خبراء يكشفون طرق مواجهة حروب الجيلين الرابع والخامس
الأحد، 30 ديسمبر 2018 12:00 مشيريهان المنيري
- د.عادل عبدالصادق: نواجه معركة وعى.. والحل فى دراسة طرق المواجهة
- خبير أمنى كويتي: الحروب الجديدة فكرتها أن يتقاتل أبناء البلد وتدمير الدولة دون تدخل عسكرى خارجى
- خبير أمنى كويتي: الحروب الجديدة فكرتها أن يتقاتل أبناء البلد وتدمير الدولة دون تدخل عسكرى خارجى
يمثل الأمن القومى أولوية بالنسبة للدول كافة حفاظًا على استقرارها وشعبها ومواردها ما يساعدها فى مسيرتها التنموية التى تدفعها إلى مصاف الدول الكبرى فى تقدمها وتطورها. منطقة الشرق الأوسط تعرضت خلال السنوات الماضية لمحاولات مستميتة فى محاولة للنيلّ من أمنها واستقرارها والهادفة إلى استنزاف مواردها وتقسيمها، وللأسف ربما نجح الأمر فى حال بعض الدول مثل سوريا والعراق واليمن بشكل كبير، بينما بقيت مصر صامدة شامخة فى وجه تلك المحاولات بفضل شعبها واصطفافه مع المؤسسات الأمنية من جيش وشرطة وغيرهما من المؤسسات الوطنية بالدولة، فيما تبقى المحاولات المغرضة من الخارج مستمرة لضرب استقرار المنطقة.
«علم تدمير الدول».. هى رسالة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى ركزّ عليها أثناء كلمة ألقاها أمام طلبة الكلية الحربية خلال زيارة لها الأسبوع الماضى، ولعل حديث الرئيس عن ضرورة دراسة علم تدمير الدول وإتقان الإلمام بجميع الأساليب المستخدمة لتدميرها كان واضحًا، مشيرًا إلى أهمية حماية الأمن القومى للدولة والاستعداد لكل الأوجه التى تحاول المساس بها وكيفية التصدى لذلك.
أهمية الأمن القومي
ويُعد الأمن القومى أساسًا لوجود الدولة وهدف من أهداف سياساتها العُليا التى تتمثل بالدفاع عن كيانها فى المحيط الخارجى والداخلى لتأمين أيديولوجياتها، وتعزيز استقلالها والانسجام الاجتماعى، وضمان الوحدة الوطنية والقومية للدولة ضد الأخطار، أيضًا هو المفهوم الذى يدور حول فكرة أمن الوطن والمواطن فى الوقت ذاته، والأمن القومى لم يعُد قاصرًا على البُعد العسكرى التقليدى، لكنه يتسع ليضًم أبعادًا أخرى لا تقل أهمية عن العدوان العسكرى المباشر؛ بل ربما تفوقه أهمية باعتبارها تهديدات غير مباشرة يُمكنها أن تؤدى إلى خلل فى بنية المجتمع والدولة معًا، مثل الاستخدام السيئ أو غير المسئول لوسائل الإعلام، إضافة إلى الاختراق الإعلامى والحروب الإلكترونية وما إلى ذلك من حرب تدور فى الفضاء السيبرانى، وبالتالى يُمكن القول إن مفهوم الأمن القومى يُمثل مفهومًا جماعيًا، بمعنى أن جميع جهات الدولة المعنية يجب عليها أن تتعاون وتضافر جهودها للحفاظ على الأمن القومى.
إن آليات وأساليب تهديد وتدمير الدول من حروب الجيل الرابع التى اهتم بذكرها الرئيس السيسى متعددة وتُمثل قوى ناعمة تتوغل فى المجتمعات على مدار سنوات طويلة حتى تتمكن من أهدافها التى تعمل على تطويعها فيما بعد لتحقيق أغراضها الخبيثة.
ماذا تعنى حروب الجيل الرابع؟
الخبير الأمنى والاستراتيجى الكويتى، الدكتور فهد الشليمى يقول إن من أساليب هذا النوع من الحروب هو استغلال الحالة المادية نتيجة فقر أو بطالة متراكمة، وربطها بالفساد والتأليب على الحكومة أو النظام السياسى الموجود، مشيرا فى تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة»، إلى أن «حروب الجيل الرابع هى فلسفة أمريكية تقوم على فكرة أن يحارب أبناء البلد أنفسهم بأنفسهم، وأن يقوم أبناؤه بتدميره دون تدخل خارجى من أى جيوش، وأن يتم الاستيلاء على عقول أبناء الوطن من خلال مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الجديد من خلال تجنيد بعض الأشخاص من خلال السوشيال ميديا، وبثّ هذه الأفكار بصورة تدريجية لمدة 10 سنوات على أقل تقدير وخلق كوادر تكون مؤيدة، وأيضًا إشاعة الاستهتار والسخرية من الرموز الوطنية أو الدينية، من خلال اتهام العلماء بأنهم علماء السلطان أو المنبطحين، فى حين أن شيوخ الفتنة يتم تعريفهم بأنهم شيوخ الصحوة والتجديد والإبداع».
ولفت فهد الشليمى إلى خطورة استخدام أدوات الإعلام التقليدى بالشكل الذى يتماشى مع حروب الجيل الرابع، من خلال قنوات تابعة للقائمين بها والترويج لما بها عبر وسائل الإعلام الحديثة، إلى جانب استدرار التعاطف من خلال الجمعيات الخيرية ومنظمات حقوق الإنسان التى تظهر لنا بين حين وآخر، مستنكرًا أن مثل هذه المنظمات التى تتحدث ليل نهار على دول المنطقة لم نر منها أى موقف أو تعليق واضح حول أحداث باريس الجارية.
وتابع «الشليمي» أن «هذه الحروب يمكن ملاحظة استهدافها للدولة عند حدوث مزيد من العنف والإرباك الإلكترونى من خلال الفيروسات التى تضرب الحواسيب وإعاقة خطط التنمية عبر الإرهاب الإلكترونى وضرب محطات الطاقة إلكترونيًا، إلى جانب إشاعة حالة من عدم الثقة أو الاستقرار من خلال ترويج الشائعات والأكاذيب، ودور الجمعيات الإنسانية والحقوقية مثل ما تقوم به هيومن رايتس ووتش».
آليات لمواجهة أخطار علم تدمير الدول
أما عن آليات المواجهة فقال الخبير الأمنى الكويتى: «يجب أن تكون هناك شفافية ومكافحة للفساد وتنمية واضحة وإعلام رصين يرد على الأكاذيب، كما أن إدارات الدول يجب أن تكون واضحة أمام شعوبها وترد على الشائعات أولًا بأول، أيضًا هناك أهمية لرفع الوعى لدى الأجيال المقبلة من خلال المدارس والاهتمام بتعلم كيفية استخدام التكنولوجيا وأخلاقيات التعامل مع المواقع الإلكترونية المختلفة والسوشيال ميديا بشكل خاص».
«الشليمي» أوضح أيضًا أهمية العامل الدينى، وما يُبثّ من رسائل فى هذا الصدد، مؤكدًا على دور المساجد المهم والمؤسسات الدينية حتى تصل الرسائل الدينية الصحيحة إلى أبعد النواحى فى الدولة، على حد تعبيره، وقال إن «دول المنطقة يجب أن تعمل على تحسين معلوماتها الإلكترونية والأجهزة التابعة لها وسيرفراتها وحماية شبكة الإنترنت من الفيروسات، وغيرها من الهجمات الإلكترونية».
من جانبه قال عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، الدكتور حسن عماد مكاوى: إن العدو أصبح الآن فى غير حاجة لاستخدام الأسلحة للإيقاع بالدول، فأسلحة الجيل الرابع أصبحت أقوى وأقل تكلفة من خلال وسائل الإعلام الجديد وشبكة الإنترنت وما توفره من سبل لهدم وتدمير الدول عبر استغلال تدهور الأمور الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، مضيفًا أن «الجيل الرابع يستهدف جميع المجالات حتى يحدث فى الدولة نوعا من الانهيار يحول بينها وقيادة مواطنيها وتصبح متفرغة للصراعات الداخلية فقط ما يحول بينهما والتنمية والتقدم».
رسالة الرئيس
ويرى الخبير الإعلامى أن الرئيس السيسى أراد أن يوجه رسالة للشعب كافة من خلال الكلية الحربية كمكان، بهدف تقوية الروح المعنوية لدى العسكريين وإرسال رسالة للشعب بأهمية أن يكون أكثر وعيًا، إلى جانب ضرورة التعاون بين الشعب والجيش ومؤسسات الدولة جميعها للحفاظ على أمنها القومى.
وحول رسالة الرئيس السيسى بالتأكيد على أهمية الإلمام بعلم تدمير الدول أثناء تواجده فى الكلية الحربية، يرى مدير المركز العربى لأبحاث الفضاء الإلكترونى، الدكتور عادل عبدالصادق أن الرئيس لا يعنى تدريسها فقط للعسكريين أو أنهم فقط المعنيون بهذا المجال المترامى الأبعاد، ولكن يجب إدخال هذا العلم فى جامعات ومنصات أخرى، والتعاون بين جميع الأطراف لمواجهة هذا التحدى الجديد أمام الدول.
وقال عبدالصادق فى تصريحات لـ«صوت الأمة»: «أعتقد أن الرئيس يشير إلى أن هناك مجالا جديدا لتهديد أمن المجتمع من ناحية وأمن مؤسساته والحكومة والدولة بشكل عام من ناحية أخرى»، مشيرًا إلى أن هذه الأساليب الجديدة تطلب أن يكون هناك وعى للفرد، حيث أن النظرية الجديدة فى الأمن القومى مع تلك المتغيرات الجديدة أصبحت وظيفة الدولة ليست تقليدية كما سبق حيث الأمن والدفاع فقط، ولكن انتقلت إلى إمكانية أن يقوم الأفراد والمجتمع المدنى بدور فى مجال الأمن والدفاع، وبالتالى يجب أن يتعاون الجميع داخل الدولة إلى جانب التعاون مع الدول الأخرى على المستويين الإقليمى والدولي».
ولفت «عبدالصادق» إلى أهمية الاستثمار فى العنصر البشرى فى مجالات تطوير البرمجيات ونظم الحماية وقيادة مشروع وطنى لحماية البنية المعلوماتية من الأخطار، موضحًا أن هناك توجها عالميا أصبح يظهر فى محاولات قيام بعض الدول بفرض سيادتها على الفضاء السيبرانى، ما يعنى أن الدولة يمكنها توفير جدار لحماية مصالحها وبيانات مؤسساتها والتصدى لتسريب رءوس الأموال الوطنية وتعزيز قدراتها فى الحفاظ على مواردها، لأنه فى حال عدم الحفاظ على الأمن المعلوماتى يمكن التأثير على محاور كافة حيث السياسة والمجتمع والاقتصاد.
وقال: «الثورة المعلوماتية ليست تحديا فقط ولكنها فرصة وخاصة فى مجتمعات منطقتنا التى تعانى من نقص الموارد الطبيعية، فى حين أن الاقتصاد الرقمى أصبح موردًا كبيرًا للنمو الاقتصادى، وخاصة مع وجود ثروة بشرية هائلة، والتى يمكن توظيفها فى أن يكون لنا مكانة فى هذا العالم الجديد الذى لا يعترف إلا بالقوة المعرفية والقدرة على الإبداع والابتكار وقدرة المجتمع على توظيف قدراته فى هذا العالم المتغير، ولذلك يجب التكاتف بين الجميع من خلفيات أكاديمية مختلفة للوصول إلى سياسات مُثلى للتعامل مع تلك التحديات لتحويلها إلى فرص تنعكس على قوة الدولة فى المستقبل».
وأوضح الخبير بمجال الفضاء الإلكترونى والإعلام الجديد أن الجامعات الأمريكية يُدرس بها مواد cyber politics والتى تعنى بدراسة الدمج ما بين السياسة والفضاء السيبرانى، وأيضًا يتم تدريس أساليب حروب الجيل الرابع فى العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى.
وأخيرًا يعتقد «عبدالصادق» أن الدولة بصدد تفعيل استراتيجية الأمن السيبرانى فى شكل استراتيجية قومية لمواجهة أخطار علم تدمير الدول وحروب الجيل الرابع، إلى جانب اتفاقية عربية فى مجال الأمن السيبرانى ربما يتم الإعلان عنها قريبًا.