هل أصبحت «التدابير الإحترازية» البديل الأمثل لـ«الحبس الإحتياطى»؟
السبت، 22 ديسمبر 2018 04:00 ص
«التدابير الاحترازية»..مصطلح شغل رجال القانون خلال الفترة الماضية عقب إتخاذ محاكم الجنايات العديد من القرارات الحديثة بإخلاء سبيل عديد من المتهمين بالإنضمام لجماعات تأسست بالمخالفة لأحكام القانون والدستور وبعض قيادات الالتراس وبعض الصحفيين مقابل إخضاعهم للتدابير الاحترازية.
قرار إلاخلاء سبيل المتهم بـ«تدابير إحترازية» عادة ما تستغله الجماعات والحركات الخارجة عن القانون والإرهابية أيضاَ للنيل من محراب العدالة «القضاة» فى مصر، خاصة عقب القرارت الأخيرة بإخلاء سبيل أو إستمرار إخلاء السبيل للمحتجزين فى القضايا، بإعتباره بديلاَ لـ«الحبس الإحتياطى».
مادة التدابير فى القانون
من جانبه، يقول المستشار محمد السحيمي -، القاضي السابق بمحكمة قنا الابتدائية، أن تعديل المادة (201) من القانون رقم 150 لعام 1950 من قانون الإجراءات الجنائية نص على أنه يصدر الأمر بالحبس من النيابة العامة من وكيل نيابة على الأقل، وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو لتسليمه للنيابة العامة، ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلًا منه أمرا بأحد التدابير الآتية: إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة، حظر ارتياد المتهم أماكن محددة، فإذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيا، ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي.
تعريف التدابير
وعن ماهية «التدابير»، أوضح «السحيمى» فى تصريح لـ«صوت الأمة»، أن التدابير الاحترازية تعتبر مجموعة من الإجراءات القانونية تواجه خطورة إجرامية وتهدف إلى حماية المجتمع عن طريق منع المجرم من العودة إلى ارتكاب جريمة جديدة، وتطبيقها لا يرتهن بإرادة من تفرض عليه، بل هي ملزمة له.
أنواع التدابير الأحترازية:
1- إخلاء سبيل المتهم بتدابير احترازية وعدم مغادرة المتهم للمنزل، ويقوم فرد أمن من قسم الشرطة التابع له المتهم بالمرور عليه داخل مسكنه، وفى حالة اكتشاف عدم تواجده يصدر قرار بحبسه.
2-أن يقوم المتهم بتسليم نفسه للقسم التابع له لمدة 3 ساعات يوميا، وأن يقوم بالتوقيع على كشف الحضور بالقسم، وقد يكون حضور المتهم للقسم لمدة يومين في الأسبوع ولمدة 3 ساعات، وربما تخفف التدابير ليكون الحضور للقسم لمدة يوم واحد فى الأسبوع لمدة 3 ساعات.
3- حظر الذهاب لأماكن معينة.
أسباب التدابير الأحترازية
وفقا لرئيس المحكمة السابق، فإن التدابير الإحترازية يظهر معناها بأنها اجراءات بديلة عن الحبس لتقويم المحكوم عليهم أو المتهمين فى القضايا بوضعهم فى أماكن لا تعد سجون، ولكن بها اجراءات تقويمية نفسية و إجتماعية لتأهيل هؤلاء و تقويمهم، و كذلك تعاليم دينية .
التدابير الإحترازية تحتاج إلى إلتزام من المحموم عليهم لتلقى التأهيل ويكون ذلك بمراقبة و متابعة شرطية من الشرطة، حيث أن مصر لازالت فى مرحلة التأهيل لتنفيذ التدابير بمعناها المطلوب، وإن كانت بدأت تظهر قرارات قضائية بذلك فهى بادرة خير لتتوسع الفكرة، إلا أن التدابير الاحترازية تحتاج اخصائيين اجتماعيين و نفسيين مجهزين للتعامل مع هؤلاء المحكوم عليهم و شخصياتهم المختلفة لاعدة تأهيلهم للمجتمع – هكذا يقول «السحيمى» .
ويُضيف رئيس المحكمة السابق، أن الهدف الرئيسى من التدبير الاحترازي يكمن فى مواجهة الخطورة الإجرامية، وبمثابة أسلوب للدفاع عن المجتمع من هذة الخطورة، ويعني ذلك أنه لا يستند إلى فكرة المسؤولية الأخلاقية القائمة على الخطيئة، وهذا ما يفسر إمكان تطبيق التدبير الاحترازي على عديمي التمييز والإدراك مثل الجنون والصغير، حيث أن التدابير الإحترازية فى أحيان كثيرة ما يكون أفضل بكثير من الحبس الإحتياطى و على الواقع هو مجرد مراقبة شرطية فقط و ليس تدابير بالمعنى العلمى المطلوب .
التدابير ومكافحة الجريمة
من ناحية أخرى، يقول محمد الصادق، الخبير القانونى والمحامى، أن التدابير الواردة فى قانون العقوبات يُلاحظ من خلاله أن المشرّع المصرى، رغم أنه يعترف بنظام التدابير الاحترازية كوسيلة هامة تستخدم إلى جانب العقوبة فى مكافحة الإجرام، إلا أنه لم يضع لها تنظيماً متكاملاً أو نظرية عامة، وإنما نص عليها فى مواضع متفرقة، ويصفها أحياناً بأنها عقوبات تكميلية أو تبعية، بل وينص عليها فى بعض الأحوال كعقوبة أصلية مثل مراقبة البوليس فى الحالات المنصوص عليها بالمرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم، كما سبق أن ذكرنا، ومن أمثلة التدابير الاحترازية المنصوص عليها فى قانون العقوبات ما يلى :
1) المصادرة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات . وهى تفترض أن تكون الأشياء محل المصادرة من التى يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة فى ذاته .
2) الإيداع فى إحدى مؤسسات العمل المنصوص عليه فى المادتين 53 و 54 من قانون العقوبات لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة فى شخصية المجرم معتاد الإجرام .
3) التدابير المقررة لمرتكبى الجرائم الإرهابية إلى جانب العقوبة، حيث نصت المادة 88 مكرراً (د) من قانون العقوبات على أنه : «يجوز فى الأحوال المنصوص عليها فى هذا القسم، فضلاً عن الحكم بالعقوبة المقررة الحكم بتدبير أو أكثر من التدابير الآتية :
أولا/ حظر الإقامة فى مكان معين أو فى منطقة معينة
ثانيا/ الإلزام بالإقامة فى مكان معين .
ثالثا/ حظر التردد على أماكن أو محال معينة .
التدابير وظروف الأطفال والمرضى
وبحسب «الصادق» فى تصريح خاص، أن هذه التدابير تكون من التخفيف علي بعض المتهمين أصحاب الظروف الخاصة والذين وقعوا في جرائمهم في ظروف ملحه أو غير عادية، وهناك أيضا التدابير المنصوص عليها فى قانون الطفل: وهي لها من الأهميه ما جعل المشرع يقر بها، ولعل أهم التدابير الاحترازية فى التشريع المصرى هى تلك المقررة للأطفال المجرمين والمعرضين للإنحراف وأطفال الشوارع وقد اقرها المشرع المصري فى القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل مع العلم أن هناك شروطًا وأهمها الأطفال الذين يوقع عليهم التدبير هم الذين بلغ سنهم سبع سنوات ويقل عن خمس عشرة سنة .
نصت المادة 101 من قانون الطفل، وبالتالي يحكم على الطفل الذى لم يبلغ سنه خمسة عشرة سنة – إذا ارتكب جريمة – بالآتي: «التوبيخ، التسليم، الإلحاق بالتدريب المهنى، الإلزام بواجبات معينة، الاختبار القضائى، الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الإيداع فى إحدى الدور الطبيه المتخصصة»، ويجب الإشارة إلى أن تلك التدابير من الأهمية لبدء تفعيلها في الكثير من القضايا، وأيضا يجوز للنيابة العامة اقرار اخلاء سبيل المتهم والمحبوس احتياطيا باستخدام التدابير المنصوص عليها بالقانون.
التدابير والمصلحة الوطنية
فيما، أكد محمود البدوي المحامي بالنقض والدستورية العليا، إن الدولة تتجه في الآونة الأخيرة إلى تحقيق فكرة المصالحة الوطنية وفق ما جاء فى الدستور المصري، وذلك بهدف استعادة الثقة بين الدولة وشباب ثورة يناير وشباب ثورة يونيو، ما أدى إلى حرص الدولة على أن يكون أحد أهم الملفات المطروحة في أجندتها السياسية خلال الفترة الأخيرة ملف العفو الرئاسي والإفراج عن المحبوسين وكان لمؤتمرات الشباب بشرم الشيخ دور كبير فى تحقيق ذلك.
الرئيس عبد الفتاح السيسي – بحسب «البدوى» فى تصريح لـ«صوت الأمة» - احترامه لسيادة القانون ورغبته فى تطبيق روح القانون مع الشباب الصادر بشأنهم أحكام جنائية عن طريق العفو الرئاسي، وكذلك تطبيق إجراءات سياسية لتحقيق المصالحة الوطنية بالإفراج عن عدد من المحبوسين، إلا أن الدولة فى ظل حرصها على حماية الأمن القومي اختارت أن تكون إجراءات الإفراج عن المحبوسين سياسيا وجنائياَ منذ ثورة يناير وحتى الآن مشروط بمجموعة من التدابير الوقائية أوالإحترازية بهدف رقابة المفرج عنهم للتأكد من انخراطهم داخل المجتمع بشكل سليم و أنهم لا يشكلون أي خطورة على الأمن القومي وأن وجودهم داخل المجتمع أصبح لا يشكل تهديدًا للسلم أو تعكير للصفو العام.
من أهم هذه التدابير الوقائية الوضع تحت المراقبة الشرطية مدة زمنية محددة يحددها القضاء، وهو إجراء أمني ووقائي لا يشكل اعتداء على حرية الأفراد في التنقل ولا على الحرية الشخصية، وإنما يستهدف حماية الأمن القومي والتأكد من انعدام الخطر من جهة الشخص المراقب، مؤكداَ أن هذه الإجراءات قانونية وأمنية وقد تقتضيها اعتبارات الأمن القومي فى أوقات الخطر وبخاصة في ظل التحديات التي تواجه الدولة في محاربة الإرهاب.
«البدوى» أكد أن مسألة تطبيق «اخلاء السبيل بتدابير إحترازية» بشكل موسع خلال الفترة الماضية جاء بعد النظر في أمر الحبس الاحتياطي بعد أن تحول من إجراء احترازي بيد سلطات التحقيق إلى عقوبة سالبة للحرية، ذلك بعد أن تم التوسع في استخدامه بدون الضوابط الحقيقية التي شرع من أجله وهو خشية هروب المتهم أو الخوف من تأثيره بالأدلة أو التأثير علي الشهود او حتى المجنى عليه، وهو الأمر الذي بات يتعارض مع مفاهيم صون حقوق وحريات المتهمين حال عرض أمرهم علي جهات التحقيق، وما تسفر عنه بعد ذلك إجراءات المحاكمة وصدور حكم بالبراءة فهنا من يعوض هذا المتهم عن فترة الحبس الاحتياطي التي تطول لتنال من حريته التي تم تقييدها بناء على اتهام كاذب وملفق في بعض الحالات؟ مما جعل الحبس الإحتياطي يتحول إلي احد الاشكاليات التي باتت تتعارض مع مفاهيم صون الحقوق والحريات التي انحاز لها الدستور المصري المعدل في يناير 2014 وأكدت عليها دونما لبس .
ويضيف أنه بات لزامًا علي المشرع المصري إعادة النظر في أمر الحبس الإحتياطي وأن تطال يد التعديل قانون الإجراءات الجنائية وبخاصة مادة الحبس الاحتياطي ووضع عدد من الضوابط لتطبيقها وأيضا وضع عدد من البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها سلطات التحقيق في حالة عدم وجود دلائل قوية تعزز الإتهام أو عدم التلبس بالجرم، ولحين عرض أمر المتهم علي محكمة الموضوع للنظر في الاتهام والأدلة التي ترتكن إليها النيابة العامة في الاتهام نفاذا لصحيح نص المواد 63 و 214 من قانون الإجراءات الجنائية في آلية إسناد الاتهام والإحالة للمحاكمة .
ويمكن هنا النظر في بعض البدائل التي يمكن تطبيقها ومنها علي سبيل المثال :
- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة.
– حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
– منع المتهم من مزاولة أنشطة معينة.