لكل الأوراق التى كان يمكن أن تتفاوض بها مع دول المنطقة والقوى الكبرى.
وشملت المذكرة، التى رفعها الدبلوماسيون الأتراك لوزير خارجيتهم، تحفظهم على اعتماد أردوغان فقط على الاستماع لقيادات وزارة الدفاع التركية، متجاهلا الدبلوماسيين، مشيرين إلى أنه نتيجة لهذه السياسة فإن تركيا تواجه الآن مأزقا كبيرا فى المنطقة، وفى السياسة الدولية، ولا حل إلا أن يُعيد أردوغان حساباته.
وزير الخارجية التركى، وفقا للدبلوماسى الغربى، تسلم المذكرة ولم يُعلق عليها، ورفض فى الوقت نفسه مناقشة دبلوماسية فيما جاء بها، وهو ما زاد من غضب الدبلوماسيين الأتراك، خاصة أنهم اعتبروا رد الوزير جزءا من السياسة الأردوغانية لتهميش دور الخارجية التركية وسفرائها بالخارج.
السفير التركى تناول مع الدبلوماسى الغربى التوترات الحالية فى ليبيا بسبب قرارات أردوغان، وقال له إن هناك رغبة لدى وزارة الخارجية التركية لحل المشاكل العالقة بين القاهرة وأنقرة، ورفعوا أكثر من مرة مذكرات بهذا الشأن إلى الرئاسة التركية، مؤكدين أنه من الخطأ أن تستمر تركيا فى سياساتها العدائية تجاه مصر، وأن هناك الكثير من المصالح المشتركة التى تجمع القاهرة وأنقرة، لكن الرئاسة التركية تجاهلت هذه المذكرات تماما.
هذا الوضع الذى تعيشه تركيا حاليا ينبئ بمستقبل نظام الحكم بها، فالأزمات تلاحق هذا النظام من كل جهة، سواء فى الداخل أو الخارج، وبات نظام أردوغان أكثر عُزلة مما يتوقعها أكثر أعدائه، فرغم أن رئيس تركيا يستخدم القبضة الأمنية لتطويع مواقف المعارضة التركية لصالحه، لكنه حتى الآن فاشل فى إحكام قبضته، بل إن الشارع التركى بات أكثر قوة من المعارضة فى إعلان رفضه لكل سياسات أردوغان الخارجية والداخلية، وزاد من ذلك أن الأوضاع الاقتصادية فى تركيا تمر بمرحلة هى الأسوأ فى تاريخها، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال نظرة بسيطة للوضع الاقتصادى فى تركيا.
فقط تسبب الخط السياسى العدوانى لأردوغان فى توجيه ضربة قوية للاقتصاد التركى، حيث دفع تدهور العلاقات الاستراتيجية فى الداخل والمنطقة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية، أصحاب المحلات والمصانع إلى إغلاق أبوابها، فقد كشفت المعطيات الرسمية أن 114 ألفا و977 صاحب محل توجهوا إلى إغلاق الأبواب فى عام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى بدأت عقب تدهور العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة فى عام 2018 على وجه الخصوص، كما أظهرت المعطيات أيضا أن حجم القروض المتعثرة للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة زاد بنسبة 50 % فى عام واحد فقط، وأن عدد المحلات المغلقة فى السنوات الـ15 الماضية فى تركيا وصل إلى مليون و896 ألفا، ووفقا لمعطيات اتحاد التجار والحرفيين الأتراك (TESK)، انخفض إجمالى عدد التجار والحرفيين فى تركيا إلى ما يقرب من 1.8 مليون و791 ألفا و201.
هذا جزء بسيط من المعلومات المتوفرة عن الوضع الاقتصادى التركى، الذى تسبب فى حالة من الحنق الشديد لدى الأتراك، وزاد عليه أن مغامرات أردوغان الخارجية منيت جميعها بالفشل الذريع، سواء فى سوريا أو العراق، بل إن هناك حالة من الغضب الشديد لدى الأتراك من إنفاق مليارات الدولارات على نزوات رئيسهم الخارجية، والأموال التى ينفقها على الميليشيات الإرهابية، فضلا عن فتح أبواب تركيا للإرهابيين.
هذه الحالة تؤكد أن نهاية أردوغان فى تركيا باتت قريبة، خاصة فى ظل المعلومات المتداولة بأن سياسيين كبار بدأوا فى طرح البدائل المتاحة حال سقوط نظام أردوغان، كما أن المعارضة التركية التى يقودها أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، بدأت هى الأخرى فى كشف الكثير من ملفات الفساد المتورطين.