الإخوان.. و«أسطرة» محمد مرسي «شهيد القفص»!
الثلاثاء، 25 يونيو 2019 01:58 م
منذ اللحظة الأولى لعزله من رئاسة مصر، وقيادات جماعة الإخوان الإرهابية أدركوا أنهم خسروا السلطة، وكل شيء خططوا له، منذ تأسيس الجماعة عام 1928، فسعوا إلى «أسطرة» رئيسهم محمد مرسي، (جعله أسطورة، ينسجون حوله القصص والحكايات التي لا يقبلها عقل سليم)؛ لاحتواء غضب أعضائهم، وأنصارهم، ودراويشهم.
قيادات تنظيم الإخوان بارعون في صناعة الأساطير. فعلوها مع مؤسس الجماعة حسن البنا. منحوه الإمامة وشهادة المجاهد الأعظم. ساووا بين دعوته وبين الرسائل السماوية. رفعوه إلى مرتبة الأنبياء، والصديقين والشهداء والصالحين.. وكرروا صنيعهم هذا مع سيد قطب، أحد المراجع الرئيسية التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في تكفير وقتل خصومهم.. ثم صنعوا أسطورة زينب الغزالي، ونسجوا حولها الخرافات، وألفوا لها كتبًا تتغنى بجهادها الكاذب، وصمودها المزيف.. وخلعوا عليها من الأوصاف والألقاب ما لم تحظ به زوجات النبي، أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن أجمعين.
يقول المأثور: «حُسن السوق ولا حسن البضاعة».. والإخوان، وإعلامهم، بارعون في ترويج البضاعة الرديئة، كما هم ماهرون في تصدير الوهم، طالما وجدوا أغبياء يصدقونهم، وزبائن يشترون منهم بضاعتهم الفاسدة.. وهم- للأسف- عدد ليس بقليل.
في لقاءاته الإعلامية، خلال جولاته الانتخابية، أكد الدكتور محمد مرسي- في لقائه المتلفز مع الإعلامي خيري رمضان- أنه كان مستشارًا في وكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء، ثم عاد مرسي وكذَّبَ نفسه في لقاء متلفز مع نادر بكار، وأكد أنه لم يقل أنه كان عالمًا في ناسا، ولم يمر بجوار سورها.. وعلى الرغم من ذلك، لم ينكر أحد من الإخوان عليه كذبه، بل باركوه بزعم أن الحرب خدعة، فكان مرسي أول رئيس «إسلامي» كاذب!
لا حياة لمن تنادي.. فمن يصدق أن أمين الوحي سيدنا جبريل- عليه السلام- نزل في اعتصام الإخوان في ميدان رابعة العدوية؛ ليصلي مع المعتصمين من أجل عودة مرسي إلى كرسي الرئاسة، سيصدق أن مرسي أسطورة، بل أكبر من الأسطورة.. ومَن يصدق أن مرسي صلى إمامًا بسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- فسوف يصدق أنه «شهيد»، على الرغم من وفاته في قاعة المحكمة، بعد سماع أقواله، حسبما أكد محاميه عبد المنعم عبد المقصود.. لكن الإخوان منحوه «الشهادة»، ليكون أول رئيس «شهيد القفص»!
ولـ«أسطرة» رئيس الجماعة، قال الإخوان: «إن عزل مرسي أعظم عند الله من هدم الكعبة».. يا الله.. عزل مرسي أعظم عند الله من هدم الكعبة؟! عن أي إله يتحدثون، وعن أي كعبة يقصدون؟ أإلهنا الواحد الأحد، أم هواهم الذي يعبدونه من دون الله؟ أكعبتنا التي نحج إليها، أم مكتب إرشادهم الذي يحجون إليه، ويأخذون الأوامر من مرشدهم؟
ولـ«الأسطرة» نفسها، روَّج الإخوان أن رئيسهم الراحل، كان «أول رئيس يحفظ القرآن»، وأول رئيس يصلي في قصر الرئاسة.. فعلى أي أساس أجزموا أن الرؤساء السابقين، محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وعدلي منصور، لم يحفظوا كتاب الله، ولم يسجدوا لله في قصر الرئاسة؟ على الرغم من تأكيد الرئيس السادات أنه كان حافظًا للقرآن، ومواظبًا على الصلاة.. وعن نفسي صليت معه أكثر من مرة في المسجد الكبير بقريتنا «ميت أبو الكوم».. وكان يلقب بـ«الرئيس المؤمن»!
ولتكريس «الأسطرة»، قالوا- عقب وفاته: «غدًا تلقى الأحبة، محمدًا وحزبه»، و«ربحت البيع يا دكتور مرسي».. وكأنهم تدخلوا في «شؤون ربنا»، وأخذوا بعض اختصاصاته، سبحانه وتعالى.. إذ كيف ينهانا ديننا عن التأكيد على دخول أي إنسان الجنة أو النار، حتى وإن قتل في المعركة «مُقبلاً غير مدبر»، وهؤلاء يؤكدون أن «مرسيهم» ربح البيع؟ هل علموا ما ختم الله له؟ ألم يقرأوا حديث النبي- صلى الله عليه وسلم: «أول من تُسعّر بهم النار عالِمٌ، ومتصدقٌ، وشهيدٌ..»؟
هل قرأ الإخوان ودراويشهم اسم مرسي ضمن العشرة المبشرين بالجنة؟ هل هو أعلى منزلة من أكابر الصحابة، رضي الله عنهم؟ ربما يقولون لا، فيكون السؤال: ولماذا رفعتموه إلى منزلة أعلى من الصحابة؟ أليس عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم، كانوا من أكابر الصحابة، ومبشرين بالجنة، وكانوا «خلفاءً راشدين شرعيين»، وجميعهم قُتلوا قتلًا شنيعًا، وعلى الرغم من ذلك لم تَثُرْ الأمة، ولم تنقلب السماء على الأرض، كما حدث مع «مرسيكم» الذي مات في قفص المحكمة؟
دعونا من الصحابة والتابعين.. هل محمد مرسي أعلى منزلة، وأرفع قدرًا- عند الإخوان والمتأسلمين- من «تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني»، الملقب بشيخ الإسلام، والمشهور باسم «ابن تيمية»، وهو الفقيه، والمحدث، والمفسر، وأحد أبرز علماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري؟
لقد كان لابن تيمية دور كبير في مواجهة غزوات المغول على بلاد الشام، واشترك في معركة «شقحب» التي انتهت بانتصار المماليك على التتار.. وتعرض للاعتقال مرات عدة، بل إنه مات في السجن مظلومًا.. وعلى الرغم من ذلك، لم يقل علماؤنا عنه أنه مات شهيدًا.. فكيف تجرأتم على منح «مرسيكم» الشهادة، ورفعتموه إلى أعلى عليين؟
ربما يتساءل البعض: لماذا يفعل الإخوان ذلك؟ وما الهدف من ورائه؟ باختصار.. مَنْ يتاجر بالدين سهلٌ عليه المتاجرة بأي شيء آخر.. لقد تاجروا بمحمد مرسي ميتًا، كما تاجروا به حيًا؛ ليداروا فشلهم، وليستعيدوا بعضًا من تعاطف المصريين الذين لفظوهم، وثاروا عليهم، وأنزلوهم من حكم مصر.. لكن ظني أن الشعب لن ينطلي عليه بكائياتهم، ولطمياتهم، وكربلائياتهم، والتمسح في الإنسانية.
لقد فشل الإخوان في كل اختبار حقيقي تعرضوا له.. فشلوا في أول منحة وهبها الله لهم، بتحقيق أغلبية في أول مجلس للشعب والشورى، بعد ثورة 25 يناير.. فشلوا في إدارة وزارات ومؤسسات الدولة.. حاولوا أخونة كل شيء.. طعنوا حلفاءهم وتنكروا لهم، وتنصلوا من اتفاق «مشاركة لا مغالبة».. دفعوا رئيسهم دفعًا إلى الفشل بتشتيته بين إرضاء المصريين وإرضاء الجماعة.. فشلوا في استغلال تعاطف أكثر من 12 مليون مصري منحوهم أصواتهم، فتحولت منحة الحكم إلى محنة، وانقلبت النعمة إلى نقمة، وتحول التعاطف معهم إلى عداء؛ بسبب عنادهم، وسياساتهم الإقصائية، وتعاليهم على حلفائهم، وعدم رؤية أحدٍ سوى أعضاء جماعتهم، وعدم سماع صوت أحدٍ سوى مرشدهم، ومكتب إرشادهم، وتقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن، فكان الجزاء من جنس العمل.