بالميليشيات المسلحة يحكم إردوغان تركيا، ينشر عناصرها في المدن والأحياء لملاحقة المعارضين، وإرهاب الخصوم، وقتل كل من تسول له نفسه انتقاد سياسته، ما تسبب في أن تكون أنقرة في مقدمة الدول التي تمارس القمع ضد مواطنيها، بعد أن تحولت البلاد إلى سجن كبير.
في قلب أنقرة وبالتحديد في كيزيلاي - أشهر أحياء العاصمة- تصطدم عيناك بلافتة مكتوب عليها "جمعية العمليات الشعبية الخاصة" وهي واحدة من أبرز الميليشيات المسلحة التي أسسها حزب العدالة والتنمية عقب مسرحية الانقلاب يوليو 2016. ظلت مثارا للجدل على مدار ما يقرب من 3 سنوات، وتم إغلاقها في فبراير الماضي، إلا أنها عاودت نشاطها مرة أخرى في ديسمبر الجاري تحت اسم جديد هو "حركة التعبئة الوطنية".
فاتح كايا رئيس الميليشيا الذي تنتشر صورته - على مواقع التواصل - وهو يحمل سلاحا داخل الأراضي السورية، ويدعو إلى الجهاد على طريقة تنظيم الدولة، يزعم أنه لا تربطه علاقة بداعش، أو الرئيس التركي رجب إردوغان.
صحيفة "أودا تي في" التركية ذكرت أن الجمعية بدأت نشاطها عقب مسرحية الانقلاب 2016، من خلال مجموعات مسلحة، زعمت أنها تحافظ على الأمن في الميادين التركية، باعتبار أن حماية الديمقراطية الأساس الذي تستند عليه الشريعة الإسلامية، بينما تأسست الميليشيا بشكل رسمي في 30 نوفمبر من العام نفسه.
كشفت وسائل الإعلام التركية أن ميليشيا العمليات الشعبية الخاصة ظهرت في 22 مدينة، ويصل عددها إلي ما يقرب من 7000 مسلحا. ويعترف رئيس الميليشيا أنه تلقى طلبات انضمام من 40 ألف شخص منذ تدشين الجمعية، التي تمتلك العديد من المكاتب في المدن التركية، بينما يقع مركزها الرئيسي في ولاية طرابزون شمال شرقي البلاد.
فضحت صحيفة سوزجو التركية دور الميليشيا البارز ليلة الانقلاب العسكري، خاصة في التحرك بحرية داخل الميادين لمطاردة وإرهاب المعارضين، فضلا عن حشد الجماهير للتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء الدستوري 2017، مستخدمة سيارات - تحمل اسمها وشعار الدولة العثمانية - تجوب الشوارع، وتحث المواطنين على تأييد الصلاحيات المطلقة للرئيس التركي، أما مرسوم إردوغان رقم 696 الذي يعفي كل من يرتكب جريمة قتل بحق المعارضين أثناء مسرحية الانقلاب، فقد منحها للمليشيا في أن تزهق روح من تريد دون أن تجد من يحاسبها.
ينفي فاتح كايا أن تكون المليشيا التي يتزعمها إحدى الأذرع المسلحة لحزب العدالة والتنمية، واصفا تأكيدات المعارضة في هذا الشأن بغير الصحيحة ولا تستند إلى دليل، وهدفها خلق حالة من الفوضى في البلاد، مهددا كل من يقول ذلك بالسحق.
في حوار له مع قناة بي بي سي في نسختها التركية أوائل العام الجاري، أشار كايا إلى أنه ليس عضوا في حزب العدالة والتنمية، لافتا إلى أن عناصر جمعيته ينتمون لأحزاب مختلفة، والصفة المشتركة بينهم هي حب: الوطن، والأذان، والقرآن، والعلم حسب وصفه، وأضاف: "الجمعية تفتح أبوابها للجميع، لا تفرق بين العرق أو الأصل أو المذهب. يمكنك الانضمام إلينا مهما كنت"
علاقة قوية تربط بين إردوغان وكايا نفاها الأخير، ما جعل الإعلام المعارض يتداول صورا تجمعه بالرئيس التركي أواخر ديسمبر 2017، إلا أنه استمر في كذبه وهو يقول: أحزنني كثيرا الحديث في هذا الموضوع، ما الغريب في صورة تجمعني بإردوغان، إنه رئيس منتخب، هل هي جريمة أن التقط صورة معه، هل كان يتوجب علي أن أقول له لا وأطرده من المكان، هل كانت لدي فرصة لقول مثل هذا؟
تناقلت العديد من وسائل الإعلام التركية تقارير إخبارية حول علاقة الجمعية ومؤسسها بداعش، أشارت فيها إلى أن عناصر المليشيا شاركوا تنظيم الدولة الإرهابي في نحر الأكراد بسورية، ما حاول كايا التنصل منه زاعما أن تلك الأخبار عارية من الصحة، وواصفا "داعش" بأنه تنظيم دموي في حين أن جمعيته ليست كذلك.
صحيفة "هابر 7 التركية ، ركزت على أن أسلوب رئيس الجمعية الذي يعتمد فيه على إرهاب المعارضين وأبرزت قوله: إن رئيس الدولة بالنسبة لي هو أمير المؤمنين، وعندما أمرنا بالنزول إلى الشوارع ليلة منتصف يوليو، كان يجب علينا تلبية نداء الجهاد، مشيرا إلى أن مصطلح الجهاد بات يستخدم بشكل سيء مؤخرا.
كايا الذي عمل في قوات الدرك الخاصة بالقوات المسلحة التركية لمدة 10 سنوات (من 2000 حتى 2010) زعم أنه لا يحمل سلاحا، وهي الكذبة التي حاول تمريرها، ولم تصمد أمام صورته التي ظهر فيها وهو يحمل سلاحا داخل على جبل التركمان داخل الأراضي السورية، في حين علق عليها قائلا: إن التركمان هم جرحنا الذي لا يلتئم. هم إخواننا، التركمان. هم أرواحنا، ذهبت إلى هناك بالفعل، ولست نادما على ذلك. ذهبت كمتطوع من أجل تقديم مساعدات إنسانية فقط. وكنت مجبرا على حمل السلاح فالكل يحمل سلاح هناك. بينما كشفت وسائل إعلام كردية أن كاي مكث في سوريا 6 أشهر كاملة.
النائب التركي عن حزب الشعب الجمهوري، مراد باقان، علق على "العمليات الشعبية الخاصة" بقوله:"أصحاب السلطة في الدول التي تتنامى فيها الفاشية يعززون العنف والضغوط عبر الميليشيات، مثل أصحاب القمصان السوداء في إيطاليا في عهد موسوليني وأصحاب القمصان البنية في ألمانيا ووحدات الدفاع الشعبية في إيرلندا. الأنظمة التي أسست على هذه الكيانات تسببت في كوارث لأنفسها والعالم، وأسفرت عن أزمات إنسانية راح ضحيتها ملايين الناس".
تقدم باقان استجواب في البرلمان التركي، يطالب فيه وزير الداخلية سليمان صويلو بتوضيح حقيقة الميليشيا المسلحة ودورها في المدن التي تنشط فيها، وكشف أعدادها الحقيقية، وعلاقتها بحزب العدالة والتنمية، فضلا عن علاقة رئيسها بالتنظيمات الإرهابية، وأعماله غير المشروعة على الأراضي السورية.
حالة الجدل حول نشاط الجمعية المشبوه، أجبرت السلطات التركية على إغلاق أبواب الجمعية في فبراير 2018، إلا أن الحكومة التي لم تستطع الاستغناء عن خدماتها، سمحت بإعادة تدويرها من جديد في ديسمبر الجاري تحت مسمى "حركة التعبئة الوطنية".
حسب الموقع الإلكتروني للحركة الجديدة، فإن أهدافها هو الوقوف في وجه كل من يحاول النيل من الرئيس ورئيس الوزراء والنواب والولاة والبيروقراطيين والقادة والمدراء والتجار والموظفين والكتاب والرياضيين والفنانين والصحفيين والكتاب وعناصر الشرطة والجنود.