بعد 23 عاما من حزن القرنفل الأحمر.. «أمهات السبت» تكشف وجه أردوغان القبيح
الإثنين، 10 ديسمبر 2018 06:00 ص
تمر هذا العام الذكرى الـ 23 عاما على بداية انطلاق مظاهرات «أمهات السبت»، اللائي يتظاهرن منذ عام 1995 يوم «السبت» من كل أسبوع، في ميدان جلطة سراي، بوسط إسطنبول، في احتجاج صامت على «الاغتيالات» السياسية وحالات الاختفاء القسري على أيدي النظام الحاكم في تركيا.
تتجمع «أمهات السبت» كل أسبوع في وسط إسطنبول، للمطالبة بكشف مصير أبنائهن، الذين اختفوا في خضم تمرد حزب «العمال الكردستاني»، الذي بدأ عام 1984 في جنوب شرق تركيا حيث تعيش الأكثرية الكردية، ونشطت هناك مجموعة من الشباب التي كانت تضم أكراداً وأتراكاً يساريين في تركيا، أواخر السبعينات، ثم أخذت بعداً عسكرياً في منتصف الثمانينات، بعد ملاحقة السلطات التركية لأعضاء تلك المجموعة، التي أطلقت على نفسها اسم «حزب العمال الكردستاني»، الذي قاده «عبدالله أوجلان»، أثناء تلقيه تعليمه بكلية العلوم السياسية، وترك الجامعة من أجل التفرغ للعمل الحزبي والعسكري.
بعد اتساع نشاط الحزب وارتفاع أعداد مؤيديه داخل كل العراق وسوريا وإيران وتركيا وأكراد المهجر، وانضمام الشباب الأتراك أصحاب التوجهات اليسارية الماركسية، مما خلق تعنتا ضد الحزب من جانب الحكومة التركية، فلم يحصل على أي صفة شرعية طوال 40 عاماً، ولاحقت السلطات أعضاء الحزب وصنفته حزباً «إرهابياً»، وبالتالي كل من يثبت انتماؤه للحزب يقتاد إلى السج ويتم التنكيل به وإخفائه قصريا، واعتقلت زعيم الحزب عبدالله أوجلان، في 1999، ومنذ ذلك الحين هو أحد سجين في زنزانة منعزلة على جزيرة مرمرة النائية بتركيا.
اتسعت قائمة المخطوفين قصريا والمعتقلين من حزب العمال الكردستاني، ووصلت إلى الآلاف، وبقي مصير الكثيرين منهم مجهولاً إلى يومنا هذا، مما حدى بأمهات هؤلاء المختطفين ومجهولي المصير، إلى تنظيم حركة باسم «أمهات السبت» للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهن.
مظاهرات امهات السبت
يصل عدد مظاهرات «أمهات السبت» لألاف المعتصمين المدنيين ومعظمهم من النساء، أسبوعيا بشكل سلمي في وسط ساحة جلاطة سراي، وهم يحملون «القرنفل الأحمر» وصور زويهن المخطوفين والمختفيين، احتجاجا على عدم إجراء النظام التركي أي تحقيقاً يوضح الحقيقة المتعلقة بهؤلاء المختفين بعدما وضعتهم السلطات التركية في المعتقلات وأخفت حقيقة ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، وتحديد أماكن جثامين أولئك الذين اختفوا ومثول المسؤولين عن ذلك للمحاكمة.
لم يعر أي نظام تركي، اهتماما لمظاهرات «أمهات السبت» على مدار 23 عاما منذ انطلاقه، ولم يلقي بالا بمطالب الأمهات المشروعة في تحديد مصير أولادهن وأزواجهن وأخواتهن النختفين قصريا، ولم تكشف أي حكومة عن مصير هؤلاء، إلا أن نظام الرئيس التركي رجب اردوغان، تعامل بقسوة شديدة مع التظاهرات السلمية ووصفها بـ«الخيانة»، ووجه قوات الشرطة التركية بالتعامل بالعنف مع المتظاهرين وتفريق مظاهراتهم بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه تفريق الاعتصام بالقوة، واعتقال المئات من المشاركين، بمن فيهم شابات ونساء معمرات، وبررت سلطات اسطنبول منع التظاهرة بأن نداءات للمشاركة والاعتصام فيها، كانت منشورة على صفحة حزب العمال الكردستاني في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويواجه نظام اردوغان، سخط بالغ إذاء تعامل شرطة إسطنبول بوحشية مع مطالب «أمهات السبت»، حيث ووصفت إيما سنكلير ويب مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تركيا، تعامل أردوغان ونظامه الحاكم مع التظاهرات السلمية «بالأمر المخزي والوحشي»، قائلة: «إنه لأمر مخجل أن تعامل السلطات بشكل وحشي، اعتصاما سلميا يطالب بالعدالة والتحقيق في جرائم الدولة».
اعتداء الشرطة التركية على امهات السبت
طبقا لرابطة حقوق الإنسان التركية، التي تساعد عائلات «أمهات السبت»، فإن العدد المؤكد للمفقودين في تركيا يبلغ 800 شخص، بالإضافة إلى مئات الأشخاص الأخرين الذين تم اعتقالهم وإخفائهم قسريا منذ مسرحية الانقلاب التركي في 2016.
وقال عبدالله زيتون رئيس جمعية حقوق الانسان في ديار بكر: «التغيب والإخفاء القسري، سياسة تتبعها تركيا للتستر على المسؤولين عن خطف آلاف الأشخاص وإخفائهم قسرياً، كما أن تدخل الشرطة ضد اعتصامات أمهات السبت في اسطنبول، يعني حماية المسؤولين عن حالات التغيب والإخفاء، وهذا الموقف السياسي يوضح أن فقدان أشخاص عن عمد هو أسلوب يتم توظيفه حسب الحاجة إليه».
كما أدان أونورسال أديجيزال عضو حزب الشعب الجمهوري والنائب عن إسطنبول في البرلمان التركي، تعامل الشرطة التركية، قائلًا «إن الناس ونواب البرلمان لا يتمتعون بحرية في بلد يفرض قيودًا على الحقوق الديمقراطية، كما أنها هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها أمهات السبت عقوبات للعصيان المدني الذي يقمن به بشكل أسبوعي، إن مطالبنا ليست فقط مطالب أمهات السبت، لكنها مطالب تتعلق بكل أوجه المجتمع، تحتاج تركيا للديمقراطية وإلى دولة القانون ووجود حقوق للإنسان».
اعتقال متظاهرين من وقفة امهات السبت
الكثير من عائلات المختفين قسريا داخل تركيا، توجهوا إلى المحاكم الدولية أملا في الحصول على العدالة، وأقاموا ما يبلغ 60 من الدعاوي في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي سلمت تركيا عقوبات صارمة، إلا أنه على الرغم من هذه الإدانات، لم يتم إحراز تقدم في التوصل إلى الجناة، ومن بين هذه العائلات عائلة «أوجاك» التي فقد فقدت ابنها «حسن» عام 1995، الذي نظم احتجاجًا بعدما قتلت قوات الشرطة 12 مدنيًا في بلدته، واحتجزته السلطات في مارس في 1995، وتعرض للخنق بقطعة حبل بعدما تعرض للتعذيب لمدة خمسة أيام، وتلقت عائلته اتصالًا يخبرهم بالعثور على جثمان، وعندما توجهوا للتعرف على الجثة كان أحد جانبي الوجه مهشما ولم يمكنهم التعرف عليه».
امينة اوجاك 82 عاما اثناء القاء الشرطة التركية القبض عليها
ظهرت صورة أمينة أوجاك، البالغة من العمر 82 عاماً، «والدة أحد المفقودين»، بعد اعتقال قوات الشرطة التركية لها، وهي ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها، منذ 1995.
تخرج «أمينة أوجاك»، والدة «حسن»، للتظاهر يوم السبت من كل أسبوع في ميدان جلطة سراي، على مدار 23 عاما، أملا في العثور على ابنها أو التأكد مما إذا كان قد فارق الحياة، فإن المعاناة والصدمة لا يفارقونها منذ اختفاء ولدها، فإذا كان هناك قبر، فقد تجلس عليه الأم المكلومة لتبكي فراق ابنها، لكن حالها وحال «أمهات السبت» أصبح أمرا ميؤسا منه بعد العنف الذي يمارسه نظام اردوغان ضد هؤلاء الأمهات، وتجاهله الكشف عن حقيقة اخفاء ابنائهم قسريا، وسط ادعائه بديموقراطية نظامه الحاكم، وتستره على المسؤلين الحكوميين المتورطين في إخفاء 800 شخص قسريا دون تقديم دليلا واحدا على مكان تواجدهم أو حتى إجراء أي تحقيق قانوني يكشف حقيقة بقائهم على قيد الحياة أو اغتيالهم.