على غرار الصين وأوكرانيا.. لماذا لا يعاقب الابن على «عقوق الوالدين» كعقاب الأباء؟
الأربعاء، 19 ديسمبر 2018 03:00 م
فى الواقع إن قانون الأحوال الشخصية ومحاكم الأسرة تضج بنصوص القوانين التي تحفظ تربية وتنشئة الأبناء، الأمر الذى يصل فى كثير من الأحيان إلى الحكم بحبس أحد الأبوين عند التقصير في أداء واجبه كما في دعاوي الحبس لعدم الإنفاق علي الصغير، إلا أننا لا نجد قانونا يكفل رعاية الأباء المسنين، ويحدد الالتزامات التي تُفرض علي الأبناء تجاه أبائهم.
وفى هذا الإطار، يقدم الخبير القانونى والمحامى، صالح حسب الله، بمقترح إلى الجهات المعنية عبارة عن مشروع قانون لضمان حقوق الوالدين، حيث أكد فيه أن حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر، ومن قبلها مجلس النواب، قد سار علي نهج ما قاله الفقهاء والعلماء في شأن الأحكام القطعية ونحوه ففي أحد أحكام المحكمة قالت: «وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية مطرود كذلك علي أن ما نص عليه الدستور في مادته الثانية بعد تعديلها في سنة 1980 م، من أن مبادئ الشرعية الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وإنما يتمخض عن قيد يجب علي السلطة التشريعية أن تتحراه و تنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل، ومن بينها أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985 م بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية .
«حسب الله» خلال مقترحه أوضح أنه لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي كون الاجتهاد فيها ممتنع، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا ولا تبديلا، ومن غير المتصور أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان والمكان، ولا يحوز الخروج عليه أو الالتواء عليها عن معناها.
وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا علي مراقبة التقيد بها، وتغليبها علي قاعدة قانونية تعارضها، إذ هي إطارها العام و ركائزها، إلا اعتبر ذلك تشهيا وإنكارا لما علم من الدين بالضرورة، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها «حكم المحكمة الدستورية العليا 6/1/1996، و المنشور في الجريدة الرسمية العدد (3) في 18/1/1996» - الكلام لـ«حسب الله».
وثبت بالدليل القطعي وجوب بر الوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15).
فالتقدم في السن يحمل معه ضعف البصر والسمع وتراجع القدرة علي النهوض والمشي و الأسوأ من كل ذلك المعاناة من فقدان القدرة العقلية، والإصابة بمرض الزهايمر، وغالبا ما تقع مسؤولية رعاية الوالدين المسنين علي عاتق أولادهم الذين يشعرون بصعوبة هذه المهمة، لاسيما إذا كان عليهم في المقابل أسرهم واحتياجاتهم وأهدافهم الشخصية، وإذا كانت المسافة الجغرافية التي تفصلهم عن ذويهم بعيدة بعض الشيء – هكذا يقول «حسب الله» .
و إدراكا من بعض السلطات في العالم بأن متطلبات الحياة العصرية أدت إلي تآكل الالتزامات التي يتم تكريسها لرعاية الآباء المسنين فقد وضعت الصين في الآونة الأخيرة قانونا عُرف بـ «قانون ضمان حقوق المسنين لجمهورية الصين الشعبية»، والذي ينص علي ضرورة اهتمام أفراد العائلة بكبار السن ودعا الأبناء الذين يسكنون بعيدا عن أبائهم إلي زيارتهم والتواصل معهم بصفة مستمرة، وإلا فهناك عقوبة تقع علي الأبناء إذا تخلفوا عن زيارة والديهم، كما نص هذا القانون علي جعل 9/9 من كل سنة وفقا للتقويم القمري الصيني عيدا للمسنين، وفي أوكرانيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق يُجبر الأبناء علي إظهار الاهتمام وتقديم المساعدة لأهلهم المسنين، وذلك من خلال تشريع يسمح للوالدين المتقدمين في السن بمقاضاة أبنائهم لعدم تقديم الدعم المالي اللازم إليهم – بحسب القانونى.
ومن المثير للإهتمام أن هناك قوانين مماثلة لا تزال موجودة بالكتب في عديد من الولايات الأمريكية من حقبة ماضية، و مع وجود قانون ينظم علاقة الأبناء بأهلهم أو عدم وجوده فالالتزامات الأخلاقية لمساعدة الوالدين المسنين شائعة عدا عن أنها أمر طبيعي نابع من العاطفة البشرية، كما أنها داخلة في طلب الديانات السماوية وخاصة بر الوالدين، وتؤكد أن الله سبحانه وتعالي أوصي بالوالدين إحسانا.
وبينما تضج نصوص القوانين التي تحفظ تربيته وتنشئته قد يصل فيها الحكم بحبس أحد الأبوين عند التقصير في أداء واجبه كما في دعاوي الحبس لعدم الإنفاق علي الصغير، و لكن لا نجد قانونا يكفل رعاية الإباء المسنين ويحدد الالتزامات التي تُفرض علي الأبناء تجاه أبائهم، وتجدر الإشارة هنا إلي انعكاس الأدوار يحدث لكلا الطرفين عندما يحتاج الوالدان إلي مساعدة وهناك خيط رفيع تجب المحافظة عليه و الموازنة بين السماح للوالدين بالحصول علي الاهتمام من الأبناء – وفقا لـ«حسب الله».
وهناك مجموعة من القيم العليا – ولو لم تكن مسطرة في متون الدساتير والمواثيق – لا يجوز النزول عنها – و هي وثيقة الصلة بوجود الإنسان ذاته، وتكفل للبشر جميعا مقومات آدميتهم وتحفظ لهم حرية خواص حياتهم، تضع ضوابط حقوق ملكيتهم، وتضمن مساواتهم أمام القانون الذي يسود بغير تفرقة، هذه القيم الإنسانية تسبق وجود الدساتير، وتسمو عليها، وتعلو فوقها، بقدر ما ينجح الدستور في ترجمة هذه القيم العليا إلي نصوص تجري أحكماها بين دفتيه، يغدو معبرا عن إرادة المواطنين التي يصدر الدستور امتثالا لها، حكم المحكمة الدستورية في القضية رقم 7 لسنة 16 ق جلسة 12/ 2/ 1997.