كيف تصدت الدستورية العليا لقضية «المرأة والقضاء» بعدم دستورية المادة 104؟
الخميس، 06 ديسمبر 2018 09:00 م
- عدم دستورية التقاضي على درجة واحدة لطعون قضاة مجلس الدولة
- عدم دستورية الحرمان من درجات التقاضي
- عدم دستورية تعطيل نصوص الدستور وحرمان المرأة من تولي القضاء
لازالت أصداء حكم المحكمة الدستورية العليا مستمرة بشأن الدعوى رقم 125 لسنة 35 قضائية «دستورية»، بعدم دستورية نص المادة «104» من قانون مجلس الدولة فيما تضمنه من قصر الاختصاص بنظر الطلبات والمنازعات المتعلقة بمستشاري مجلس الدولة على درجة واحدة، الأأمر الذى كان له أثراَ مباشراَ على قضية المرأة والقضاء.
المحكمة فى حيثيات الحكم، قالت إنها أقامت حكمها بأن نص المادة «104»، من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المحال فيما تضمنه من اختصاص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا وحدها بالفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائه، مقتضاه أن التقاضي بشأنهم يتم على درجة واحدة، ومن ثم يكون قد أقام تمييزًا غير مبرر بين هؤلاء الأعضاء وأقرانهم من أعضاء السلطة القضائية الذين منحهم نص المادة «83» من قانون السلطة القضائية المشار إليه، بعد استبداله بالقانون رقم 142 لسنة 2006، الحق في التقاضي في شأن الطلبات الخاصة بهم على درجتين.
ووفقاَ لـ«المحكمة»- ذلك جعل الاختصاص معقودًا للدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة، مع إمكانية الطعن على أحكامها أمام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض، مما يتيح لهم حماية أكبر فى مجال استئداء حقوقهم، بأن أتاح لهم درجة أخرى من درجات التقاضي يتناضلون فيها عسى أن يدركوا فيها ما فاتهم من أدلة لم يقدموها للدائرة المختصة، أو يكتشفون وجهًا للدفاع لم يمكنهم اكتشافه في المرحلة الأولى بما يكفل الطمأنينة لحماة العدالة حتى ينصرفوا لأداء رسالتهم على أكمل وجه، وحتى ينالوا الترضية القضائية إنصافًا، وهو ما حرم منه أعضاء مجلس الدولة، وذلك رغم تماثل مراكزهم القانونية، إذ يجمعهم أنهم قضاة متساوون فى الحقوق والواجبات.
ليضحي حرمان أعضاء مجلس الدولة - بحسب «المحكمة» - من هذا الحق، انتقاصًا من فرص الحماية القانونية للحقوق المقررة لهم بمقتضى أحكام الدستور، ووسائلها التي اعتمدها المشرع، لا يرتكن إلى أسس موضوعية تبرره، بما يهدر شرط التناسب بين التنظيم الذى سنه كوسيلة لتحقيق الأهداف التي رصدها له.
وبين تلك الغايات، ليغدو مصادمًا لتلك الأغراض، وغير مرتبط بها برابطة منطقية، ومتضمنًا تمييزًا تحكميًّا بين كلتا الفئتين فى مجال مباشرة الحق في التقاضي، ما يوقع النص في حكم المخالفة الدستورية لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة اللذين كفلهما الدستور في المواد «4، 9، 53، 186» منه، وللحق في التقاضي المقرر بالمادة «97» منه، بعد أن قيد من نطاق ممارسة هـذا الحق، وانتقص من محتواه ومضمونه، بما يمس أصله وجوهــــره، وهو ما يصمه كذلك بمخالفة المادة «92» من الدستور.
وأما عن علاقة الحكم بقضية المرأة والقضاء، تقول أمنية طاهر جاد الله، صاحبة الطعن بسبب عدم تعيينها بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة دفعة 2013، أن للحكم آثار مباشرة علي تلك القضية، إذ أن القضية في مضمونها تطعن على قرار اداري: الأول: قرار سلبي بإمتناع مجلس الدولة عن تسليمي ملف التقدم لشغل أولي درجات السلم القضائي بما يشكل مخالفة لمواد الدستور 11 و 14 و 9 و 53.
الثاني: قرار إيجابي بصدور قرار جمهوري بإقتصار التعيين على الخريجين مع اقصاء كامل للخريجات، بما يشكل مخالفة لمواد الدستور 11 و 14 و 9 و 53.
ووفقا لـ«جادالله» فى تصريح لـ«صوت الأمة» - مما كان يقتضي أن تكون الدعوى منظورة أمام محكمة القضاء الإداري إلا أن مجلس الدولة أبي غير أن يحرمها وغيرها من درجات التقاضي ويحيل دعواها لمحكمة أخر درجة وهي المحكمة الإدارية العليا مباشرة فإذا ما صدر حكم سلبي في القضية فليس لها حق الطعن عليه ويصبح الحكم نهائي وملزم.
فتمت إحالة الدعوي-الكلام لـ«جادالله»- إلي الدائرة الثانية بالإدارية العليا التي من بين اختصاصاتها قضايا أعضاء الهيئات القضائية «ترقيات، بدلات، تسويات،....» وقضايا التخطي في تعيين الهيئات القضائية رغم كونها لست عضوة في أي هيئة قضائية ولا تطعن على قرار تخطيها في التعيين لمن تمت مقابلتهم وتقييمهم حيث لم يسمح لها بالتقديم من الأساس ولم يتم اجراء مقابلات معها، وإنما طعنت على قرار اداري معلوم للكافة بعدم السماح لها ولغيرها بالتقدم لشغل الوظيفة والذي كان إن تم قبوله سيتم اجراء المقابلة تباعا إلي باقي خطوات التعيين، متسائلة: « فلماذا إذن تم تحويل قضيتي للدائرة المختصة بشئون الأعضاء رغم كوني لست عضو هيئة قضائية ولم يتم اجراء مقابلات معي ولا أطعن علي تخطي في التعيين؟».
أما وقد صدر حكم الدستورية والذي من مؤداه إحالة هذا النوع من القضايا التي ما زالت منظورة أمام الدائرة العليا ولم يتم الحكم فيها أو حجزها للحكم إلى دائرة بمحكمة القضاء الإداري سيتم انشائها لنظر تلك القضايا من البداية والحكم فيها وإذا لم يكن الحكم مرضيا، فلصاحبه الطعن عليه أمام الإدارية العليا، أو أن سيتم استمرار نظر القضية أمام ذات الدائرة بالمحكمة الإدارية العليا وإنشاء دائرة أخري مستقلة للطعن على قرارت تلك الدائرة، وبالضرورة سيؤدي ذلك لطول أمد التقاضي بالمخالفة لتوقعات الأطراف في ظل الوضع السابق لكنه يقدم لهم ضمانة أكبر وهي حقهم في درجات التقاضي- هكذا تقول «جادالله».
جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية العليا قد استندت في حكمها للمادة 53 من الدستور والتي تقضي باعتبار التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، وهي نفس المادة التي تستند إليها قضية حق المرأة في اعتلاء المنصة دون تمييز ضدها إلي جانب نصوص دستورية أخري عديدة.
يشار إلى أن المحكمة الدستورية العليا تعرضت لمدي دستورية نفس المادة 104 من قانون مجلس الدولة سلفا في حكمها الصادر 16 مايو 1982، في الطعن رقم 10 لسنة 1 ق، وسوف يسفر تطبيق الحكم المذكور في الأيام القادمة عن انعكاسه بشكل عملي على قضية المرأة والقضاء.