بشتاك.. مركز الإبداع الذي شيد على جثة صاحبه
الأربعاء، 30 يناير 2019 04:31 مولاء عسكر
كان ولعه الشديد بحياة البذخ والترف وعشقه للنساء، دافعًا لأن يبني قصرا وسط عاصمة دولته حينها، ليبقى شاهدًا على نهاية أحد الأمراء الذين تركوا أرثًا معماريًا مميزًا، ليلقي مصيره بعدها خلال مكيدة مدبرة، في عصر كانت تحكم في المكائد والمؤامرات كل شبر في بلاط السلطة داخل مصر.
من الواضح أن جدران قصر «بشتاك» كانت تعلم أنها شيدت لتصدح فيها نغمات الموسيقي والطرب، لكن هجر مالكه، لم يمنعه من أن يضم بعد قرون واحدا من أهم منابر الإبداع الفني والأدبي.
والحقيقة يؤكدان أن بيت الغناء العربي فكر جديد من الإبداع لاستغلال القصور الأثرية التي تزخر بها القاهرة التاريخية بعد ترميمها وصيانتها، لتتحول منطقة القاهرة التاريخية مركز إبداع فني وثقافي أخذ على عاتقه القيام والنهوض بالموسيقى العربية وتدريب الأصوات الجديدة على الغناء والعزف، إلا أن القائمين على هذا العمل الفني لم يكن لديهم الإمكانية فى خروج هذا الأمر إلى النور إلا باختيار المكان المناسب لظهوره بالمظهر اللائق أمام العالم، ما أدى مؤخرا إلى وقوع الاختيار على «قصر بشتاك».
فما هو قصر بشتاك، ومن هو الأمير الذي سمى القصر باسمه؟! كيف بني ولماذا وقع عليه الاختيار من بيت الغناء العربي؟
وسط قاهرة المعز المدينة التي لا تنطفئ أضواءها وتكتظ شوارعها بالمارة والمحال التجارية وبالتحديد من شارع المعز حكاية أقدم قصر مملوكي ( قصر بشتاك ) نموذج فريد للعمارة المدنية في العصر المملوكي.
هذا القصر شيده الأمير سيف الدين بشتاك الناصري، أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، والذي ترقى في المناصب حتى وصل إلى رتبة أمير، وكانت نهايته على يد الأمير قوصون منافسه الكبير الذي دبر له مكيدة للتخلص منه، في أثناء حكم السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون الذي حكم سنة ( 742هـ / 1341م ).
«بشتاك» كان يشبه بوسعيد ملك التتار وكان كثير البذخ والحروب كما أنه كان مولعًا بالنساء، وكانت نهايته عندما قبض عليه وتم تجريده من أملاكه وسجن بمدينة الإسكندرية وتم قتله في 5 ربيع أول سنة ( 742هـ / 1341م )، وقد شيد الأمير بشتاك أثناء حياته العديد من المنشآت المعمارية لعل أجملهم هذا القصر الذي نتحدث عنه.
القصر يتكون من دورين الدور الأرضي كان فيه مخازن الغلال واسطبلات وغرف الخدم، والعلوي كان يضم قاعة احتفالات وغرف نوم. ويتجلى دور الابداع وعبقرية التصميم في الشغل الهندسي الرائع علي مشربيات القاعات المتغطية بالرخام، إلى جانب اضاءة عبقرية وزجاج ملون معشق علي السقف الخشبي، وبالرغم من روعة بناء هذا القصر إلا أن بشتاك كرههه ولم يعش فيه ثم باعه إلى زوجة الأمير بكتمر.
سبب الالتفات إلى هذا القصر كان زلزال عام 1992، إضافة إلى تخصيصه لمشروع بيت الغناء بهدف الحفاظ علي الغناء الشرقي والهوية العربية رغبة في الابتعاد عن التقاليد الغربية في حياتنا