علوم مسرح الجريمة (2)..مدى حرية القاضي الجنائي في تقدير الأدلة لإثبات وقائع مادية ونفسية
الأحد، 17 فبراير 2019 12:00 م
موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي يعد فى حقيقة الأمر من الموضوعات المهمة التي لا غنى عنها في القانون الجنائي على وجه الخصوص، فالقاضي الجنائي يسعى لإثبات وقائع مادية ونفسيه، أي ما تخفيه النفس البشرية، بخلاف القاضي المدني الذي يسعى لإثبات تصرفات قانونية، وعليه فلا بد من إطلاق سلطة القاضي الجنائي في الإثبات؛ للوصول إلى الحقيقة وكشف الجريمة، خصوصاً أن المجرمين لا يرتكبون جرائمهم في العلن، ولا يعلنون مقدما عما ينوون القيام به، مما يعطي أهمية كبيرة لمبدأ السلطة التقديرية للقاضي الجنائي.
فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصد مدى حرية القاضي الجنائي في تقدير الأدلة لإثبات وقائع مادية ونفسية حيث أن موضوع سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة موضوع سبق البحث فيه، ولكن عن تقدير الأدلة التقليدية فقط، أما الأدلة العلمية الحديثة فهو موضوع جديد لم يسبق البحث فيه ووجود الصعوبة فيه لحداثته – بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد الصادق.
إن الدور الذي يقوم به القاضي في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية يتفق مع العقل والمنطق؛ فهو يحقق مصلحتين: مصلحة المجتمع بصفة عامة، وذلك عندما يشعر الناس بالعدل والمساواة، ومصلحة المحكوم عليه في التهذيب والإصلاح والحفاظ على حريته الشخصية فمنح القاضي سلطة في الإثبات بهدف الوصول إلى الحقيقة له أهمية كبيرة لمبدأ سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة – وفقا لـ«الصادق» .
وتزداد أهمية الموضوع لجدية وحداثة المسألة التي يتناولها «مدى قبول الأدلة الناتجة عن التكنولوجيا الحديثة في الإثبات الجنائي» والتي فرضت نفسها على رجال القانون، خاصة الفقه الجنائي والقضاء، حيث يؤكد المختصون من رجال الطب الشرعي على مدى القوة الاثباتيه الدامغة للبصمة الوراثية وغيرها من الأدلة العلمية الحديثة – الكلام لـ«الصادق».
موقف القانون المقارن :
اهتمت التشريعات بموضوع حرية القاضي الجنائي في تقدير الأدلة وعلى رأس هذه التشريعات التشريع المصري الذي أكد مبدأ حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته بالمادة 302 إجراءات بقوله: «يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته»، وكذلك المشرع اليمني بالمادة 367 إجراءات بقوله: «يحكم القاضي في الدعوى بمقتضى العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته».
وكذلك المشرع الأردني في المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقوله: «تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية»، وكذلك المادة 273/1 من قانون الإجراءات الفلسطيني الصادر برقم 3 لسنة 2001م بقوله: «تحكم المحكمة في الدعوى حسب قناعتها التي تكونت لديها بكامل حريتها ولا يجوز لها أن تبني حكمها على أي دليل لم يطرح أمامها في الجلسة أو تم التوصل إليه بطريق غير مشروع».
وكذلك المشرع الليبي في المادة 275 إجراءات الصادر في 28/11/1953م، وكذلك التشريع الجزائري في المادة 150 إجراءات الصادر في 8/6/1966م، وكذلك المشرع الفرنسي في المادة 427إجراءات وكذلك المشرع العراق في المادة 213/1 من قانون المحاكمات الجزائية الصادرة برقم ( 123) لسنة 1971م.
ونرى أن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة الحديثة تحتاج إلى تحليل من ناحيتين:
أولاً: عن الأدلة الحديثة وعلاقتها بالخصوصية، ومدى مشروعية هذه الأدلة في انتهاك الحياة الخاصة للأفراد .
ثانيا : نتعرض لتقدير القاضي للأدلة الحديثة كأدلة لإثبات القضايا المنظورة أمام القضاء.
ومن هنا نتوصل إلى عدة نتائج يجب ذكرها:
النتائج :
1- إن مسألة حماية حقوق الإنسان، وخاصة حقه في سلامة البدن في مواجهة التجارب الطبية قد أصبحت تشغل بال الهيئات والمؤتمرات الدولية، باعتبار أن الإنسان هو غاية التنظيم الاجتماعي، ومن ثم وجب توفير الحماية الضرورية لوجوده واستمرار تقدمه في المجتمع.
2- يعد الحق في احترام الحياة الخاصة من أهم حقوق الإنسان في المجتمعات الحديثة، لما له من ارتباط وثيق بحرية الفرد وما يترتب عليها من صون لكرامته واحترام آدميته.
3- التصوير و المراقبة في مكان خاص يعد أمراً محظوراً وغير جائز متى كان ذلك بدون أذن بعكس التصوير في مكان عام .
4- على الرغم مما تحظى به الأدلة العلمية الحديثة من مميزات في الإثبات الجنائي ، إلا أن هناك بعض السلبيات كالاعتداء على خصوصيات الأفراد التي كفلتها الأديان السماوية قبل الدساتير والقوانين الوضعية والتي يلزم مراعاتها وجوباً.
5- أصبح للصورة دوراً هاماً في ميدان الإثبات الجنائي فهي تعمل على تجسيد الوقائع كما هي إذا لم يطرأ عليها أي تحريف أو تبديل قد يغني عن المعاينة.
6- في نظام الأدلة المعنوية يتمتع القاضي الجنائي بسلطة واسعة في تقدير الأدلة العلمية الحديثة، وتلك السلطة تعد احد خصائص نظريات الإثبات الحديث.
7-إن البصمة الوراثية هي تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينه والتي تحملها الجينات أو الجينوم البشري.
8- البصمة الوراثية أو الحمض النووي D . N . A من الأدلة البيولوجية القاطعة لتحديد هوية الجناة بشرط عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية.
9- البصمة الوراثية في الجمهورية اليمنية لم تستخدم في الوقت الحاضر نظراً لعدم وجود المعامل البيولوجية المتخصصة والخبراء المتخصصون في هذا المجال.
10- المشرع اليمني لم ينص صراحة على القيمة الإثباتية لبصمة الصوت في مجال الإثبات الجنائي إلا أن تسجيل الصوت يعتبر قرينة تساعد القاضي على الاقتناع سواء بالبراءة أو الإدانة.