في ظل احتكار الشركات الكبرى.. هل يوقف بنك الأصول الوراثية الزراعية كارثة اختفاء المحاصيل؟
الخميس، 11 يوليو 2019 10:51 ص
عندما كان المُزارع المصري البسيط الفطري، يحصد أو يجمع أو يضُمّ محصوله، فى نهاية الموسم الزراعى، منذ آلاف السنين، ثم يُجنّب بعض الحبوب والثمار للعام القادم، لتكون بمثابة التقاوى والبذور، لمحصول الموسم الزراعى الجديد، كان هذا الفلاح فى قمّة السّخاء والرحمة والإنسانية، التى توارثها عنه سلسلة من المزارعين والفلاحين، فى مصر المحروسة، طوال هذه القرون والحِقب الزمنية، حتى وصلّت إلى الفلاح المصرى فى العصر الحديث، فقد كان الفلاح المصرى القديم، سخيّاً جواداً بإنتاجية محاصيله أو بالتقاوى والبذور، وهو عكس ما صارت عليه، الإمبراطوريات والدول الاستعمارية، بعد ذلك، حتى وصلنا إلى مانحن عليه حالياً، حيث بلغت الحماقة والسفه بالدول والشركات العالمية، الأخذ بنظرية التحوّر الوراثىّ والجِينىّ فى البذور والتقاوى، والتى قننت الإغلاق أو العُقم للبذور والتقاوى، حتى لاتنبت بعد الجيل الأول، أو لا تنتجه من الأساس، وهو ما شجّع منظمة الأغذية والزراعة العالمية، "الفاو" إلى مواجهة هذه الصراعات، وإنشاء ما يسمى بـ"بنك الجينات الوراثية النباتية العالمى" منذ عام 2001، لإنقاذ الزراعة فى العالم، من توابع هذه الجريمة، التى تُرتكب فى حقها.
المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية
فى 16 أكتوبر عام 2006، تم وضع أهم بنوك الجينات في العالم، بالنسبة لمحاصيل الحبوب والأعلاف، تحت إشراف المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية، في مجالات الأغذية والزراعة، وهو ما يضمن لمربّي النباتات والمُزارعين والباحثين، في كل مكان، الوصول إلى هذه الموارد الوراثية النباتية، وفق الشروط القياسية المطبَّقة للاستخدام، والمشارَكة سواسيةً في الفوائد المنبثقة عن استخدامها، ففي غضون الاحتفالات بيوم الأغذية العالمي بمقرّ المنظمة، قام المدير العام للمنظمة الدكتور جاك ضيوف، نيابةً عن الهيئة الرئاسية للمعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية، في مجالات الأغذية والزراعة، التوقيع على اتفاقيات مع مراكز البحوث الزراعية الدولية، وتنص على حفظ نحو 600 ألف من عيّنات أهم الموارد الوراثية النباتية، لمحاصيل العالم الغذائية والزراعية، وقال الدكتور جاك ضيوف، المدير العام لمنطمة الأغذية والزراعة "الفاو" وقتها:(إن البُلدان حول العالم، ستحتاج إلى السحب من هذه الأرصدة الوراثية، كاستجابةً للضغوط البيئية المتفاقمة، مثل تغيُّر المناخ وتفشي الآفات والأمراض النباتية مجهولة المنشأ، وكذلك لتلبية الاحتياجات الغذائية لسكان العالم المتزايدين عدداً)، وأوضح "جاك ضيوف" حينها: "أن هذه الجينات تمثّل أسس البناء، لتطوير أصناف نباتية جديدة، أفضل توافقاً ومواءمة لاحتياجاتِنا ولقيود نُظُمِنا البيئية".
أكثر من 105 دولة تنضمّ للمعاهدة
وقد دخلت المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية، في مجالات الأغذية والزراعة، والتي صادق عليها مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة العالمية، "الفاو" حيّز التنفيذ أولاً فى نوفمبر عام 2001، وفي 29 يونيو 2004، انضمّ إليها أكثر من 105 دولة عضواً، إلى جانب الجماعة الأوروبية، وتتلخّص الأهداف الرئيسية للمعاهدة، فى ضمان صون الموارد الوراثية للنباتات المستخدمة، في مجالات الأغذية والزراعة، بوصفها أصولاً حيويّة لبقاء البشرية، والحفاط عليها واستخدامها على أسسٍ مُستدامة، مع توزيع فوائدها بإنصافٍ وعدلٍ بين الأطراف المعتمدة عليها.
فناء التنوّع الحيوىّ الزراعى
وخلال صِراع الإنسان مع الطبيعة، وتدخّله السافر لتغيير نواميس الزراعة والتنوع البيئى، ونتيجةً لتحديث النُظم الزراعية، وتزايُد الكثافة السكانية، إضافة إلى التغيّرات البيئية، فقد أثبتت الدراسات والبحوث، أن التنوّع الحيويّ الزراعي أخذ فى التناقص، وهو الأساس، الذى كان يُعتمد عليه فى إنتاج الأغذية في العالم، وكان التناقص حاداً ومتوصلاً ومستمراً، فمنذ مطلع التاريخ الزراعى، أخذ مزارعو وفلاحو العالم، فى تطوير حوالى 10 آلاف نوع نباتى، للاستخدام فى إنتاج الغذاء والعلف، بينما اليوم، فإنّ أغلبية سكان العالم، أصبحوا يعيشون على 150 محصولاً فقط، بينما تمدّ 4 أنواع محصولية، وهي الأرز والقمح والذرة والبطاطس سكان المعمورة، بما لا يقل عن 60 % من احتياجاتها من الطاقة الغذائية النباتية، وتؤكد الدراسات والبحوث الزراعية والبيئية أيضا، أن حوالى ثلاثة أرباع التنوّع الوراثي النباتي، في المحاصيل الزراعية، قد تم إهداره خلال القرن الماضي، ومازال هذا "التآكل الوراثي" مستمراً، ويتأكد مدى الضعف الجيني، لحالة التنوّع الوراثي الراهنة، على سبيل المثال وليس الحصر، في التهديد الذى يظهر حالياً، على إنتاج الموز التجارى، نتيجةً لتفشي مرض فطرى هو "العفن الأسود" (black sigatoka)، ويعود هذا الضَعف إلى أن الأصناف التجارية الرئيسية الـ 5 المنتَجَة، قد اشتُقَت من صنفٍ أصلي وحيد، بينما تطرح هذه المعاهدة والاتفاقيات الحالية، ردّاً مباشراً على هذا النوع من التهديدات.
معوقات إنتاج التقاوى والبذور
من ناحيته، أكد الحاج حسين عبد الرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، أنّ الحل فيما نحن فيه، من مشاكل وأزمات بشأن التقاوى والبذور، يكمن فى إنتاجها محليّاً، حتى يكون لدينا صناعة وإنتاج وطنى، من التقاوى والبذور، بحيث يغنينا عن الاستيراد والحاجة لشركات استيراد التقاوى، مع الاهتمام بإدارة التقاوى، ورفع ميزانية معاهد ومحطات ومراكز البحوث الزراعية، وخاصة فيما يتصل بإنتاج التقاوى، حتى يتم تذليل العقبات، أمام الباحثين والعلماء والخبراء، ليساهموا بدورهم فى إنتاج تقاوى الأساس والهُجن والبذور.