ورقة وقلم واكتبي معايا يا ست الكل ..

الإثنين، 08 يوليو 2019 06:39 م
ورقة وقلم واكتبي معايا يا ست الكل ..
شيرين سيف الدين

 
كيف لنا أن نعيد مصر إلى ماكانت عليه في الأربعينات والخمسينات؟.. كيف لنا أن نصبح كمن نشاهدهم في أفلام الأبيض والأسود ولسان حالنا يقول لماذا هم ونحن لا؟.
 
هل شاهدتم عبد الحليم حافظ وزينات صدقي في فيلم (معبودة الجماهير) أو فاتن حمامة في فيلم (القلب له أحكام)، أو جميعهم معا في فيلم (أيامنا الحلوة).. هم وأهل منطقتهم ورفاقهم الذين مثلوا معا أدوار أبناء المناطق الشعبية والحارة المصرية ممن يعانون من ضيق الحال والحياة المتواضعة؟.. هل لاحظتم نظافة منازلهم وهندمة ملابسهم ومظهرهم وأسلوب حديثهم الراقي رغم بساطة حالهم؟.. أليس ذلك كان واقع الحارة المصرية وأبنائها؟.
 
ما دعاني لكتابة هذا المقال أنني كنت أتنقل بين القنوات لعلي أجد ما أشاهده بعيدا عن الإخفاق الكروي وحكاوى الفساد، وبرامج الفضائح والمقالب، وخلال رحلة البحث صادفني العديد من الملوثات البصرية والسمعية في لقطات سريعة لمسلسلات وأفلام من وجهة نظري ليس لها جدوى سوى تلويث المجتمع وسحب المشاهد للهوة العميقة بحجة أنها تمثل الواقع، وفي وسط البحث وجدت ضالتي فإذا بمشهد لعبد الحليم حافظ مع الجميلة الراقية برغم شعبيتها زينات صدقي في فيلم معبودة الجماهير، وهنا شعرت بالراحة النفسية والسعادة وتركت محرك البحث من يدي كي أنفصل عن الواقع وأندمج مع ماض جميل وددت لو أنني عاصرته .
 
لا أعلم حقا كم مرة شاهدت هذا الفيلم منذ طفولتي، لكنني أعلم أن مشاهدتي الأخيرة له كانت مختلفة، فقد كانت أشبه بباحث علمي يتفقد تطور المجتمع ويقارن الحال بالحال محاولا تحليل الأسباب والنتائج واستخلاص الحلول بعد التركيز على مراحل هذا التغير والتحول المجتمعي الرهيب!.
 
أليس هؤلاء كانوا يمثلون الواقع أيضا ؟ إذاً لماذا كانت الحارة المصرية المتواضعة بهذا الجمال وتلك النظافة واليوم تبدل الحال حتى في المناطق الراقية ؟ وكيف كان حديث أبناء الحارة ومظهرهم بذلك الرقي ومع تطور الزمن أصبح العكس هو السائد على جميع المستويات؟.
 
إن السينما هي بالفعل مرآة الواقع وما كانت تعكسه في ذلك الوقت يؤكد أن ضيق الحال والفقر والسكن في منطقة متواضعة ليس سببا ولا حجة أبدا كي نفقد أنفسنا ونتحول من الرقي ودماثة الخلق للتدني الأخلاقي والسلوكي واختيار البذيء من الألفاظ والمهلهل من الثياب ، فها هم أجدادنا من جميع طبقات المجتمع كانوا مختلفين ومتميزين ورائعين ، فلما وكيف نحن الأحفاد وصلنا لهذا الحال؟.
 
جلست مع نفسي في حالة من اللاوعي أبحث عن مقادير النهوض والعودة للأصل بعيدا عن أسباب السقوط ومن تسبب فيها فالنظر للأمام أهم كثيرا ، وحضرتني الجملة الشهيرة للشيف شربيني ورقة وقلم واكتبي معايا يا ست الكل .. وبدأت في كتابة المقادير.
 
بدا من المؤكد بالنسبة لي أن المكون الأول و الأساسي للوصفة هو التربية والاهتمام بالنشء الجديد والعمل على تطوير سلوكه وأخلاقه ، أما بالنسبة للـ( الشيفات) أو الطهاة فهم عدة لكل منهم دور في الإعداد والاستعداد حتى تنضج الطبخة وتقدم بالشكل المطلوب تمثل الطهاة أمامي في الشكل التالي :
 ** المدارس بمعلميها الذين يجب أن يُختاروا بعناية ويتم إعدادهم بشكل متميز ، ومنهاجها التي من الضروري التركيز فيها على بناء البشر قبل بناء الحجر .
** الإعلام الذي يحتاج للتركيز على برامج خاصة بالأطفال والأسرة والعلوم والثقافة وصحيح الدين للارتقاء بالعقول والأخلاق والبشر على تكون تحت إشراف أطباء نفسيين وخبراء ومتخصصين في التنمية البشرية والسلوكية .
** السينما والدراما التليفزيونية الهادفة لدورها الكبير في توجيه المجتمع ، وأتمنى أن  تخصص الدولة ميزانية لانتاج أعمال هادفة إذا كان الأمل ضعيفا في الإنتاج الخاص .
** الأندية الرياضية والمدربون الذين يحتكون بالأطفال والشباب وضرورة إعدادهم بشكل يستطيع التأثير إيجابيا على المتدربين .
** الأسرة والتي يؤسفني أن تكون أحد أسباب ما وصلنا إليه لأن القلة القليلة في هذا الزمان هم من يهتمون بتربية أبنائهم ومن المؤسف أن يكونوا هم أيضا في حاجة لإعادة التأهيل والتربية فلا نستطيع أن نعتمد عليها بشكل كبير إلا بعد الاهتمام بها هي أيضا .
** الشعب المصري الأصيل .. وأتمنى أن نبدأ جميعا بأنفسنا وأن نعاهدها على التغيير للأفضل ، وأن نقسم على أن نحافظ على وطننا وأنفسنا وأن نعدل من سلوكنا وأن نهتم بتربية أبنائنا على الخلق القويم .. أحلم بألا يلقي أحد منا قمامته وسط الطرقات ، وألا يبصق منا أحد على الأرض بشكل منفر ومؤذ للآخرين ، وألا نتلفظ  بلفظ غير لائق أو نتحدث بأسلوب غير محترم ، أتمنى أن نحترم أدوارنا في الطوابير ، وأن نخاطب بعضنا البعض باستخدام كلمات ك ( آسف ، شكرا ، حضرتك ، من فضلك ، إذا سمحت ، نعم ، تفضل ... إلخ ) ،  دعونا نعاهد أنفسنا على ألا نَفسَد حتى في مواقعنا الصغيرة فهناك من يشكو من الفساد وهو نفسه بذرة ومشروع فساد فيحلل لنفسه راتبا دون الالتزام بمواعيد عمله ، ودون القيام بدوره ومراعاة ضميره والحجج لديه كثيرة بالضبط كما هو حال الفاسد الكبير ، دعونا نحلم بغد أفضل ويبحث كل منا عن سبل و( مقادير )تحقيقه بادئاً بنفسه وأبنائه ومحيطه الصغير .
 
لا أحد يستطيع إنكار الظروف الصعبة التي يمر بها أغلب أبناء الشعب ، وما يكابدونه من أجل الحصول على لقمة العيش ، لكن بعد الرجوع للماضي وبعد مشاهدتي الدقيقة والمختلفة لأفلام الزمن الجميل خَلُصْت لنتيجة هامة هي أنه قد تكون الحاجة المادية والعوز سببا في الشقاء والتعب ، لكن لا ينبغي أن تكون سببا في الانحدار والسقوط في الهاوية ، لذا دعونا نعيد بناء جوهرنا ومظهرنا بأيادينا وعزيمتنا الداخلية  ، ونعود لأصولنا الجميلة ونصبح نحن جميعا (  شيفات ) الطبخة التي تشتهيها أنفسنا 
 

 

تعليقات (5)
الله الله
بواسطة: سوسن
بتاريخ: الإثنين، 08 يوليو 2019 07:25 م

فعلا كان زمن راقي وجميل وكل كلمة في المقال حقيقية وتنم عن حب وغيرة للوطن

ليت الزمان يعود يوما
بواسطة: Adham
بتاريخ: الإثنين، 08 يوليو 2019 07:36 م

الزمن الجميل الراقي ياريته يعود وياريتنا كلنا فعلا نحاول نغير محيطنا وننهض بالمجتمع ككل شيئا فشيء

مقادير جميلة لكن
بواسطة: داليا
بتاريخ: الإثنين، 08 يوليو 2019 08:29 م

المقادير جميلة لكن مش متوفرة في الأسواق للأسف

لا حول ولا قوة الا بالله
بواسطة: هاني حسانين
بتاريخ: الإثنين، 08 يوليو 2019 08:31 م

ربنا يصلح الحال فعلا لان الزمن اصبح مقرف وصعب

كنتو فين من زمان
بواسطة: ليلى
بتاريخ: الإثنين، 08 يوليو 2019 08:33 م

منذ زمن ولم نقرأ ونشاهد سوا مسخ وأخيرا بدأت تظهر كتابات محترمة تحمل هموم المجتمع وتدعو للإصلاح وهو خط اتابعه للكاتبة منذ فترة حتى أنني اصبحت انتظر ما سوف تكتبه في المقال القادم . شكرا صوت الأمة

اضف تعليق