ترشيد الدعم.. تطبيق الشريحة الأخيرة لهيكلة دعم الوقود يعزز شبكات الأمان الأجتماعي
الجمعة، 05 يوليو 2019 07:00 م
اتبعت الحكومة برنامجا وطنيا يستهدف دفع عجلة النمو الاقتصادي، وخفض معدلات التضخم والعجز في الموزانة العامة للدولة وخفض الدين العام، وذلك مع تحييد أثر البرنامج على محدودي الدخل، من خلال تقوية شبكات الأمان الاجتماعي.
من هذا المنطلق شمل البرنامج عدة إجراءات متعلقة بالسياسة النقدية والمالية والهيكلية والحماية والمساندة الاجتماعية، منها تحرير سعر الصرف وإقرار قانون القيمة المضافة، وترشيد دعم الطاقة وخاصة المواد البترولية، والتوسع في برامج الحماية الإجتماعية وإصلاح منظومة بطاقات التموين والخبز الحالية.
ومع تطبيق الشريحة الأخيرة من برنامج ترشيد الدعم الموجه للمواد البترولية، تهدف الدولة إلي البناء على ما حققته الخطوات السابقة للبرنامج، والاستفادة من الدعائم القوية التي تم التأسيس لها خلال الفترة الماضية " 2014/2015-2017/2018"، وذلك بتحقيق طفرة تنموية في المرحلة المقبلة، ومواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادي بما يكفل توفير حياة كريمة لائقة للمواطنين من خلال مستهدفات خطة التنمية المستدامة "2018/2019-2021/2022".
وتصنف المواد البترولية، في الموزانة العامة للدولة ضمن المخاطر العالمية التي تهدد استقرار مؤشرات الموازنة العامة للدولة مثل عجز الموازنة، وتسعى الدولة منذ 2014 وحتى الآن لإستقرارها لإستيعاب صدمات الإقتصاد العالمي المتوالية، حيث تشير أحدث التقديرات العالمية إلى استقرار أسعار النفط العالمية في 2019 عند مستوى 60 دولارا للبرميل طبقاً للأسعار المستقبلية لعقود شراء النفط، وتوقعات صندوق النقد الدولي والعديد من المؤسسات المالية الدولية، ووفقاً للإفتراضات الإقتصادية لوزارة المالية فإن متوسط سعر برميل برنت يقدر في 2019 بنحو 74 (دولار / برميل)، وهو ما يعد ضمن الحدود الآمنة، إلا أنه فى حالة ارتفاع سعر النفط العالمى ليفوق سعر البرميل الافتراضات المتوقعة بنحو 1 دولار/برميل، وهو ما سيترتب عليه تدهور صافي العلاقة مع الخزانة، وبالتالي العجز الكلي المستهدف، حيث أنه من المتوقع أن يترتب على ذلك تدهور صافى علاقة الخزانة مع هيئة البترول بنحو 2.3 مليار جنيه والذى يمثل نحو0.04% من الناتج المحلى، الأمر الذى سيكون له مردود سلبى على الموازنة العامة للدولة من خلال الحد من الموارد المتاحة لتعزيز الإنفاق الرأسمالي والإجتماعي، وهو ما ينطبق أيضاً على زيادة أسعار المواد الغذائية في ضوء الارتفاعات التى تشهدها الأسعار العالمية مما سيكون له تأثير مباشر على زيادة مخصصات الدعم للمواد البترولية والكهرباء.
ومن أجل استيعاب أسباب الاستمرار في تطبيق منظومة إعادة هيكلة الدعم الموجه للمواد البترولية، لابد أولا من سرد النتائج التي تحققت من جراء تطبيق هذا البرنامج منذ تطبيقه وحتى الآن، والتي كانت تصب إجمالا في تحقيق استقرار لكافة مؤشرات الموازنة العامة للدولة، ومن أهم هذه المؤشرات رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى نحو 5.3% خلال عام 2017/2018، ومن المستهدف تحقيق نحو 5.6% خلال العام المالي الحالي 2018/2019، ووصولا إلى نحو 6% خلال العام المالي 2019/2020، ثم السيطرة على عجز الموازنة والذي انخفض إلى نحو 9.8%، مع تحقيق فائض أولي لأول مرة منذ عقود وصل إلى 21 مليار جنيه واستهداف تحقيق فائض أولي بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي المقبل، مع الاستمرار في خفض عجز الموازنة إلى نحو 8.3% للعام المالي الحالي و7.2% خلال عام 2019/2020.
والمؤكد أن المؤشرات السابقة لم تكن قابلة للتحقيق لولا التزام الحكومة ببرنامج محدد ومتكامل لإعادة هيكلة منظومة الدعم بالكامل، مع الالتزام ببرنامج واضح للحماية الاجتماعية، حيث تركز موازنة العام المالي الجديد على رفع كفاءة برامج دعم السلع الغذائية، والتوسع فى برامج الدعم النقدى من خلال البرامج الضمانية الموجهة للفئات الأولى بالرعاية، وتشمل برنامجى تكافل وكرامة وبرنامج الرعاية الصحية لغير القادرين وبرامج القضاء على الفيروسات وإنهاء قوائم الإنتظار للحالات الحرجة والعمليات الجراحية، بالإضافة إلى نظام التأمين الصحي الشامل، وتطوير المستشفيات القائمة والعمل علي رفع جودة الخدمات المقدمة، وبرامج التغذية المدرسية، ودعم المرأة المعيلة، وإشتراكات الطلبة على خطوط السكك الحديدية والمترو.
ومن أهم مستهدفات خطة التنمية المستدامة من وراء استمرار تطبيق برنامج إعادة هيكلة دعم المواد البترولية، تحقيق معدل نمو مرتفع يصل إلي 8% في العام الأخير من البرنامج "2021/2022"، وما يتطلبه من رفع معدلات الاستثمار إلي نحو 25%، وخفض معدلات البطالة بشكل تدريجي ليصل إلي نحو 8% بحلول عام 2021/2022، من خلال توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المصري، وتوفير ما يقرب من 900 ألف فرصة عمل سنويا في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويسعى البرنامج إلي تحقيق تكافؤ الفرص أمام المواطنين وتخفيض معدلات الفقر إلي ما دون 25% بنهاية البرنامج، بالإضافة إلي خفض نسبة العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة إلي أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض نسبة العجز التجاري إلي 7.7% في عام 2021/2022، وخفض نسبة الدين إلي ما دون 80% بحلول نفس العام، فضلا عن التوسع في إقامة المدن والتجمعات العمرانية لاستيعاب 10 ملايين نسمة.
وتستحوذ المنظومة العامة للدعم على ثلث الموازنة العامة للدولة، وتتراوح نسب الدعم الموجه للمواد البترولية "البوتاجاز والسولار وبنزين 90 وبنزين 80 والغاز الطبيعى" ما بين 25_37% قيمة من قيمة فاتورة الدعم كاملة هى نسبة وتناسب للوصول إلى أقل من 10% طبقا لما تم التركيز عليه فى خطة 2014، والتي تستهدف رفع الدعم كاملا خلال 5 سنوات، وفي الوقت الحالي مازالت النسبة الكبيرة توجه للمشتقات البترولية، ومنها تكلفة استيراد 700 ألف طن من سلع الوقود، موزعة بين 400 ألف طن من السولار، ويتم استيراد الزيت الخام من خلال اتفاق مبرم مع الكويت والعراق والسعودية، وكذلك الصفقات المباشرة منها ما يتم مع الإمارات ودول أخرى، حيث يتم استيراد 25% من مجمل ما يتم استهلاكه من المنتجات البترولية وزيادة السعات التخزينية بالتركيز على السولار بنسب 45% بحوالى 40% على بنزين 92 وزيادة القدرة التشغيلية والتصنيعية لسلع الوقود بالمقارنة بالسنوات الماضية إلى 68% بدلا من 43% مما كان يتم تصنيعه داخل البلاد.
وفي نفس الوقت تشهد القدرة التشغيلية من تصنيع سلع الوقود محليا في مصر تطورا ملحوظا، حيث ارتفعت من حوالى 43% إلى قيمة تصنيع وقود محليا إلى 68% بقدرات إنتاجية محلية تصل إلى 25% للزيادة فوق قدرات الدولة تصل إلى 25% منذ 5 سنوات، ومن المستهدف للدولة خلال الفترة من 2020 إلى 2022 الوصول بسلع الوقود محليا إلى نسب تصل إلى 90% للتصنيع السلع وقود محليا، وبالتالى سوف ينعكس كاملا على توفير جزء كبير من 40% من قيمة تصنيع سعر برميل الخام إلى سلع وقود مما توفره الدولة، وبالتالي ينعكس ايجابيا على حال المواطن مستقبلا وأيضا سينعكس بشكل إيجابى على الموازنة العامة للدولة والحماية من تخبطات أسعار النفط عالميا.
وشهدت موازنة العام المالي السابق 2018/2019، اختبارات كبيرة نتيجة الصدمات الدولية التي تعرضت لها الأسعار العالمية للبترول، وتأثيرها السلبى على معدل العجز فى الموازنة والذى كان يتخطى من 10% إلى 15% بسبب زيادة أسعار برميل النفط، والذى تضطر الموازنة العامة للدولة من مبالغ عاجلة من العملة الصعبة تؤدى إلى مستوى عجز مرتفع قد يتعدى الـ 15% فى بعض الحالات، وذلك إذا ارتفع سعر البرميل على مستوى السنة المالية إلى أكثر من مرتين فوق حاجز الافتراض الذى تم وضعه فى موازنة السنة المالية للموازنة العامة للدولة.
فيما تتزامن مساعي الدولة لإعادة هيكلة الدعم الموجه إلي المواد البترولية، مع تبني خطة واضحة من أجل تأمين مستوى الارتفاعات لسعر برميل النفط وعدم تأثيره سلبا عن طريق 5 إجراءات، تمثلت في التعاقد بالعقود الآجلة على استيراد الزيت الخام بنسب تصل إلى 30% من خارج البلاد، بعقود تصل إلى أكثر من سنة ميلادية حتى 5 سنوات، مما يعطى تأمين على تذبذبات أسعار النفط العالمية وتأثيرها سلبا على أسعار الوقود، وتعاقدات استيراد سلع الوقود من خلال الدول العربية فى كل من السعودية والإمارات بتعاقدات من 5 - 8 سنوات بنسب تصل إلى 25% من نسب استهلاك الوقود محليا.
وتضمن الخطة أيضا التماشى مع مستوى زيادة الاستهلاك السنوى والذى يتراوح مع من 8-10%، على حجم الاستهلاك السنوى المصرى وأخذ التدابير لإيجاد الترتيبات المستقبلية لمواجهة الزيادة، بالإضافة إلي الانتهاء من خطة الصيانة والتشغيل والتحديث التكنولوجى لـ50% من قدرات معامل التكرير المصرية، ومنها معمل ميدور ومعمل أسيوط لتكرير البترول والنصر لتكرير البترول والعامرية لتكرير البترول، وبحث زيادة القدرة الإنتاجية للسولار والبنزين والبوتاجاز.
وتشمل الخطة أيضا توصيل الغاز الطبيعى على مستوى 28 محافظة، بمعدل سنوى يصل إلى مليون و350 ألف وحدة سكنية، من أجل تقليل حجم الطلب على البوتاجاز وتوفير 62 مليون دولار من فاتورة استيراد البوتاجاز شهريا، وكذلك وقف استيراد الغاز خلال شهر أكتوبر من عام 2018، مما أدى إلى توفير حوالى 210 ملايين دولار شهريا وهى حجم الاستيراد شهريا، فضلا عن الإعتماد خلال الفترة القادمة على زيادة استخدام الغاز الطبيعى للسيارات، وتوفير السعر الاقتصادى لتكلفة تحويل جزء من فاتورة السيارات التى تعمل بالبنزين إلى أن يكون جزء منها بالغاز الطبيعى، أو استخدام السيارات الكهربائية خلال الخمس سنوات القادمة وخاصة وأن الدولة تركز على إنتاج أول سيارة كهربائية.
وبالعودة إلى كل التدابير والترتيبات التى تم تطبيقها لعدم وجود عجز بالموازنة عما كان فى السابق، أرادت القيادة السياسية أن يكون هناك خطط مستقبلية فى أقل من 5 سنوات لتصنيع الوقود كاملا محليا وبالتالى أخذ كل التدابير، وألا يكون هناك أى مستوى للعجز لدى الموازنة العامة وربط الموازنة العامة للدولة بالتعاقدات المستقبلية طويلة الأجل والتى تؤمن وتحمى الموازنة العامة للدولة من التخبطات.
ويستحوذ بند الدعم على حصة لا بأس بها من إجمالي الموازنة العامة للدولة سنويا، والتى تنقسم لـ 7 أقسام، الدعم على السلع التموينية ويصل لحوالى 22 %، والدعم الموجة للمواد البترولية ويصل إلى 33%، ودعم المنظومة التعليمية ويصل لحوالى 13%، ودعم المنظومة الصحية بحوالى 9%، ودعم المعاشات بحوالى 10 %، ودعم برامج الحماية الاجتماعية ومنها تكافل وكرامة ومعاش التضامن 4%، وبالنظر إلي تاريخ تةلك الأرقام نجد أن شريحة الدعم على السلع الوقودية والتى كانت تصل إلى 61% من قيمة منظومة الدعم تم تحويل جزء كبير منها فى كل الموازنات السابقة وتحويل ما يقرب من 30% على قدرات المعاشات ودعم السلع التموينية والمعاشات، ومنظومة التعليم ومنظومة الصحة ومنظومة الحماية الاجتماعية، وبالتالى شهدت موازنة 2018/2019 خطة حكيمة لدى الحكومة فى تفادى العجز فى الموازنة العامة للدولة وتحويل التوفير لأول مرة فى برامج زيادة الأجور، والتى أعلن عنها رئيس الجمهورية فى عيد العمال وهى أكبر دليل على قدرة العقول المالية المصرية فى تطبيق البرنامج الاقتصادى بنجاح شديد.
وتأتي خطة ترشيد الدعم بعد سنوات من الخلل الذي ترتب علي التزام الحكومة بتحديد سعر بيع جبري للمواد البترولية، حيث تقضي خطة الحكومة على كافة الممارسات غير الشرعية للمنتجات البترولية مثل التهريب، كما أن ترشيد دعم الوقود يسهم في وصول الدعم لمستحقية علما بأن الطبقات القادرة هي المستفيد الأكبر من هذا الدعم وليست الطبقات الفقيرة وهو ما يفتح الباب لتوصيل الدعم إلي مستحقيه.
ويساعد ترشيد دعم الوقود في تصحيح هيكل التسعير وتوفير تلك المبالغ إلي مسارات أخري يستفيد منها الطبقات الفقيرة، مثل التعليم والصحة وبرامج التأمين الصحى، والتوجه إلى مسارات التعليم ورفع كفاءة المنظومة التعليمية بما يساهم فى التخفيف من قيمة الدروس الخصوصية ورفعها عن كاهل أولياء الأمور وأيضا يساهم ترشيد دعم الوقود فى إقامة شبكات الطرق الجديدة مما يؤدى إلى تحفيز وزيادة الاستثمار وإقامة المصانع وتوفير فرص عمل لكافة فئات الشعب.
كما يسهم ترشيد دعم الوقود في تخفيف العبء عن ميزانية قطاع البترول، وحل مشكلة السيولة ويساهم فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب وتقليل عمليات الاستيراد، بل وتدعيم مسيرة وزارة البترول التي نجحت في وقف عمليات استيراد الغاز الطبيعي من الخارج والتحول إلي تحقيق إيرادات دولارية من جراء بيع شحنات الغاز الطبيعي بالخارج.
وتعتبر إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي وترشيد دعم الوقود إجراءات فى صالح المواطن، أخذا في الاعتبار أن الأغلبية العظمي لا تستمتع بما يقدم من مليارات كدعم لأسعار الوقود وترشيد الدعم سيكون في صالح المواطن لتوفيرها خدمات لم تكن موجودة من قبل ستصب فى صالح الاقتصاد المصرى ومن ثم فى صالح المواطن.
ويهدف تخفيض قيمة الدعم فى الموازنة الحالية التوجه إلى مسارات جديدة مخدمات يستفيد منها المواطنين والفئات الأولى بالدعم وأن يذهب الدعم لمستحقيه، ويخفف ترشيد دعم المنتجات البترولية العبء عن ميزانية وزارة البترول مما يساهم في تنفيذ مشروعات جديدة مثل مشروعات معامل التكرير الجديدة ومن ثم زيادة الإنتاج المحلى من المنتجات البترولية، فكلما زاد الإنتاج كلما ساهم في عدم التعرض لتقلبات السوق العالمى كنتيجة لزيادة الإنتاج المحلى وتحقيق الإكتفاء الذاتى من المنتجات البترولية كما أنه يقلل من التعرض لارتفاعات الأسعار بالأسواق العالمية.
وفي نفس السياق، أعتبر المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن الدعم هو موروث تاريخى خاطئ لسوء استغلال السلع، مشيرا إلى أنه فى عام 1992 تم تحريك سعر اسطوانة البوتاجاز من 50 قرش لـ 2.5 جنيها أما باقى أسعار المحروقات ظلت أسعارها ثابتة كما هى، موضحا أنه منذ عام 2005 - 2006 كل إيرادات البترول لم تعد قادرة على تسديد الفرق بين الإنتاج وسعر البيع الجبرى للمنتجات البترولية ومن هنا بدأ ظهور بند دعم المواد البترولية فى الموازنة العامة للدولة .
وأكد وزير البترول الأسبق، أنه منذ عام 2009 حتى عام 2019 بلغ حجم دعم المنتجات البترولية 1.1 تريليون جنيه، ورغم ذلك لا يصل الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، ولذلك يمكن حل الإشكالية في الإنتقال من دعم السلعة إلى دعم المواطن، وهو ما يفسر ما تقوم الدولة به حاليا لضبط قواعد البيانات حتى يتم دعم المستحقيين فقط، لافتا إلى أن الدعم لن يتوقف تحت أى ظروف، حيث أن هناك سلع لن تصل الى سعرها الحقيقى مثل "انبوبة البوتاجاز" بسبب ارتفاع تكلفتها بشكل كبيرة.
ويرى وزير البترول الأسبق، أن الهدف من ترشيد دعم الطاقة، هو إصلاح المنظومة الاقتصادية وبيع المنتجات البترولية بالثمن الحقيقى، بالإضافة إلي منع تهريب تلك المنتجات وإيصال الدعم لمستحقيه عن طريق الدعم النقدى وليس السلعي، وتحقيق أقصى قيمة مضافة من الثروات البترولية وتوجيهها للصناعات التحويلة لتعظيم التصدير وتقليل الاستيراد من المنتجات البترولية والاعتماد على مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس والرياح.
وبالرجوع إلي أرقام الاستهلاك للمواد البترولية، فإن مصر تستهلك شهريا نحو 7.1 مليون طن مواد بترولية، ننتج منها 4.5 مليون طن والـ2.6 مليون طن عجز شهرى يتم استيرادهم من الخارج بفاتورة تكلفة الموازنة العامة سنويا حوالي مليار و200 مليون دولار، بحسب احصاءات 2018، الأمر الذى يجعل من هذا الرقم مكلف جدا للموازنة العامة، فى ظل توجه كبير للدولة للحد من استنزاف العملة الصعبة، ومع تعديل فاتورة دعم الوقود والتى تم تقليصها إلى 89 مليار جنيه، جميع هذه المبالغ كانت على حساب مخصصات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
ومع إدراك الحكومة أهمية تقليص مخصصات دعم الوقود، فقد تم خفضها لصالح دعم السلع التموينية والخبز، والذى تم تخصيص 89 مليار جنيه فى موازنة العام الحالى، والذى بدأ 1 يوليو 2019، مقابل 86 مليار العام المالى الماضى بزيادة 3 مليار جنيه، هذه الزيادات لم تكن لتأتى لولا تقليص دعم المواد البترولية إلى 52 مليار و 963 مليون جنيه بالموازنة الحالية، إضافة إلى أن تخصيص قرابة 60 مليار جنيه لقرارات الرئيس عبد الفتاح السيسى والخاصة بزيادة الحد الأدنى للرواتب لتسجل ألفى جنيه بدلا من 1200 جنيه، إضافة إلى زيادة المعاشات إلى 900 جنيه، واقرار علاوات للموظفين، فجميع هذه القرارات والنجاحات لم تكن لتتحقق لولا إعادة النظر فى منظومة الدعم.
وبالتزامن مع خطط ترشيد الدعم للمواد البترولية تشهد الموازنة الجديدة تقديم منح ومزايا اجتماعية تصل إلى نحو 327 مليار و699 مليون جنيه، موزعة بين برامج الحماية الاجتماعية، ودعم الأسر الأكثر احتياجا، وعلى رأسها برنامج تكافل وكرامة، إضافة إلى رعاية المرأة المعيلة وغيرها من برامج حماية الفقراء.
كما تشهد الموازنة العامة المصرية لأول مرة، زيادة مخصصات التعليم والصحة في الموازنة الجديدة 2019 / 2020 بنسبة 8.4% ليصل إجمالي المخصصات إلى 192.1 مليار جنيه مقابل نحو 177.2 مليار جنيه في الموازنة الحالية بزيادة تبلغ نحو 14.9 مليار جنيه، وتكشف الأرقام أنه جرى زيادة الاعتمادات المالية لقطاع التعليم إلى 69.6 مليار جنيه، بارتفاع قدره حوالي 8 مليارات جنيه عن العام المالي الحالي بنسبة زيادة تتجاوز نحو 13%.
كانت مساعي تحقيق الإستقرار المالي للموازنة، وتجنب تفاقم نسب العجز هي القاسم المشترك بين الدول العربية وليس مصر فقط، حيث شهدت الفترة الأخيرة إقرار الدول النفطية إجراءات من شأنها خفض الدعم الموجه للوقود لإبقاء نسب العجز في الحدود الآمنة، وهو ما اتخذته المملكة العربية السعودية من قبل حيث رفعت أسعار الوقود 3 مرات من 2018 وحتى 2019، بناء على خطة لبرنامج التوازن المالى لتصحيح أسعار منتجات الطاقة وتقليص النمو المتسارع فى الاستهلاك المحلى لمنتجات الطاقة ونفس الأمر بالنسبة لكل من الإمارات والبحرين والكويت وعمان.