الهجوم الإخواني فتح القضية.. لماذا محكمة النقض المصرية «مفترى عليها»؟
الخميس، 21 فبراير 2019 08:00 م
48 ساعة من الهجوم الشرس من جماعة الإخوان الإرهابية على محكمة النقض المصرية- أعلى هيئة قضائية فى الدولة- عقب تنفيذ حكم الإعدام شنقا في 9 متهمين مدانين باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، حيث يأتى ذلك أيضًا بالتزامن مع صدور عدة أحكام قضائية بالإعدام فى عدد من قضايا الإرهاب فى الآونة الأخيرة، كما هو معلوم لدى الجميع.
منذ الأمس، خرجت جماعة الإخوان الإرهابية عبر خلال قنواتهم وصفحاتهم على السوشيال ميديا فى الداخل والخارج، من أجل اللعب على وتر الأحكام الغير منضبطة أمام المجتمع الدولى، وذلك فى محاولة لمخاطبة الخارج للتشكيك فى الأحكام، إلا أنهم يتجاهلون بشكل واضح أن 99% من هذه الأحكام، قضت النقض بنقضها، وإعادة محاكمة المتهمين أمام دوائر أخرى، فيما أيدت الحكم فى عدد ضئيل جدًا من قضايا الإعدام.
وفي الوقت الراهن، يبقى السؤال الذى يجب الإجابة عليه لتوضيح الحقيقة، وإزالة أي التباس، قد يستغله البعض فى محاولة للتشكيك في أحكام القضاء، وهو: لماذا تؤيد محكمة النقض بعض أحكام الإعدام بينما ترفض أخرى؟ وهل لأحكام الإعدام ضمانات تُذكر طبقا للقانون المصرى؟
في البداية، يقول ياسر سيد أحمد، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، أنه يجب الفهم بالنسبة لأحكام الإعدام، أن خالق الروح هو صاحب الحق الأصيل فى أخذها أو نزعها، حيث أن صانع الشئ هو الوحيد الذى يحرص على المحافظة عليه، فقد جاءت جميع التشريعات السماوية والدينية على حرص الله تعالى الخالق على خلقه: وذكر فى قوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» صدق الله العظيم، وقوله جل وعلا «ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».
ووفقا لـ«أحمد» فى تصريح لـ«صوت الأمة» - من المعلوم جاءت المجالس الإقليمية والدولية حديثًا، التي تشارك ووتفاعل فيها حكومات العالم للوصول إلى اتفاق على منظومات التشريعات التي تحقق للإنسانية الحياة الآمنة، تلك الإتفاقيات وصلت فى نهاية المطاف إلى ما يُطلق عليه اليوم بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية، التي تلزم الدول حال مصادقتها على تعديل القوانين المحلية للتوافق معها.
دور محكمة النقض فى أحكام الإعدام
وعن دور محكمة النقض فى أحكام الإعدام، يُجيب «أحمد» أن محكمة النقض يتمثل دورها فى كونها تحاكم الأحكام الصادرة من محاكم أول درجة، وذلك بغرض البيان أن الطعن المُقام من الطاعن سواء المحكوم عليه فى أحكام الإدانة أو النيابة العامة فى أحكام البراءة فى محلها من عدمه، ومن ثم تتطرق المحكمة على ضوء ما يبين لها، فيما تذهب المحكمة بناء على ما يتضح لها، وهى مقيدة بتلك المناعى، إلا إذا كانت تتعلق بالنظام العام، فإن محكمة النقض من تلقاء نفسها تتعرض لهذه المثالب، حيث تقضى فيها من تلقاء نفسها.
وفيما يتعلق بالإعدام- يؤكد «أحمد»- الوظيفة لدى محكمة النقض المصرية تكون ذات طبيعة خاصة، حيث تقتضيها إعمال رقابتها على عناصر وخصائص الحكم كافة قانونية وشكلية موضوعية، وذلك نظرًا لجدية الأمر وخطورته فإنه طبقًا لقانون النقض، فإن القضايا المحكوم فيها بـ«الإعدام» تعرض بشكل رسمى ومباشر عن طريق النيابة العامة على محكمة النقض، حيث أن هذا الإجراء وجوبى حتى ولو لم يطعن المحكوم عليه، وتشفع النيابة ذلك بمذكرة برأيها خلال الميعاد المقرر قانوناً وهو 60 يوماً.
النقض والإتصال بالطعن
ويرى الخبير القانونى والمحامى بالنقض أشرف سعيد فرحات، أن حكم الإعدام نظرًا لخطورته على حياة الإنسان، التى أمر الله تعالى بحفظها فإن محكمة النقض تتصل بالطعن بشكل مباشر، حتى في حال عرض النيابة العامة له بعد الميعاد، وذلك لأن النص على الميعاد سالف البيان نص، يُعد نصًا إرشاديًا وتنظيميًا لا يعمل على تعطيل عرض القضية بتجاوزه أو مروره، ليس ذلك فقط بل إن يدخل ضمن ضمانات حكم الإعدام أن محكمة النقض، تنظر الطعن حتى ولو لم تقدم النيابة العامة مذكرة برأيها، ولا تتقيد المحكمة برأى النيابة العامة.
كل هذه الإجراءات سالفة البيان – بحسب «فرحات» فى تصريحات خاصة- تحرص عليها محكمة النقض، حرصًا على حياة الإنسان ولتلافى الانتقادات العديدة وعمليات التشكيك الموجهة إلى عقوبة الإعدام، من قبل ما يُطلق عليها بمنظمات المجتمع المدنى، وكذا لتوفير الضمانات الكافية من أجل التحقق من صحة تطبيق هذه العقوبة الخطيرة، فى الوقت الذى تبحث فيه محكمة النقض الحكم ومدوناته، وهل هو صادراً طبقًا لصحيح القانون بالنسبة للأدلة والحجج والبراهين والعقوبة الموقعة، وكذا بحث التحقيقات ومرافعات الدفاع، ومحاضر الجلسات، وإجراءات الاستدلالات.
أسباب نقض الأحكام
محكمة النقض من الناحية القانونية لا تتقيد برأى النيابة العامة أو المحكوم عليه فى أحكام الإعدام، ولها الحق الكامل فى أن تنقض الحكم لأسباب عدة سواء للخطأ فى تطبيق القانون أو بسبب بطلانه وأن رقابتها القانونية على الحكم تكون على عناصره كافة، سواء القانونية أو الموضوعية أو الشكلية، كما أن لمحكمة النقض أن تعمل على تصحيح الخطأ القانون ولها الحق فى أن تنقض الحكم صراحة وتحيل الدعوى إلى محكمة الموضوع لنظرها من جديد – الكلام لـ«فرحات».
ليس هذا فقط بل إن محكمة النقض من خصائها فى حال حكم الإعدام، أن تقضى بامتداد ذلك لباقى المتهمين فى حال عدم تقديم أسباب للطعن، أو لم يقرروا بداية بالطعن النقيض، أو إذا كانت مناعيهم غير سديدة، وذلك لحسن سير العدالة ولوحدة الواقعة، كما أنه من الضمانات القانونية التى أوجبها القانون وقبل الحكم بالإعدام من محكمة الموضوع، والتى يجب على محكمة النقض مراقبتها هى أنه من المقرر ووفقاً لقانون الإجراءات الجنائية وجوب استطلاع رأى المفتى قبل إصدار الحكم بالإعدام، حتى لو كانت المحاكمة للمرة الثانية – هكذا يقول «فرحات».
رأى المفتى قبل إصدار الحكم بالإعدام
رأى المفتى قبل إصدار الحكم بالإعدام حتى فى حال إذا كانت المحاكمة للمرة الثانية فلا غنى عن أخذ رأيه فى المرة الأولى، على أساس أن ذلك الإجراء من الشروط اللأزمة لصحة الحكم بتوقيع هذه العقوبة قد أوجبه وأقره القانون لذاته، وبرغم أنه لا تقيد المحكمة بنتائجه، بمعنى آخر أنه يجوز لمحكمة النقض أن تخالف رأى المفتى لأنه رأيًا استشاريًا بل ولا يجب انتظاره، ما لم يرد خلال المدة المقررة «10 أيام» التالية لإرسال الأوراق إليه، بل يجب أيضاَ على محكمة النقض المصرية استطلاع رأى فضيلة المفتى فى حال نظرها القضية التى أمامها كمحكمة موضوع قبل إصدارها حكماً بالإعدام - طبقا لـ«فرحات».
خطوات تمحيص الدعوى
فيما تؤكد الدكتور سها حماده عمران، الخبير القانونى والمحاضر بجامعة حلوان، أن محكمة النقض المصرية تفعل رقابتها بشكل كامل على عناصر الدعوى كافة، الموضوعية والشكلية والقانونية، وذلك لتمحيص الدعوى المنظورة منذ بدايتها، حتى صدور الحكم فيها من محكمة أول درجة مستوفياً الشرائط أو الشروط القانونية السابقة دون أن تترك شاردة أو وأردة، وذلك لجدية الموقف وخطورته، حيث أنه لا يمكن تلافى الخطأ فى أحكام الإعدام، فلو نفذ الإعدام على سبيل المثال، وتبين وجود خطأ لم تنتبه محكمة الموضوع أو محكمة النقض إليه، إذ أن المفقود لا يعود للحياة مرة أخرى بعكس الحال فى الأحكام الأخرى المقيدة للحرية، والتى يمكن تلافيها بعد ذلك «كالتماس إعادة النظر لو توافرت موجباته».
ومحكمة النقض – بحسب «عمران فى تصريحات خاصة»- تستوثق وتراجع للتأكد ما إذا كانت أوراق القضية المنظورة أمامها خلت مما يُعد بطبيعة الحال إخلالاً بحق الدفاع من عدمه، ذلك أن القانون قرر وفقاً لما نص عليه فى الدستور «م67» وكذا قانون الإجراءات الجنائية، أن يكون لكل متهم فى جناية محام يدافع عنه، كما أنه يجب أن يكون الدفاع جدياً حتى تتاح للمحكوم عليه فرصة الدفاع عن نفسه دفاعاً كاملاً حقيقياً لا مبتوراً ولا شكلياً أمام سلطة القضاء، فإذا رأت محكمة النقض أن ما أبداه الدفاع غير ذلك فلها أن تقضى - ومن تلقاء نفسها، ودون أن يثير أحد ذلك - بنقض الحكم وإعادة الدعوى لمحاكمة المتهم أمام دائرة أخرى.