تنفيذا للاتفاقيات.. هل تعبر البذور والتقاوى الحدود ما بين مصر وأفريقيا فى أمان؟
الأحد، 10 فبراير 2019 10:00 ص
تمثل البذور والتقاوى منذ القدم، بداية ومولد الزراعة فى العالم، وهما أحد أضلاع مثلث الزراعة، منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويتمثل هذا المثلث فى الأرض أو التربة ثم المياه والبذور والتقاوى، وقد كانت هذه البداية بسيطة وتلقائية قبل أن يسود التقدم العلمى والتكنولوجى العالم، ويلقى بظلاله الوارفة على الزراعة، فتصبح الزراعة عِلماً وعلماء ومعامل واختبارات وكليات وجامعات، وصراع رهيب بين الدول على من يمتلك زمام ناصية الأمور فى هذا المجال الحيوى.
كما تحولت البذور والتقاوى من التلقائية والبساطة فى الاستخلاص والزراعة، إلى تجارة بمليارات الدولارات، وأصبح البقاء فى سوقها للأقوى علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً، ولذلك عقدت مصر مع محيطها الأفريقى معاهدات وأبرمت اتفاقيات وبروتوكولات، لانتقال وتجارة التقاوى داخل مجموعة دول الكوميسا حتى تصبح أفريقيا قوة اقتصادية مؤثرة.
تقاوى وبذور
بذور وتقاوى المحاصيل الاستراتيجية
منذ آلاف السنين كان لمصر ريادتها فى الزراعة والبذور والتقاوى، وفى العصر الحديث وعقب ثورة 23 يوليو 1952، وضعت مصر خططها وبرامجها لإنتاج البذور والتقاوى، وكان لها ما أرادت بتوفير تقاوى القمح وبذور القطن وعددٍ من الحاصلات الاستراتيجية وقتها، وهى الخاصة بالغذاء وتوفير المواد الخام للصناعة، مثل "الفول، والعدس، والذرة، والشعير، وقصب السكر، والبصل، والثوم، وغيرها"، والعديد من محاصيل الخضر والفاكهة المحليّة.
ومع مرور السنوات واتساع الفوارق العلمية والاقتصادية، بدأ العالم الحديث والمتقدم يهتم ويتصارع على إنتاج البذور والتقاوى وتسجيلها لديه، مع الاحتفاظ بحقوق ملكيتها، حتى ولو لم يتم اكتشافها عنده، وهنا تأجج صراع حقوق الملكية وحقوق المربى فى التقاوى والبذور وانتقل للخارج، ولم يتبق لدينا سوى تقاوى القمح وبذور القطن، وعددٍ قليل من الحاصلات، بينما أصبحت تقاوى وبذور الخضر والفاكهة رهناً بالاستيراد من الخارج، بنسبة تصل إلى نحو 98%.
لم تكن هناك مبالغة ولا جديد فى الأمر، عندما أعلن الدكتور عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أمام أعضاء مجلس النواب فى 14 نوفمبر 2018، أن الشركات العاملة فى مجال استيراد التقاوى لها دور كبير فى توفير التقاوى المطلوبة للزراعة، خاصة فى زراعة الخضار.
وأشار الوزير إلى أن نسبة 98% من بذور المحاصيل الحقلية يتم إنتاجها فى مصر، بسبب الجهود العالية لمعهد المحاصيل الحقلية فى تسجيل التقاوى والأصناف، وذلك على عكس ما يحدث فى معهد بحوث البساتين، حيث إن أقل من 2% من بذور الخضار تُنتج محلياً، ويتم استيراد الباقى من الخارج بمبلغ يتجاوز المليار دولار، وهذه مشكلة ــ على حد قول الوزير ــ لأنه فى ظل غياب منتج وطنى من محاصيل الخضار،تقوم الشركات باستيراد التقاوى، ويكون هناك تفاوت كبير فى الأسعار وهامش الربح.
أبو ستيت مع المسئولين الزراعيين الأفارقة
التقاوى والبذور بدول الكوميسا
اهتمت مصر منذ القدم بامتدادها الأفريقى، واستمرت على ذلك العهد خلال العصر الحديث، وتجلى ذلك فى دعم مصر لحركات التحرر الأفريقية، حتى حصلت دول القارة على استقلالها ، دولة بعد أخرى، وأصبحت حكوماتها وطنية، وقراراتها بيدها، ولم يتوقف قطار الدعم عند ذلك، بل واصل مسيرته سياسياً واقتصادياً وعلمياً.
وفى المجال الزراعى أيضا، ولضمان التبادل الآمن فى مجال البذور والتقاوى، تم وضع اللبنة الأولى والتى تُوجت بالنجاح، بإعلان وزارى لمجموعة دول الكوميسا عام 2008، بشأن تسهيل تجارة التقاوى فيما بينها، وفى هذا الصدد تمت عدة اجتماعات بدأت فى نوفمبر عام 2010 ولمدة 3 سنوات متتالية، وخلالها تمت دعوة المعنيين من دول الكوميسا، بشئون فحص واعتماد التقاوى والحجر الزراعى وتسجيل الأصناف النباتية، لمناقشة توفيق النظم فيما بينها، بما يسمح بالانتقال الحر والآمن للتقاوى بين دول الكوميسا.
وقد تم اختيار 12 محصولا، له أهمية نسبية لجميع دول الكوميسا، لتطبيق هذا النظام، وهذه المحاصيل هى: "الذرة، والأرز، والفول السودانى، والقطن، والفاصوليا، والكاسافا، والقمح، والبطاطس، ودوار الشمس، والسورجم، والدخن، وفول الصويا"، وقد صدّق مجلس وزراء العدل والمجلس الوزارى لدول الكوميسا على لائحة تجارة التقاوى بدول الكوميسا فى فبراير عام 2014، وأصدر وزير الزراعة القرار الوزارى رقم 1733 لسنة 2018 بنشر لائحة تجارة التقاوى بدول الكوميسا بجريدة الوقائع المصرية، والعمل بها من اليوم التالى من النشر.
اجتماع وزير الزراعة مع المسئولين اللإفارقة
ضوابط الانتقال الآمن للتقاوى
كما تبع هذه القرارات عددٌ من الضوابط،التى تتصل بالانتقال الآمن للتقاوى داخل دول الكوميسا، ومنها أنه يمكن للدولة العضو أن تطلب حظر استخدام أحد الأصناف على أراضيها استناداً إلى قضايا فنية، مثل سوء الاستخدام أو الخطر على أصناف أخرى مثل "القطن المصرى" سواء للتقاوى أو للصحة البشرية أو الحيوانية أو البيئية.
كما تخضع الأصناف المعدلة وراثيا للإجراءات التنظيمية والسلامة البيولوجية التى تنظمها كل دولة عضو على أراضيها، علاوة على أنه يجب على الدول الأعضاء أن تلتزم بقائمة الحجر الزراعى لدول الكوميسا، وأن تسمح بدخول التقاوى إلى أراضيها بشهادة الحجر الزراعى والصحة النباتية المرفقة مع كل شحنة، ومع ذلك يمكن أن يتم اختبار شحنات التقاوى عند نقطة الوصول عندما تكون هناك أسباب قابلة للتبرير.
كما أنه يتوجب على السلطات المختصة تقييم المزايا للأصناف التى يتم إدخالها للتسويق داخل الدول الأعضاء، وتقديم النصح والمشورة للمربيين وشركات التقاوى، بشأن اختيار الأصناف للتقييم والتسجيل، ولها أن تتخذ اللازم لحظر أى صنف إذا ثبت خطره، مع تكوين "لجنة الكوميسا للتقاوى" داخل جهة اعتماد التقاوى لكل دولة، ومن مهامها المساعدة على تطبيق هذا النظام والتعاون مع السلطات التنفيذية، لدراسة وتطوير وتعديل هذا النظام، إضافة إلى حل أى نزاعات قد تنشأ نتيجة هذا التطبيق.