قبل 5 أعوام.. الليلة التي بكى فيها أردوغان «دم»
الخميس، 20 ديسمبر 2018 12:00 م
17 ديسمبر 2013.. نهار أسود في حياة رجب إردوغان، مرت الساعات في «يوم الفساد» كأنها أعوام على رئيس وزراء تركيا وقتها، بعد فضيحة كشف جرائم الرشوة والتربح التي ارتكبها وأبناؤه وأهم رجال نظامه.
ترك إردوغان أبناءه ووزراءه يواجهون المداهمات الأمنية في ذلك النهار قبل 5 سنوات، وصعد طائرته فرارا إلى مدينة قونية، واكتفى بأمر أنجاله بإخفاء أموال الفساد الموجودة في بيته، بعيدًا عن أعين المفتشين وقوات الأمن.
شملت الحملة إردوغان ونجله بلال وصهره بيرات آلبيراق، وزير المالية الحالي، بالإضافة إلى وزراء الداخلية والاقتصاد والبيئة وقتها، ورجال أعمال وبنوك.
الكاتب جان دوندار نشر فيلما وثائقيا على قناة "أرتي بير تي في" 29 مارس عام 2014، تناول تسجيلات خاصة بفضيحة الفساد وروايات شهود العيان ووثائق القضية، عبر محادثات هاتفية بين إردوغان وأبنائه والوزراء وأنجالهم، مؤكدا أن تنصت الجهات الأمنية على المكالمات جرى بناء على إذن قضائي.
أظهر تسجيل مكالمة بين إردوغان ونجله بلال طلب الأب الفاسد من ابنه إخراج الأموال من منزله وبيت عمه وصهره، على أن يخبئها في أماكن بعيدة عن التفتيش، وأنه سيرسل أخته سمية لمساعدته في نقل النقود.
في مكالمة ثانية، أمر إردوغان نجله بلال بإرسال رسالة إلى المدعي العام زكريا أوز عبر رئيس اللجنة الإدارية للخطوط الجوية حمدي طوبتشو، لإيقاف التحقيقات، قبيل هروبه إلى مدينة قونية بالطائرة مباشرة.
في المكالمة الثالثة، أخبر الابن والده أن طوبتشو لا يعلم بأمر التحقيقات، لكن إردوغان قال إن رئيس اللجنة الإدارية للخطوط الجوية كاذب، مشددًا على نجله أن يتصرف في الأموال وألا يدع شيئًا يقود رجال التحقيقات إلى إثبات تهم الفساد.
ضمت التسجيلات مكالمة بين آلبيراق وأحد المقربين منه ويدعى مدد يانيك، طلب فيها الأول إحضار آلة لتمزيق الورق الذي يثبت تورطه في الفساد والرشى.
في وقت لاحق تبين شراء 6 شقق من شركة تشاليك هولدينج شهير زار، التي ورد ذكرها في التسجيلات، وتحويل 14 مليون ليرة إلى الشركة عبر بنك أكتيف الذي كان يرأس مجلس إدارته آلبيراق نفسه.
كما ورد في عقود شراء الشقق اسم محامي أسرة رئيس الوزراء عمر فاروق، الذي كان مخولا له البيع والشراء باسم العائلة. داهمت قوات الأمن منزل كاغان نجل وزير الاقتصاد ظافر تشاغلايان في منطقة يني محله بالعاصمة أنقرة.
منزل نجل الوزير كان مسجلًا باسم والده ومحصنا من التفتيش، ما دفع الابن إلى الاتصال بأبيه وإبلاغه بالأمر، ليتصل الأخير بنظيره وزير الداخلية معمر جولر، الذي نفى علمه بما يحدث.
بعد المكالمة، فوجىء وزير الداخلية أن بيت نجله أيضًا خضع للتفتيش، وعثر فيه على مبالغ ضخمة بالعملات الأجنبية والليرة التركية. اقتحمت قوات الأمن مقر بنك خلق في منطقة أتا شهير في إسطنبول، حيث قبض على مديره سلمان أصلان، ثم سرعان ما لحقت به زوجته فيما بعد.
فتش الأمن أيضا منزل رجل الأعمال رضا ضراب، ورئيس بلدية فاتح في مدينة إسطنبول مصطفى دمير، ومقر شركة رجل الأعمال علي آغا أوغلو، ومكتب عبد الله نجل وزير البيئة والتخطيط العمراني إردوغان بايركتار.
بدأ نائبا العموم في إسطنبول جلال كارا ومحمد يوزكيتش التحقيقات، واتضح منها أن رضا ضراب (أول المتهمين) قدم رشاوى لأبناء أربعة وزراء من أجل غسيل الأموال وتهريب الذهب.
حسب التسجيلات، اتصل وزير البيئة بالمدير العام للتخطيط العمراني محمد علي كهرمان ونبهه إلى احتمال اعتقاله على يد الشرطة، كما أمر المسؤولين في وزارته بالهرب قبل ضبطهم.
السؤال الذي شغل الجميع: من يقف وراء تسريب المكالمات إلى الإعلام؟ قال بعض المتابعين إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "إف بي آي" سرب الاتصالات، إذ كان يتنصت على رجل الأعمال التركي الإيراني ضراب وأعضاء شبكته منذ عام 2010.
سجن ضراب لاحقًا في الولايات المتحدة بعد اتهامات بالتحايل على الحظر الأميركي المفروض على إيران- بمساعدة إردوغان- بطريقة غير مشروعة.
ذهب محللون آخرون إلى أن تنظيم أرجنكون السري التركي سرب المكالمات بهدف الضغط على إردوغان لإخراج قيادييه وأعضائه من السجن.
لاحقًا، أكد زعيم حزب الوطن اليساري دوغو برينتشاك، وكان أحد قياديي تنظيم أرجنكون، في حديث لقناة تركية أن أعضاء التنظيم تنصتوا على محادثات إردوغان الهاتفية خلال فضيحة الفساد، ونشروها في وسائل الإعلام، وأضاف "لا يزال هناك نحو 40 تسجيلا صوتيًا ومصورًا لم ينشروا بحوزتهم".
أنكر إردوغان مضمون التسجيلات الصوتية، وادعى أنها خضعت للتلاعب و"المونتاج"، وجرى اقتطاعها، وقال إنها لا تعكس الحقيقة، الأمر نفسه فعله مع المحادثات الأخرى المنسوبة إلى الوزراء وأبنائهم ورجل الأعمال.
مجلة فوربس كذبت إردوغان، وقالت إن قاضي المحكمة الأميركية التي نظرت قضية ضراب استمع إلى التسجيلات، مؤكدًا أنها غير مزورة ، كما أقر رجل الأعمال بصحتها خلال محاكمته.
الفيلم الوثائقي كشف أيضا السبب وراء سرية العملية وهو أن شعبة الجرائم المالية التركية خططت لاعتقال 71 شخصًا في "يوم الفساد" بعد أن راقبت المتهمين أربعة أشهر، وسجلت بالصوت والصورة تبادلهم الرشى، لكنها لم تخبر مدير أمن إسطنبول حسين تشابكين خوفًا من تسريب العملية للمسؤولين المتورطين وتمكينهم من الفرار.